انسحب محرم إنجة زعيم حزب "البلد" (Memleket Partisi) من الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة في 14 أيار يوم الأحد المقبل في قنبلة خلطت الأوراق قبل أيام قليلة من الاستحقاق الانتخابي الساخن.
كان لدى المعارضة التركية خطة جوهرية منذ بداية عقد تحالف الطاولة السداسية، عبر الدفع بتقديم مرشح واحد يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويجمع كل الأصوات الرافضة لاستمرار حكمه، من الجولة الأولى.
ورغم نجاح أحزاب المعارضة الرئيسية في الالتفاف خلف كمال كليتشدار أوغلو، مع كل الخلافات التي كادت تودي بالطاولة السداسية، فإن هذه الأحزاب التي تضم لفيفاً مختلفاً إلى حد التناقض في أفكارها وهوياتها السياسية، فشلت في منع ترشح كل من محرم إنجة زعيم حزب "البلد" (Memleket Partisi)، وسنان أوغان مرشح اتفاق الأجداد.
وسعى كمال كليتشدار أوغلو مع بداية إعلان ترشحه لجذب إنجة إلى الطاولة السداسية إلا أنهما فشلا بالتوصل لاتفاق يقضي بانسحاب إنجة من الترشح لانتخابات الرئاسة، إلا أن التسريبات التي تحدثت عن فضائح جنسية دفعت الأخير للانسحاب نهائياً.
قنبلة مدوية
وفجر إنجة قنبلته في مؤتمر صحفي، بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية التركية، قائلاً: إنه تعرض على مدار 45 يوماً للابتزاز من أشخاص محسوبين على جماعة "فتح الله غولن"، وحزب الشعوب الديمقراطي.
وأشار إلى أهمية منافسة حزبه في الانتخابات البرلمانية، والحصول على مقاعد لتمثيل أتاتورك في قبة البرلمان.
وأضاف: "أطلب من كل منزل في تركيا صوتا واحدا لصالح حزب البلد الذي أمثله"، مشدداً على أن الحديث عن مقاطع وصور إباحية بشأنه غير صحيح، مؤكداً أنها مزيفة.
وتابع: "لن أترك لهم المجال (للمعارضة) لتحميلي مسؤولية فشلهم بمواجهة أردوغان صباح الإثنين القادم".
وأكدت سائل إعلام تركية، أن المدعي العام في أنقرة فتح تحقيقاً مع مشتبه بهم، في تهم الابتزاز والتهديد لمحرم إنجة.
وكان إنجة خلال الفترة الماضية، يشير إلى تعرضه لضغوطات، من أجل الانسحاب لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، واضطر خلال اليومين الماضيين لإلغاء فعاليات انتخابية، بدعوى سوء وضعه الصحي.
من المستفيد بعد انسحابه؟
من المرجح أن المستفيد الأبرز من خطوة إنجة المفاجئة هو كليتشدار أوغلو، خصوصاً أنهما يتقاسمان نفس الأفكار العلمانية ومن مدرسة واحدة، وإن كانا عدوين تقليديين سياسياً.
تشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن إنجة لم يكن في أحسن الأحوال قادراً على جذب أكثر من 1 إلى 2.5% من عموم الأصوات، وأن حزبه من المستحيل أن يتجاوز العتبة البرلمانية (7%) لدخول المجلس.
قد يأخذ أردوغان قسماً من أصوات الكارهين والرافضين لتصدر كليتشدار أوغلو المشهد، وقسماً من المترددين الميالين لإنجة خصوصاً بما يتعلق بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.
ولعل الأيام المقبلة ستحمل العديد من التغيرات والمفاجآت، خصوصاً بما يتعلق بإضاعته أصوات الخارج التي ذهبت إليه، والورقة الانتخابية التي تحمل أسماء وصور المرشحين الأربعة والتي قد تؤثر على مزاج الناخبين.
وانسحاب إنجة يفتح تساؤلات عدة عن إمكانية انسحاب سنان أوغان المرشح الضعيف الأخير الذي سيصوت له عدد من القوميين (المحسوبين على اليمين المتطرف) والذين من المرجح ألا يعطوا أصواتهم لحليف "حزب الشعوب الديمقراطي" مفضلين عدم التصويت أو التصويت لأردوغان.
من هو محرم إنجة وريث فكر "أتاتورك"؟
يعُدُ محرم إنجه نفسه الوريث الأمين لفكر مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وأكثر الأشخاص إمكانية لتطبيق رؤاه.
ولد محرم عام 1964 في ولاية يالوا لأب من أصول يونانية (مدينة سالونيك التي ولد فيها أتاتورك) وأم من مدينة ريزة شمال شرقي تركيا، وتخرج في جامعة أولوداغ في بورصة وعمل معلماً للفيزياء والكيمياء.
شغل منصب المتحدث باسم الصحافة في نادي يالوا سبور لفترة من الوقت ورئيساً محلياً لجمعية الفكر الكمالي.
انضم مبكراً لحزب الشعب الجمهوري، وتم ترشيحه في انتخابات 1995 عن يالوا، إلا أنه لم يحصل على أصوات كافية، وفي عام 1998 تم انتخابه رئيساً لحزبه في ولاية يالوا.
تعرف إليه الجمهور لأول مرة مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة حيث نجح بالانتخابات البرلمانية عن يالوا عام 2002، وعمل في لجنة التعليم، وخاض سجالات متعددة بما يخص مدارس "إمام خطيب" التي تجمع بين التدريس الديني والكوني في تركيا.
وعلى خلاف معظم أعضاء وقياديي حزبه أيد حل مشكلات الطالبات المحجبات في الجامعات، وانتقد الحكومة لعدم قدرتها على حلها بالسرعة الكافية، على الرغم من الدور البارز للحزب في حظر دخول المحجبات إلى الجامعات بعد انقلاب عام 1997.
وجدد نجاحه في انتخابات 2007 نائباً عن يالوا، ليعين عضواً في اللجنة البرلمانية للدول الناطقة بالتركية.
الفشل في قيادة "حزب أتاتورك"
لم تنجح جهود إنجة في قيادة حزبه رغم كل محاولاته في ذلك، حيث عارض استمرار دينيز بايكال في قيادة الحزب اعتباراً من عام 2004، ومع وصول كمال كليتشدار أوغلو للحزب والصعود السريع لشخصية غير تقليدية في الحزب كان إنجة أبرز منافسيه لقيادة الحزب المعارض الأكبر في البلاد عام 2010.
وأعاد محاولاته في عام 2014، في المؤتمر الاستثنائي الثامن عشر لحزب الشعب، حيث حصل الرئيس كليتشدار أوغلو على 740 صوتاً، لكن محرم إنجة كان ثانياً بـ 415 صوتاً.
وفي العام نفسه، سعى إنجة لخوض الانتخابات الرئاسية عن حزب الشعب الجمهوري في مواجهة رجب طيب أردوغان في أول انتخابات رئاسية من قبل الشعب مباشرة، لكن المعارضة توافقت على أكمل الدين إحسان أوغلو مرشحاً رئاسياً الذي فشل بالفوز ولم يتجاوز الـ 38.44 بالمئة من حجم الأصوات.
عاد إلى البرلمان كنائب عن حزب الشعب الجمهوري في يالوا في الانتخابات العامة في حزيران 2015 وتشرين الثاني 2015.
وبعد الانتخابات جمع 500 توقيع لعقد مؤتمر استثنائي للحزب، إلا أن التوقيعات لم تكن كافية، إلا أنه في المؤتمر العادي الـ 36 لحزب الشعب في شباط 2018 تحدى الرئيس كمال كليتشدار أوغلو مرة أخرى، لكن الأخير حصل على 790 صوتاً، بينما حصل إنجة على 447 صوتاً.
التخلص السهل منه
بدا الصراع بين إنجة وكليتشدار أوغلو مسلسلاً طويلاً، وكان الفائز فيه على الدوام هو "كمال بي" الذي لم يسلم له؛ ودفع به ليكون مرشحاً رئاسياً عام 2018 رغم وجود 5 مرشحين غيره في معركة لم تكن متكافئة مع الرئيس أردوغان الذي كانت شعبيته في أوج قوتها، حيث لم يحقق أكثر من 30.67 بالمئة، مقابل 52 بالمئة من الأصوات للرئيس التركي.
هذا الفشل خفض من جماهيرية إنجة كما كان يتوقع "كليتشدار أوغلو" والذي ضمن بقاءه في سدة الحزب لخمس سنوات أخرى على الأقل، ثم توج ذلك بالترشح للانتخابات الرئاسية 2023 بقوة دافعة من حزبه وأبرز الأحزاب المعارضة.
بعد انتخابات 2018، دعا إنجة أنصاره إلى مؤتمر استثنائي في حزب الشعب الجمهوري، وبدأ جمع التوقيعات بين مندوبي حزب الشعب الجمهوري. لم ينعقد المؤتمر بسبب عدم كفاية عدد التوقيعات.
وفي أيلول 2019 أعلن محرم إنجة أنه سيكون مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبعدها بأشهر تم تسريب أن قيادياً بارزاً في حزب الشعب الجمهوري ذهب إلى المجمع الرئاسي والتقى بأردوغان في إشارة إلى إنجة، نفى الأخير ذلك، واعتذر الصحفي رحمي توران الذي أعلن ذلك.
حزب البلد
وبالفعل استطاع كليتشدار أوغلو إخراجه من الحزب، فقد أعلن استقالته في شباط 2021، وبعد ذلك أعلن قيام حزب "البلد".
أعلن محرم إنجة أنه مرشح رئاسي نهائي في انتخابات 2023 وجمع 100 ألف توقيع لذلك ودخل السباق.
وكان يعمل خلال حملته على استمالة الناخبين عبر جولات ميدانية ورقصة تشبه رقصة الرئيس الأميركي جو بايدن، خصوصاً أنه معروف بعدائه للاجئين السوريين، وتعهد مراراً بترحيلهم في حال فوزه بالانتخابات.