رغم أنها تحت سيطرة النظام السوري، وللوصول إليها والخروج منها ستكون مضطراً للمرور عبر حاجزين للفرقة الرابعة، إلا أن هذه البلدة تكاد تكون الوحيدة التي لا تخضع لأي سيطرة فعلية للنظام، على الأقل بالمعنى الاقتصادي. ففي سوق مضايا التابعة لريف دمشق، يمكن للسوريين التعامل بالبضائع المهربة وبالدولار دون رقيب أو حسيب أو حتى خوف من تهديد أو وعيد.
تقع مضايا الحدودية مع لبنان، شمال غربي دمشق على السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، وهي تتبع محافظة ريف دمشق، وكانت قبل الحرب منطقة سياحية يقصدها السياح لطبيعتها الجذابة وانتعش سوقها لهذا السبب.
هذه البلدة التي تظنها وكأنها قطعة من دولة أخرى داخل سوريا، تعرضت خلال الحرب إلى حصار مطبق منذ 2015 وحتى 2017 وتضرر اقتصادها الذي كان يعتمد على السياحة والتهريب، لكنه انتعش مؤخراً بشكل ملحوظ.
أسعار مضايا منافسة وجاذبة
تشبه سوق مضايا السوق الحرة، وهي ممتلئة بجميع السلع ومكتظة بالمتسوقين، ويبلغ طولها أكثر من نصف كيلو متر (حوالي 600 متر)، وبالكاد يمكنك أن ترى سلعة محلية الصنع، وفي حال وجدت هكذا سلعة فمن المحتمل أن تتكدس في المحلات لعدم وجود إقبال عليها، فجميع تلك المحلات تعتمد اعتماداً كلياً على البضائع الأجنبية المهربة من لبنان، وبأسعار تكاد تساوي وفي بعض الأحيان تقل عن مثيلاتها المصنعة محلياً.
هناك يمكنك أن تشتري عبوة شامبو من ماركة شهيرة بمبلغ 40 – 45 ألف ليرة وهو يساوي تقريباً سعر الشامبو الصناعة المحلية، وأيضاً يمكنك شراء مزيل تعرّق أصلي بـ35 ألف ليرة وهو سعر يزيد عن سعر الصناعة المحلية بحوالي ألفي ليرة فقط أو يساويه في محلات أخرى. تتنوع الأسعار بين ارتفاع أو انخفاض أو تساوي مع السلع المصنعة محلياً ما جعل من المدينة مقصداً لكثير من سكان دمشق المقتدرين مادياً، حيث تبقى تلك البضائع الأجنبية أكثر جودة من الصناعة السورية.
يقول نسيم 29 عاما لموقع تلفزيون سوريا (طلب عدم ذكر هويته)، إنه يعمل في قطاع البرمجة ولديه ولدان، واعتاد كل شهر على زيارة مضايا لشراء بعض الحاجيات التي بات سعرها يساوي أو يقل عن سعر المنتجات المحلية، ويضيف "لم يعد التسوق من مضايا نوعا من الترف، لأن التسوّق من المنتجات المحلية في دمشق بات نوعا من (الخورفة) حيث لن تحصل على جودة ولا سعر مناسب، فقد رفعت تكاليف الإنتاج أسعار السلع المحلية رغم جودتها المتدنية إلى ما يساوي أو يفوق سعر مثيلاتها من ماركات شهيرة".
ويتابع "أشتري مسحوق الغسيل مع مستلزمات التنظيف الشخصية إضافة إلى المعلبات وأنواع من الغذائيات كالأرز والزيت وغيرها من مواد تباع في دمشق بسعر يفوق سعر مثيلاتها هنا من ماركات شهيرة على مستوى العالم والوطن العربي، صحيح أن الوصول إلى هنا صعب لكنه يستحق هذا العناء".
فوارق ضخمة في الأسعار
في جولة على المحلات في مضايا، تبين وجود فوارق سعرية ضخمة بين محل وآخر، فلا توجد رقابة في هذا السوق ولا يوجد أي شيء يشير إلى أن السعر المطلوب من البائع هو سعر مبالغ فيه أو جيد، حيث يحتاج الشخص إلى المشي في السوق وسؤال جميع المحلات ليحصل على أفضل سعر، فقد وصل فارق السعر ببعض المنتجات إلى 50 ألف ليرة، وفي منتجات بسيطة مثل الشيبس والشوكولا قد يصل الفارق إلى 10 آلاف ليرة، وفي الدخان بين 20 – 25 ألف ليرة.
يقول بلال (طلب عدم ذكر هويته) وهو صاحب محل هناك، وبالكاد استطاع التحدث إلينا من كثرة الزبائن "كل تاجر يبيع بالسعر الذي يريد، أنا مثلاً أربح في القطعة 10% فقط، لذلك تجد الزبائن في محلي تقف بالطوابير، فأسعاري أرخص من أي محل هنا". ورغم ثقة بلال بنفسه وجدنا عدة أصناف لديه أغلى من غيره بـ30 إلى 40 ألف ليرة.
يقول عمران وهو بائع آخر "يبيع كل تاجر سلعاً معينة بسعر رخيص مقابل أن يبيع سلعاً أخرى بسعر مرتفع، وهذا أسلوب معروف هنا، كأن أضع ربحا قليلا جداً أو معدوما على شوكولا الكيندر ورقائق البرينجلز وغيرها من مشتريات شبه أساسية لمتسوقي مضايا، ما يجذب الزبون ليشتري كل حاجياته من محلي وهنا أبيعه باقي السلع بالأسعار التي أريد استناداً إلى بناء الثقة معه ببعض السلع".
لا جمارك ولا مالية ولا دوريات أمنية للنظام
بسطات المفرقعات منتشرة بكثرة في سوق مضايا، ويشير أحد الباعة خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن وصول البضائع إلى مضايا سهل من دون أن يكشف طريقة تهريبها، لكنه أكد أن دخولها طبيعي ولا يتعرض لأي عوائق، وأضاف أنه لا وجود لأي دوريات أمنية أو جمارك أو مالية أو محافظة في المكان، ما يجعل المتسوقين والتجار والباعة يعيشون تجربة تسوق كما يعيشها باقي سكان العالم في بلد مقيّدة أسواقها بكثير من القيود.
الدفع بالدولار
عادي جداً في مضايا أن تقوم بمحاسبة البائع بالدولار وعلى الملأ وأمام الجميع، حتى لو سعّر لك البضائع بالليرة السورية فهو يستند بذلك إلى سعرها بالدولار ويعلمك بذلك لتكون على بيّنة، وهنا أيضاً يختلف تصريف الدولار من محل لآخر حيث عرض بعضهم سعر 14000 ألف وبعضهم 14200 ليرة سورية لكل دولار، وخلال جولتنا صادفنا الكثير من المحلات تقبض ثمن البضائع بالدولار الأميركي على الملأ.
أغلب بائعي الأحذية والموبايلات والإلكترونيات والكهربائيات، يجيبون على سؤال الزبائن حول الأسعار بالدولار، وكأنه شيء طبيعي وجميع الناس تتعامل بالدولار الأميركي، وعند الشراء إما تدفع بالدولار أو ما قيمته بالليرة السورية.
كيف تخرج البضائع إلى دمشق؟
تبقى عملية العودة بالبضائع من مضايا إلى دمشق فيها شيء من المخاطرة، حيث تقوم حواجز الفرقة الرابعة بتفتيش جميع السيارات، لكن التشديد يكون على الكميات الكبيرة والأجهزة الإلكترونية والمحروقات لمنع المتاجرة بها، وهنا يجب على السائق دفع رشاوى لنحو حاجزين، أو أن تصادر المشتريات، لذلك أغلب المتسوقين يشترون حاجاتهم الشخصية فقط، حيث لا يمكن المتاجرة بالبضائع ونقل كميات كبيرة إلى دمشق دون دفع أتاوات ترفع من أسعار المواد عند بيعها في دمشق لتصبح أغلى من مثيلاتها المحلية بكثير بعد وضع نسبة ربح وتحميلها قيمة الرشى.