مضت أسابيع ثلاثة على الزلزالين المدمرين اللذين ضربا الجنوب التركي وشمال غربي سوريا يوم 6 شباط، فقتلا أكثر من 50 ألف شخص وتسببا بإصابة 70 ألف آخرين، وانهيار أو تصدع ما لا يقل عن 160 ألف مبنى.
انضمت منظمات الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الإغاثية للآلاف من المتطوعين الذين هبوا لمساعدة البلدين، حيث وزع برنامج الغذاء العالمي ملايين الوجبات الساخنة، أما منظمة الصحة العالمية فقد زودت المشافي بمسكنات ومضادات حيوية، وتعهد البنك الدولي بدفع 1.8 مليار دولار أميركي من أجل التعافي وإعادة الإعمار، في حين طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الدول بدفع مليار دولار أميركي لتركيا وما يقارب من 400 مليون دولار لسوريا، حتى يتم توزيع تلك المبالغ على المنظمات التي تقدم الغذاء والمأوى والتعليم. وبعيداً عن منظمات الأمم المتحدة، أطلق الصليب الأحمر والهلال الأحمر مناشدة لجمع ما يقارب من 700 مليون دولار لتلك الأغراض.
ومن جانبها، تعهدت الحكومة التركية بإعادة بناء البيوت في غضون سنة، بيد أن هذا النوع من المساعدة غير موجود على الطرف الآخر من الحدود، أي في شمال غربي سوريا، حيث قتل الزلزال أكثر من 4.500 شخص، وتسبب بإصابة 8500 آخرين، ودمر ما يقارب من عشرة آلاف مبنى، وشرد نحو 11 ألفاً، وذلك لعدم وجود حكومة موحدة في الشمال السوري، فضلاً عن الحرب التي حبست أهالي تلك المنطقة هناك، والتي أعقبت الثورة التي قامت في عام 2011 ضمن ثورات الربيع العربي، والتي قمعها نظام بشار الأسد في عمليات عسكرية دعمتها روسيا. وهكذا أصبحت تلك المنطقة منعزلة إلى أبعد الحدود، إذ لا يوجد فيها سوى ثلاثة معابر حدودية مؤقتة تصل من خلالها الاحتياجات إلى الناس على الرغم من أن الحدود السورية-التركية تمتد لمسافة 900 كلم.
وضع مزرٍ
ولكن حتى قبل وقوع الزلزال، قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن أكثر من نصف سكان شمال غربي سوريا البالغ عددهم 4.7 ملايين نسمة هم من النازحين داخلياً، وبأن 70% منهم يعيشون في مساكن مؤقتة (بل حتى في مخيمات)، وأكثر من نصف مليون نسمة منهم لا يتوفر لديهم ما يكفي من الغذاء وبأن ثلثهم من المصابين بإعاقات تسببت الحرب بمعظمها. كما تعرضت مرافق الرعاية الصحية هناك للاستهداف، وهكذا لم يبق سوى 66 مشفى في طور الخدمة، إلا أن المعدات في تلك المشافي تعيسة، فضلاً عن تفشي الكوليرا بشكل كبير.
وبالحديث إلى باحثين وعاملين في القطاع الطبي ومهندسين سواء ممن يعيشون في تلك المنطقة أو في أي منطقة أخرى في العالم، ذكر هؤلاء بأن شمال غربي سوريا بحاجة ماسة إلى الخبرات والمعدات الاختصاصية، بالإضافة إلى التمويل. إذ مثلاً يقوم المهندسون المتطوعون بالانتقال من بيت لآخر حتى يقوموا بالنقر على الجدران بوساطة مطارق عادية لمعرفة ما إذا كان المبنى قابلاً للسكن أم لا، ولهذا قدرت منظمة الصحة العالمية أن مشافي تلك المنطقة لديها 64 جهازاً للتصوير بالأشعة السينية و73 جهازاً لغسل الكلى، و7 أجهزة للتصوير المقطعي بوساطة الحاسوب، وجهاز واحد للتصوير بالرنين المغناطيسي، بيد أن الباحثين يرون بأن الحصول على قطع تبديل للأجهزة ودعم فني من قبل الخبراء يعد مهماً كأهمية وجود الأجهزة بحد ذاتها، حتى تستمر تلك المشافي بعملها.
أبحاث وحلول
هنالك مشاريع بحثية لدراسة هذا الوضع، أحدها تموله المملكة المتحدة تحت عنوان: بحث لتمتين المنظومة الصحية في سوريا، والذي يبحث كيف تضررت الرعاية الصحية بسبب الحرب، ويحدد شكل النماذج الممكنة للحوكمة والتمويل المستدام، بحسب ما ذكره أحد الباحثين المشاركين في هذا البحث، وهو الدكتور عبد الكريم قزيز المتخصص بعلم الأوبئة لدى جامعة كينغز كوليدج بلندن.
يمكن لأفراد مجتمع الأبحاث الدولي ضم جهودهم للتخفيف من وطأة هذا الوضع، حيث بوسعهم أن يتبرعوا بالتمويل مثلاً، أو عبر الاستجابة للمناشدات الدولية أو من خلال التبرع للمنظمات، كما بوسعهم حث النواب والمشرعين في بلادهم على المطالبة ببقاء المعابر الحدودية التي تصل إلى شمال غربي سوريا مفتوحة لفترة طويلة بعد انتهاء توزيع المعونات الإنسانية العاجلة، بما أن اثنين من أصل ثلاثة من تلك المعابر لا بد أن يغلق بحلول أيار المقبل، أما الثالث فسيغلق في شهر تموز، بيد أن ذلك إن حدث فلا بد أن يعزل أهالي تلك المنطقة عن العالم.
بوسع الباحثين أيضاً مطالبة منظمة الصحة العالمية بإيلاء الأولوية للاحتياجات الصحية في المنطقة، بما أن هذه الجهة موثوقة ولهذا يمكنها من خلال أمينها العام أن تقدم مزيداً عبر استغلال الوضع الراهن لحث كل الدول التي توسطت على الأرض حتى تسمح لها بالعمل والتعاون مع خبراء آخرين في تقديم المساعدات العاجلة على مدى أبعد، والتي تشمل المساعدات التي أصبح الناس بأمس الحاجة إليها من أجل إعادة بناء البيوت، فضلاً عن دعم المنظومة الصحية في المنطقة.
لقد فتحت المأساة نافذة يندر أن تُفتح لتقديم مزيد من الدعم الدولي للأهالي الذين تعرضوا للإهمال والتجاهل لفترة طويلة من الزمن، وبوسع الباحثين أن يسهموا في بقاء تلك النافذة مفتوحة.
المصدر: Nature