"فساد ورشاوى ومحسوبيات وسرقات بمئات الملايين"، بهذه الكلمات وصف مصدر في مشفى تشرين الجامعي في محافظة اللاذقية في الساحل السوري.
وأوضح المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية كونه يعمل في المشفى، لموقع "تلفزيون سوريا" أنه يتم التحقيق مع عدد من رؤساء الأقسام في المشفى، نتيجة تحقيقات أثبتت عمليات تهريب أدوية ومستهلكات طبية من داخل المشفى وبيعها للمشافي الخاصة والعيادات الخارجية.
سرقة أدوية بقيمة مليار ليرة
بدأت القصة، بحسب المصدر، عند قيام مراقبي الدوام والحراسة بتفتيش إحدى عاملات الخدمة على المدخل الرئيسي للمشفى قبل ثلاثة شهور، وضبط معها كميات من المستهلكات الطبية (كحول وشاش ومادة بوفيدون)، وأثناء التحقيق معها قالت إنها ليست الوحيدة التي تقوم بإخراج مستلزمات طبية من المشفى، وأشارت إلى نائبة رئيسة التمريض.
وأضاف المصدر، أن الجهاز الأمني في المشفى قام بمراقبة نائبة رئيسة التمريض، وضبطت أثناء تهريب أدوية ومواد طبية من المشفى، ما استدعى إحالتها إلى التحقيق.
وأثبت ملف التحقيق، الذي اطّلع عليه المصدر، أن نائبة رئيسة التمريض أخرجت ما قيمته مليار ليرة سورية، أدوية متنوعة ومستلزمات طبية، قامت بيعها للمشافي والعيادات الطبية الخاصة.
وأشار المصدر إلى أن لجنة التحقيق في المشفى أوقفت الموظفة عن العمل وأحالتها إلى القضاء بتهمة السرقة من المال العام.
أدوية المشافي تُهرب للعيادات الخاصة
مصدر آخر من المشفى، أكد أن نائبة رئيسة التمريض ليست وحدها التي تقوم بسرقة الأدوية من المشفى، وإنما هي جزء من دائرة فساد واسعة في المشفى، تعتمد على تهريب الأدوية وبيعها إلى المشافي الخاصة، بالإضافة إلى إجبار المرضى على شراء الأدوية من الصيدليات التي يتعاملون معها، علماً أنها توزّع في مشفى تشرين الجامعي مجاناً.
وذكر المصدر، الذي فضّل أيضاً عدم الكشف عن اسمه، لموقع "تلفزيون سوريا" أن التحقيقات مع نائبة رئيسة التمريض، أدت إلى تشكيل لجنة لجرد وتفتيش مستودعات قسم العناية المشددة.
وقال تقرير الجرد إن هناك نقصاً في الأدوية والمستلزمات الطبية بقيمة 100 مليون ليرة، ما استدعى التحقيق مع رئيسة الشعبة، ليتم ضبط 70 ألف علبة ماسك طبي، و20 ألف علبة بلاستر، وكمية من أدوية الالتهاب "فانكوماسين" و"تينام"، وهي أدوية غالية الثمن، يصل سعر العلبة الواحدة منها 10 آلاف ليرة سورية، في مستودع خاص تملكه رئيس الشعبة في اللاذقية.
وتظهر وثيقة سرّبها المصدر لمحضر إتلاف بعض أنواع الأدوية والمواد الطبية المنتهية الصلاحية، وجّهتها رئيسة قسم العناية إلى مدير عام المشفى بتاريخ 15 أيلول الماضي، ليرد مدير المشفى بالطلب من رئيسة شعبة الصيدلة بتشكل لجنة إتلاف.
إلا أن رئيسة شعبة الصيدلة علّقت على الوثيقة بالقول "الرجاء الإيعاز لرئيسة شعبة العنايات لتزويدنا بتاريخ إنتاج وصلاحية الأدوية المذكورة في جدول الإتلاف، مع تاريخ آخر مذكرة إدخال للمواد المذكورة"، ما يشير إلى تشكيك رئيس شعبة الصيدلة بقرار الإتلاف.
وردّت رئيسة قسم العنايات على ذلك موجهة حديثها إلى مدير المشفى "يرجى أخذ العلم أن المواد المطلوب إفراغها هي فوارغ الأدوية المستهلكة وليست الأدوية نفسها، لأن الأدوية تم إعطاؤها للمرضى وتم إعطاؤها للمرضى والاحتفاظ بالفوارغ".
وأضافت "أستغرب رد رئيسة شعبة الصيدلة بتزويدها بتاريخ انتهاء صلاحية أدوية تم إعطاؤها للمرضى، فهل من المعقول أن نبحث في النفايات عن تواريخ الصلاحية".
وأكد مصدرنا داخل المشفى، أن طلب الإتلاف تم تنفيذه دون إعارة الاهتمام لملاحظة رئيسة شعبة الصيدلة، وتشكيكها بصحة قرار الإتلاف.
اقرأ أيضاً: المأوى حلم في اللاذقية ومليار ليرة لمنزل في الكورنيش
كما تم ضبط كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية، وبحسب التحقيقات، فإن رئيسة شعبة العناية كانت تقوم بسرقة الأدوية التي يعد لإتلافها في المشفى، وتقوم بإعادة بيعها بعد تغيير تاريخ الصلاحية على العلب.
وبحسب شهود التحقيق، فإن رئيسة شعبة العناية، عند مناوبتها الليلية، كانت تقوم بإخراج صناديق الأدوية إلى سيارات خارج المشفى، ليتم بيعها لاحقاً للعيادات الخاصة بأسعار أقل من أسعار شركات الأدوية، فضلاً عن تهريب أدوية لا تتوفر إلا في المشافي الحكومية.
وأوضح المصدر، أن تقرير التحقيق تقرر إيقاف رئيسة شعبة العناية المشددة عن العمل، إلا أن جهة ما ضغطت وتم تعيينها مشرفة على جهاز انحلال الدم، المعروف طبياً باسم "الفصادة"، لتقوم لاحقاً بحصر العمل عليه بشخصها دون أي موظف آخر.
وأضاف المصدر إلى أن الموظفة سرعان ما حصرت العمل على الجهاز بشخصها دون أي موظف آخر، موضحاً أنها بدأت تستغل حاجة المرضى المصابين بانحلال الدم، ولديهم جلسات باستخدام هذا الجهاز، من خلال إجبارهم على دفع مبلغ 25 ألف ليرة للجلسة الواحدة، علماً أن المشفى يقدمها مجاناً.
وأكّد حديث المصدر أحد المرضى المصابين بانحلال الدم، حيث قال لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "إذا لم أدفع الإكرامية للمسؤولة عن الجهاز عند كل جلسة تبديل دم، تستطيع الموظفة تأجيل جلساتنا لأيام، وهذا يعرض حياتنا للخطر بشكل كبير".
وأوضح المصدر أنه "بالإضافة لدفع الإكرامية لموظفة الجهاز، يتوجب علينا دفع 16 ألف ليرة مقابل كل كيس دم، نقوم بشرائها من خارج المشفى، علماً أن مشفى تشرين الجامعي يوجد فيه بنك للدم منذ أعوام، ومن المفترض أن يتم توزيع الدم مجاناً، إلا أن هذا محصور بحالات محددة، لا نعلم من هم المستفيدون منها".
اقرأ أيضاً: متضررو حرائق القرداحة: الأسد خذلنا وحكومته تجاهلتنا