يقبع صحفيان سوريان غادرا ريف حمص الشمالي إلى لبنان في خطر محدق، بعد أن حاول مجهول يرجح أنه من عملاء النظام استجرارهما للحصول على معلومات عنهما ومكان سكنهما من خلال انتحاله صفة موظفة في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسوريا "OHCHR"، لكن خطأ وقع به العميل كشف عن مخططه.
صحفيون سوريون في خطر
عبد الكريم خشفة وسيف الأحمد، صحفيان سوريان نشطا في تغطية الأحداث التي دارت ضمن منطقة تلبيسة في الريف الشمالي من محافظة حمص منذ بدايتها. وقد عمل سيف مراسلاً لإحدى القنوات السورية المحلية المعارضة للنظام.
وخلال سنوات الحرب تعرض الصحفيان لإصابات جسدية ونفسية، حيث تعرض عبد الكريم لإصابتين في بطنه وفي قدمه اليمنى ما أدى إلى بترها.
أما سيف فيعاني من نقص تروية في القلب بالإضافة إلى مرض السكري الذي أصابه إثر ما تعرض له من مشاهد مرعبة.
هروب بعد الصمود
قاوم خشفة والأحمد ما حصل من قمع واعتقال وقتل، وصمدا في منطقتهما، خاصةً بعد التدخل الروسي وإعلان الهدنة هناك.
لكن حصل ما كان يتخوفان منه، فقد بدأ النظام السوري بملاحقتهما منذ فترة وجيزة، وذلك عقب هروبهما بعد مداهمات عديدة قام بها النظام السوري لمكان سكنهما.
وصل الثنائي الملاحق إلى لبنان، ومن ثم حاولا اللجوء إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وذلك لتأمين الحماية لهم وفي محاولة منهم للخروج إلى دولة آمنة تضمن لهما حقهم في الحياة.
إلا إن إجراءات فيروس كورونا التي تتخذها مفوضية شؤون اللاجئين من إغلاقات، عقبها تخفيض عدد المراجعين، إضافةً إلى الضغط الكبير الذي تعاني منه المفوضية في لبنان نتيجة وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين، أخّر تسجيلهما.
عيون النظام السوري في لبنان
رغم مرور 17 عاماً على خروج الجيش السوري من لبنان، إلا أنه ترك عيونا له في لبنان، الأمر الذي يشكل خطراً على حياة كل من عبد الكريم وسيف في لبنان.
وما زاد من شعورهما بالخطر الاتصالات التي تلقوها عبر رسائل نصية على تطبيق الواتساب من قبل مجهول انتحل صفة 'سيرينا حمود' وهي موظفة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسوريا “OHCHR” في وحدة الرصد والتوثيق، وذلك في محاولة من المنتحل استجرارهما بالحديث لمعرفة مكان سكنهما.
خوف مسيطر
حاول الصحفيان بعد ذلك اللجوء لنشر قصتهما على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتوجيه الاتهام لموظفة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسوريا عبر أكثر من وسيلة إعلامية كونه تم استخدام اسمها في المراسلات التي وصلتهما عبر واتساب، الأمر الذي وضعهم ضمن دائرة الخوف المتزايد، وأكثر من أي وقتٍ مضى، وفي محاولة تحرٍ مستمرة لمعرفة من قام بالتواصل معهما، فعيونهم تدور يمنةً ويسرةً خوفاً من أي حدث.
بالإضافة إلى الضرر المعنوي الكبير الذي طال الموظفة في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسوريا "سيرينا حمود" بعد انتحال صفتها من قبل مجهولين في سبيل استغلال اسمها ومنصبها للحصول على غايتهم ألا وهي الوصول إلى الصحفيين عبد الكريم خشفة وسيف الأحمد.
وبعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف بقصة الصحفيين عبد الكريم خشفة وسيف الأحمد والموظفة سيرينا حمود، قام تلفزيون سوريا بالتحري عن الموضوع والتواصل مع جميع الأطراف المعنيّة في القضية للبحث عن حقيقة ما حصل.
طريق التحقيق
بدأ البحث بالقضية ابتداءً من رقم الهاتف الذي أرسل إلى الصحفي عبد الكريم خشفة مدعياً صفة 'سيرينا حمود'، وقد زودنا به وهو "00961768399931"، وحسبما قالا إن التواصل معهما كان عبر الرقم المذكور بواسطة رسائل نصية عبر تطبيق واتساب، كما زودونا بنسخ مصورة من المحادثات التي جرت معهما، والتي يظهر ضمنها شخص يُعرّف عن نفسه على أنه "سيرينا حمود" من مكتب حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات في الأمم المتحدة، ويخبر الصحفي عبد الكريم أنه قرأ تقريراً عنه وعن زميله سيف الأحمد بأنهما صحفيان في لبنان وأنه يريد أن يسجل الانتهاكات التي حصلت بحقهما.
وقد أشار عبد الكريم إلى أنه سأل المجهول منتحل الشخصية "من أين حصل على رقمه"، فكان جوابه أنه حصل عليه من صحيفة "زمان الوصل" السورية وأخبره أيضاً أن الصحيفة ذاتها هي من قامت بإعداد تقرير عن الصحفيين، وطلب منهما صاحب الرقم عنوان سكنهما ليقوم بزيارتهما هو ووفد من مفوضية شؤون اللاجئين.
ولفت الصحفيان أن أرقام هواتفهما ليست الأرقام نفسها التي تواصلا منها مع جريدة زمان الوصل، وإن هذين الرقمين اللذين يملكانهما هي أرقام خاصة بالعائلة مما شكل لديهم إشارة استفهام كبيرة حول ما حصل مع كل هذا التناقضات التي وردت في حديث صاحب الرقم معهما، ليطلبا من صاحب هذا الرقم عدم التواصل معهما والادعاء أن هذا الحديث الذي قاله صاحب الرقم غير صحيح، وقد قام عبد الكريم بحظر صاحب الرقم.
قرر عبد الكريم وسيف مراجعة جريدة "زمان الوصل" التي ردّت حينها بمقال نفت فيه أنها زودت أي جهة بأرقامهم السابقة، وقد أكدت على عدم معرفتها بأرقامهم الحالية، وتم توجيه الاتهامات للموظفة سيرينا والمكتب الذي تعمل به على أنها تحاول الإيقاع بهما.
التقى تلفزيون سوريا بالصحفيين في مكان إقامتهما، وفي متابعة القضية بالاتصال بالرقم المذكور، لكن الرقم كان مقفلا، ولا يمتلك تطبيق واتساب الذي تم استخدامه في محادثة الصحفيين (أي تم حذف الواتساب وإغلاق الرقم بعد التواصل مع الصحفي عبد الكريم وقيام الأخير بحظر الرقم من الواتساب).
وقد حاولنا الاتصال لأكثر من مرة، لكن اتضح لنا أن مالك هذا الرقم قام بإلغائه بعد أن انتشرت القضية على الإعلام.
الوقوع غير المقصود بالفخ
وفي النظر إلى صور المحادثات التي حصلنا عليها من الصحفيين، اتضح أن صاحب الرقم استخدم صورة شخصية في تطبيق واتساب تحمل شعار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “OCHA” والذي هو مكتب مغاير تماماً للمكتب الذي تعمل به الموظفة سيرينا، كما أن اللوغو المستخدم في هذه الصورة مغاير تماماً للوغو مكتب حقوق الإنسان لسوريا الذي تعمل به سيرينا.
بعد كل ما اتضح لدينا من معطيات قام تلفزيون سوريا بالتواصل عبر الإيميل مع المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السيدة "ليز تروسلز" لطلب إجراء مقابلة مع إدارة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسوريا “OHCHR” وكنا قد أرسلنا لها ضمن الرسالة الإلكترونية أحد المقالات والفيديوهات التي تحدثت عن اتهامات وادعاءات ضد مكتبهم واتهامهم بتعريض حياة الصحفيين للخطر، ردت السيدة ليز تروسلز على الإيميل وقالت "إن المقال الذي نُشر ضد مكتبنا وزميلة لنا في المكتب للأسف هو مثال آخر على الادعاءات الكاذبة الموجهة ضد المفوضية السامية لحقوق الإنسان".
وأضافت تروسلز: "إنه لأمر مزعج أن يتم إساءة استخدام اسم زميلتنا واسم مكتبنا بهذه الطريقة، وتحريفها من قبل بعض وسائل الإعلام، حيث إنه رقم الهاتف الذي زعمت وسائل الإعلام أنه استخدم للتواصل مع الصحفيين لا يخص زميلتنا وليس لدينا أي علم بمن استخدمه وهذا الأمر يعتبر انتحال شخصية زميلتنا".
كما أشارت إلى ما يلي: "أكدنا مراراً وتكراراً بأننا نرحب بفحص عملنا، ونأمل أن يتم ذلك بطريقة محايدة وقائمة على الأدلة، حيث إنه يعتمد عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان على الحياد والنزاهة والسريّة، ولدينا سياسة وإجراءات صارمة لحماية هوية ومعلومات أولئك الذين يقدمون لنا معلومات حول قضايا حقوق الإنسان".
وبعد كل هذه المعلومات التي توفرت لدى تلفزيون سوريا قمنا بالاستقصاء عن رقم الهاتف المستخدم لمعرفة هوية صاحب الرقم الذي تواصل مع الصحفيين فوجدناه مسجلاً باسم شخص يدعى "م.ج." ونحن هنا لا نوجه الاتهام لصاحب الرقم، حيث إنه في لبنان من السهل جداً شراء أرقام هاتفية دون هوية أو أي شيء يثبت شخصية مشتري الرقم والأمثلة كثيرة التي أثبتت ذلك في لبنان منها الأرقام التي استخدمت في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد ناشد كل من عبد الكريم وسيف المنظمات التي تُعنى بحماية الصحفيين لحمايتهم وتحديداً أنهما يعانيان من أمراض وإصابات مزمنة، وطالبا المنظمات الصحفية بمتابعة أوضاعهما وما يتعرضان له من خطر والذي بات قريباً منهما بشكل كبير رغم هربهما من الخطر الأكبر في سوريا.
مايزال الخوف يحيط بـ عبد الكريم وسيف، ولا يعلمان من له مصلحة في محاولة الإيقاع بهما، وطالبا مفوضية شؤون اللاجئين بحمايتهما عبر إخراجهما من لبنان إلى دولة أخرى يتمتعان فيها بالأمن والأمان، فحياتهم وحياة عائلتهم معرضة للخطر.