قبل أسبوعين من اقتحام مسلحين لمجمع كروكوس سيتي التجاري القريب من موسكو وقتلهم لـ 137 شخصاً على الأقل، حذرت الاستخبارات الأميركية من مخططات سينفذها متطرفون قريباً عبر الهجوم على تجمعات كبرى في تلك المدينة، وفي السابع من آذار الجاري، أعلنت أجهزة الأمن الروسية عن إحباط هجوم لتنظيم الدولة على كنيس في موسكو، ولهذا لا عجب أن تعلن تلك الجماعة عن مسؤوليتها عن الهجوم على مجمع كروكوس ستي بعيد ساعات قليلة من تنفيذه.
وفي الخامس والعشرين من آذار، مثل أربعة متهمين طاجيكيين أمام المحكمة، ويعتقد مسؤولون أميركيون أنهم ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، ولكن ما هو هذا التنظيم؟ وما الخطر الذي يمثله؟
طالبان: العدو اللدود
يعتبر هذا التنظيم فرعاً لتنظيم الدولة في آسيا الوسطى، ذلك التنظيم الذي أقام دولة الخلافة في العراق وسوريا في عام 2014، لكنه خسر معظم الأراضي التي سيطر عليها في عام 2018، ولدى هذا التنظيم فروع نشطة في إفريقيا ومناطق أخرى من العالم.
وخراسان منطقة تاريخية تشمل أجزاء من إيران وأفغانستان وغيرهما من دول آسيا الوسطى.
وأقام هذا الفرع مقره الأساسي في شمالي أفغانستان وشرقها، بيد أن هذا التنظيم يعتبر العدو اللدود لطالبان، أي تلك الجماعة الإسلامية التي عادت لتسيطر على البلد بعد رحيل القوات الأميركية في آب من عام 2021. إذ يصور تنظيم الدولة في ولاية خراسان تنظيم طالبان على أنه تنظيم خائن لأنه وقع اتفاقية مع أميركا ولتعاونه معها في أثناء انسحابها، كما أنه ينتقد كثيراً في مجموعات المراسلة الديكتاتور إمام علي رحمن الذي يحكم طاجيكستان لأنه حليف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولأنه يحظر عرض الطقوس الإسلامية بشكل علني.
تسامح أقل حتى مع المسلمين
يبدو أن هذا التنظيم أسس في عام 2014، واستقطب الساخطين من عناصر طالبان في باكستان وأفغانستان حيث هزمت القوات المدعومة أميركياً نظام الحكم في ذلك البلد في عام 2003، وهذه الجماعة التي تتبع المذهب السني في الإسلام تفخر بنفسها لأنها تبدي تسامحاً أقل مع "الكفرة" والجماعات الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها الشيعة ثاني أكبر طائفة إسلامية بعد الطائفة السنية.
وخلال الفترة ما بين 2019-2021 أعلن هذا التنظيم مسؤوليته عن عدد من الهجمات التي استهدفت مساجد ومواكب جنازات ومدارس في أفغانستان، وخلال فترة الانسحاب الأميركي من أفغانستان نفذ التنظيم تفجيراً انتحارياً بمطار كابول أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص بينهم 13 جندياً أميركياً.
ومنذ تموز 2022 أمر حكام أفغانستان بشن مداهمات متكررة على مقار التنظيم، فتراجع عدد الهجمات الموفقة التي شنها تنظيم الدولة في ولاية خراسان في أفغانستان، وفي عام 2022 أعلن التنظيم عن إطلاق صواريخ على منشآت عسكرية في طاجيكستان وأوزبكستان.
وفي كانون الثاني من عام 2024 نفذ التنظيم أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ إيران بعد الثورة الإسلامية، وأسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص كانوا قد احتشدوا لإحياء ذكرى اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي قتلته مسيّرة أميركية في عام 2020.
تغيرت استراتيجيات التجنيد التي يتبعها هذا التنظيم، إذ يعتقد بأن نحو أربعة آلاف مقاتل من وسط آسيا قد انضموا لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، وبعد سقوط دولة الخلافة، عاد معظمهم إلى بلده، ويحاول تنظيم الدولة في ولاية خراسان تجنيدهم من جديد، ولهذا صارت الدعاية الإعلامية للتنظيم تستعين بمجموعة من لغات المنطقة بدءاً من الفارسية وصولاً إلى الأوزبكية، إذ في عام 2022 أطلق التنظيم مجموعات على تطبيق تيليغرام ناطقة باللغة الطاجيكية، ومن خلال تلك المجموعات أخذ يروج لنواياه الساعية لإسقاط الرئيس رحمن.
يعد تفجير مجمع كوركوس سيتي التجاري أحدث دليل على اهتمام تنظيم الدولة في ولاية خراسان بمناطق أخرى خارج آسيا الوسطى، إذ في شهر كانون الثاني هاجم مسلحان كنيسة في إسطنبول وقتلا رجلاً كان فيها، وذكر مسؤولون ألمان بأنهم أحبطوا منذ فترة قريبة هجوماً كان من المخطط تنفيذه لديهم، وقبل هذه الحادثة الفظيعة التي وقعت في روسيا نشرت رسائل مناهضة لروسيا عبر قنوات تنظيم الدولة في ولاية خراسان، وذلك لأن علاقة بوتين بطالبان ورحمن جعلت من بلده هدفاً أمام التنظيم، كما وتتحدث دعاية التنظيم أيضاً عن حروب روسيا في الشيشان، ذلك الإقليم الذي يتميز بغالبية سنية في القوقاز، إلى جانب تدخل بوتين في سوريا ضد تنظيم الدولة، والغزو السوفييتي لأفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي، إذ إن كل ذلك يعتبر دليلاً على معاداة روسيا للمسلمين بنظر القائمين على هذا التنظيم.
لعل أجهزة الاستخبارات الروسية قد انشغلت كثيراً بالحرب في أفغانستان فلم تتمكن من صد الهجوم، ولهذا يحذر محللون أجهزة الأمن والاستخبارات الغربية بأنها أصبحت في مرمى النار أيضاً، وذلك لأن مجزرة مجمع كوركوس سيتي تذكرنا بكل مرارة بأن تنظيم الدولة مايزال يشكل خطراً على الجميع.
المصدر: The Economist