عادت القوى السياسية اللبنانية وتحديداً أحزاب اليمين الطائفي في لبنان لاستخدام "ملف اللاجئين السوريين" في زواريب الصراع السياسي المحلي بعد فشلها الذريع في الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، إضافة إلى حالة الاستعصاء السياسي التي تتجلى بعدم القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لذا فإن آخر إبداعات القوى السياسية اللبنانية هي محاولة التيار الوطني الحر والشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية المقربة منه ربطَ أيّ انفجار أمني مرتقب بالمخيمات السورية الموجودة في مناطق لبنانية في ظروف إنسانية سيئة ومأساوية.
وهذا الخطاب الذي دشنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمر خصص للتحذير من الوجود السوري وتداعياته على الديموغرافيا والتوازن الطائفي، يستمر بخطاب مسؤولين في التيار عبر التحذير من إمكانية انفجار حرب أهلية جديدة في البلاد هذه المرة عبر المخيمات السورية في الشمال اللبناني وعرسال، كذلك فإن هذا الخطاب انسحب على القوى "المسيحية" المناوئة للتيار وحزب الله وهذا ما تجلى مؤخراً في بيان ما يسمى الجبهة المسيحية وحديثها عن مضاعفة خطورة الوجود السوري في لبنان.
ومؤخراً انتشر فيديو لرئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني هشام جابر تحت عنوان: "200 ألف سوري جاهزون للتسلّح في لبنان.. كل ما يتطلّبه الأمر أسبوعان"، وهذا الفيديو الذي أثار استغرابا لدى أطراف سياسية وأمنية والتي اعتبرت أنه محاولة جديدة لخلق "فزاعة" وبلبلة لتخويف المواطنين من خطر غير موجود إلا في مخيلة مثيريه.
ابتزاز رئاسي
وانطلاقاً من هذه الحملة الموجهة في هذا الظرف السياسي الذي يعاني منه لبنان، يعتقد مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"تلفزيون سوريا" أن هذا الخطاب ليس فقط استمراراً لخطاب العنصرية المستمر ضد اللاجئين السوريين، بل يأخذ طابعاً تنافسياً بين الأطراف المعنية بالملف الرئاسي وتطويقها بالحديث عن خطر محدق يمثله الوجود السوري في مخيمات اللجوء وتصويرها على أنها بؤر متفجرة شبيهة بمراحل الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية وقوى اليمين اللبناني خلال الحرب الأهلية، وسياق تلك الأحداث مختلف من حيث الظروف والصراع الإقليمي والدولي.
ويشير المصدر إلى أن التيار العوني يريد جرّ الأجهزة الأمنية اللبنانية وتحديداً الجيش اللبناني باتجاه حملة واسعة في المخيمات السورية بالإضافة إلى خلق جوّ عام وخطاب تحريضي، ويعتقد المصدر أن القوى الرافضة لوصول قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية تودّ حشره في زاوية عرض العضلات على المخيمات السورية كما فعل سابقاً قائد الجيش السابق جان قهوجي عبر حوادث اقتحام المخيمات السورية في عرسال البقاعية وعكار الشمالية، في محاولة إعلان ترشحه للرئاسة عبر البوابة الأمنية والقمعية بحق اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
وبحسب المصدر الحكومي فإن هذه المواقف مردها بات واضحاً وهي محاولات جبران باسيل لاستخدام هذا الخطاب لشيطنة أي مرشح رئاسي لا يدرج "خطر الوجود السوري" على أجندته الرئاسية، وتصويره على أنه مساهم في تغير الديموغرافيا اللبنانية، في حين أن حلفاء باسيل هم المسؤولون عن الوجود السوري عبر تهشيم ديموغرافية سوريا التاريخية.
أسباب واضحة
وبحسب المصدر فإن لدى قيادة الجيش كثيرا من الحكمة تمنعها من الانجرار نحو ردود فعل "شعبوية" كهذه انطلاقاً من الآتي:
أولاً: لدى الأجهزة الأمنية جميعاً معلومات كافية تؤكد عدم وجود أي خطر أمني في المخيمات السورية وفي مجتمع اللجوء السوري القاطن في المدن والقرى اللبنانية على الرغم من وجود بعض الحوادث الفردية التي يقوم بها بعض اللاجئين وهذا الأمر يعتبر طبيعياً في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور.
ثانياً: كل الأطراف السياسية والأمنية اللبنانية باتت تدرك وجود مراقبة دولية مباشرة على الأداء الرسمي باتجاه اللاجئين ومساعي الأطراف لاستثمار الملف في السياسة الداخلية أو محاولات ابتزاز المجتمع الدولي مالياً لذا فإن محاولات الأطراف السياسية وتحديداً التيار والحزب لم تعد تنطلي على أي طرف خارجي.
ثالثاً: خطاب التخويف من اللاجئين هو خطاب مرده دفع الجيش لاتخاذ إجراءات احترازية وتشديد الخناق على اللاجئ السوري بهدف دفعه للعودة إلى حضن الأسد ونظامه من دون أي ضمانات أمنية وهذا الملف نأى الجيش بنفسه عنه لاقتناعه أن الأمر غير جاهز، لذا فإن الجيش وقائده والذي ترشحه قوى داخلية وخارجية للرئاسة، لن يفتعل أزمة أمنية داخلية بهدف تقديم نفسه بمظهر "الحامي لطائفة" دون غيرها، وأن هذا النقاش المفتوح منذ مدة معروف الأهداف والخلفيات ومن يقف خلفه.
رابعاً وأخيراً: فإن الطرف الوحيد القادر على تسليح أي جهة أو فرقة أو مجموعة في لبنان هو حزب الله حصراً والذي يسعى لاختراق كل المجتمعات المحلية من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وأن أي جهة داخلية لا يمكنها تسليح السوريين ولا الفلسطينيين بسبب إمساك الحزب وحلفائه بكل المناطق اللبنانية من دون استثناء، كذلك فإن الأطراف المناوئة للحزب ليس من مصلحتها الدخول في لعبة استخدام اللاجئين السوريين لصعوبة الأمر اجتماعياً وخطره استراتيجياً، وعليه فإن هذا الخطاب وفق المصدر الحكومي ينطوي على أهداف مرحلية متعلقة بالاستحقاقات اللبنانية.
خطة الإعادة فشلت
بالتوازي فإن خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تراجعت بشكل تدريجي، بعد ضعف الإقبال على تقديم الطلبات بمراكز جهاز الأمن العام للعودة الطوعية إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
ويُذكر أنه في شهر تشرين الثاني 2022، أعلن المدير العام للأمن العام، عباس إبراهيم، الخطة الرسمية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إذ خرجت أول دفعة من عرسال نحو سوريا وفقًا للخطة منتصف الشهر نفسه، وضمت أقل من ألف عائد فقط، لتتراجع تباعاً زخم القوافل.
ويوجد في لبنان وفق الأمن العام نحو 2 مليون و80 ألف لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، معظمهم غير مسجلين رسميًا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين، وسبق أن أشار عباس إبراهيم إلى أن 42% من نزلاء السجون اللبنانية هم من السوريين، وأن الأمن العام تمكن منذ إطلاق خطته في 2017 من إعادة 540 ألف سوري إلى بلدهم.
وعليه يأتي خطاب التيار العوني وحلفائه في وقت دخلت فيه خطة إعادة اللاجئين إلى بلادهم مرحلة تعثر واضحة، وما زالت تقتصر على بعض القوافل المتقطعة بين وقت وآخر، لذا فإن هذا الملف سيبقى موضع تجاذب سياسي طالما أن خطة العودة لا تلقى أي حاضنة دولية داعمة لها، بل معارضة بشدة على قاعدة أنها عودة غير طوعية، وطالما أن الحدود بين البلدين مشرعة للعبور على عشرات المنافذ غير الشرعية.