ثلاث سنوات عجاف عاشها اللبنانيون في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والكوارث المتتالية، منتظرين عودة معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت، عاصمة المكتبات والثقافة والكتب العربية. ذلك المعرض الذي كان يشكل التظاهرة الثقافية الأبرز في لبنان منذ انطلاقته قبل نحو 66 عاماً، والذي سبق معارض الكتب التي راحت تقام واحداً تلو الآخر في مختلف المدن العربية الأخرى لاحقاً.
بعد ذلك الانتظار المرير، أعلن أخيراً عن إطلاق الدورة الـ63 للمعرض العربي والدولي للكتاب، في الـ3 من آذار الجاري على أن يستمر حتى الـ 13 منه تحت شعار: "بيروت الصمود.. بيروت لا تنكسر". وذلك بدعوة من "النادي الثقافي العربي" في موعد استثنائي يختلف عن الموعد المخصص للمعرض الذي درجت العادة على أن يقام في شهر كانون الأول من كل عام.
وبحسب ما تم الإعلان عنه، فإن 90 من دور النشر اللبنانية من بين المشاركين في فعاليات المعرض، بالإضافة إلى 4 دور نشر من سوريا ومصر، و10 دور من إيران. وغابت كبريات دور النشر المحلية والعربية عن المشاركة لأسباب مختلفة، منها ما يتعلّق بإغلاق بعضها أو توقّف نشاطها –اللبنانية خاصة- بسبب تأثرها الشديد بأزمة البلاد الاقتصادية، ومنها ما يتعلّق بعدم استجابة الدور لدعوة المشاركة بسبب ارتباطها بفعاليات معارض كتب أخرى في بلدان مختلفة، ومنها ما هو سياسي أيضاً.
وبصرف النظر عن الأسباب التي أضعفت المشاركة العربية، يبدو أن ذلك الضعف أدى إلى حضور بارز لدور النشر الإيرانية أو اللبنانية المقرّبة سياسياً وأيديولوجياً وثقافياً معها (حزب الله وحركة أمل بشكل رئيس).
وعلى مدار الأيام السبعة التي تلت افتتاح المعرض، ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بالعبارات والتسجيلات المنتقدة والغاضبة من أجواء المعرض، الذي طغى عليه الطابع الإيراني وشهدت فعالياته هيمنة إيرانية/ "حزبلاوية" واضحة، لدرجة أن بعض الناشطين وصفوا المعرض بأنه "معرض الاحتلال الإيراني" و"معرض طهران للكتاب" و"معرض فارس".. إلخ.
تجلّت أفظع مؤشرات تلك برفع صورة كبيرة للقائد السابق لـ "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني داخل دار نشر (لبنانية) تدعى "المودّة".
شكل وضع تلك الصورة الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات والتوترات التي شهدها المعرض، إذ نظّمت مجموعة من الناشطين اللبنانيين احتجاجاً على وجود صورة سليماني وعلى الاستفزاز الإيراني وهيمنته في المعرض.
وبعبارة "بيروت حرّة حرّة.. إيران اطلعي برا" التي أطلقها المحتجون أمام دار "المودة" المقربة من إيران و"حزب الله"، انطلق شاب لبناني يدعى "شفيق" باتجاه صورة سليماني وراح يضربها بيده محاولاً تحطيمها وإزالتها من المكان قبل أن يتعرض لهجوم من قبل موالين لإيران وحزب الله، انهالوا عليه بالضرب والركل لينتهي به المطاف إلى المستشفى بحسب ما أفادت مواقع لبنانية محلية.
بالفيديو
— الصـــنـــــدوق (@alsundog) March 7, 2022
هاتفين "بيروت حرة حرة إيران طلعي برا" و تكسير صورة لقاسم سليماني وضعت في معرض الكتاب في بيروت#لبنان#بيروت#قاسم_سليماني pic.twitter.com/W7dyIFnPHy
وفي حين شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة تضامن واسعة مع "شفيق"، أعرب موالو "حزب الله" عن سعادتهم بالاعتداء عليه، وأطلقوا هاشتاغات تحتفي بضربه وتهدد من يتعرّض لرموزهم ولإيران وسليماني، كما نشروا صوراً للمعتدين واصفينهم بـ "الأبطال".
حادثة توتّر أخرى شهدها معرض بيروت للكتاب، وذلك خلال أداء فرقة "بيكار" الموسيقية حفلاً من تنظيم معرض الكتاب نفسه. إذ احتج عدد من دور النشر وعبروا عن انزعاجهم من الأغاني والموسيقا و"الضجة" المنبعثة منها، وهددوا بانسحابهم من المعرض في حال عدم إيقاف العرض .
بعد بدء الحفل تفاجأ المنظمون والحضور بحصول مشكلة خارج مكان الحفل، حيث علا الصراخ وبدأت بعض دور النشر المحسوبة على حزب الله وإيران تهدد بالانسحاب اعتراضاً على صوت الموسيقا والضجة، إلا أن الفرقة أدّت أغنية "يا بيروت" للفنانة ماجدة الرومي، التي تفاعل معها الجمهور بشكل كبير وعلا التصفيق والحماس. وقبل انتهاء الحفل، قطعت الإدارة الكهرباء عن المعرض كله ما أدى إلى إنهائه.
وفي تقرير لها حول الحادثة، نقلت قناة "الحرة" عن مشرفة الفرقة قولها: "كان هذا الطغيان مستفزا لنا، ألا يكفي أن 75 في المئة من معرض بيروت للكتاب إيراني الهوية والهوى ويسوق لمحور الممانعة ورموزه وكتبه وأفكاره، ثم يمنعوننا عن تأدية أغان وطنية؟ ثم يرفعون صوراً لإرهابي وسط بيروت من دون أن يمنعهم أحد؟".
وتستطرد: "لا أعلم كيف توافق إدارة المعرض على رفع صور ومجسمات لشخص مصنف عالمياً كإرهابي، وحوله خلاف كبير وانقسام حاد في لبنان، هل كانوا سيوافقون بهذه الأريحية على رفع صور لأبي بكر البغدادي أو لتنظيم (داعش)؟".
أما قناة المنار التابعة لـ "حزب الله" والمدعومة إيرانياً، فتأتي لتؤكد بدورها جميع شكوك ومخاوف اللبنانيين الغيورين والمحتجين على "إيرانية" المعرض، فتكتب أمس الأربعاء على موقعها: "تتواصلُ فعالياتُ معرضِ بيروت الدولي للكتاب، ويزدادُ روادُه رغمَ كلِ محاولاتِ التشويشِ التي افتعلها دعاةُ الحرية". وتشارك تغطية لفعالية "ندوة بمناسبة إطلاق كتاب (الاقتصاد المقاوم) من تأليف الإمام علي خامنئي"!