كانت عادة زواج الأقارب منتشرة في مصر القديمة، سواء بين الملوك وأبناء الطبقة الحاكمة، أو بين عامة الناس. إلا أن التفاصيل تختلف بحسب الفترة الزمنية والطبقة الاجتماعية.
ومن المتداول كثيراً أن الملوك القدماء في مصر كانوا يمارسون عادة الزواج داخل الأسرة الواحدة، من الأشقاء وأحياناً من الأطفال. فالملك رمسيس الثاني تزوج من ابنته، وكليوباترا السابعة تزوجت من شقيقها، ولكن هل هناك أي حقيقة لهذا الادعاء؟ وما مدى شيوع الزواج بين العائلات الملكية والعامة؟
نشرت مجلة "لايف ساينس" تقريراً أكّدت من خلاله شيوع ظاهرة الزواج داخل الأسرة، سواء بين الملوك أو بين عامة الناس. وقالت: "حدث أن تزوّج الأخ والأخت بشكل متكرر بين عامة السكان خلال الفترة التي سيطر فيها الرومان على مصر (بين عامي 30 ق.م- 395 ميلادي) لكنها كانت نادرة في الفترات الزمنية السابقة، وفقًا للسجلات القديمة.
في نفس الوقت، كان أفراد العائلة المالكة المصرية القديمة يتزوجون في بعض الأحيان من أشقائهم، وهي ممارسة ربما تعكس المعتقدات الدينية، كما كان الملوك يتزوجون في بعض الأحيان من بناتهم.
زواج الملوك من الأشقاء والأبناء
من أمثلة الحكام المصريين الذين تزوجوا من إخوتهم: سنوسرت الأول (حكم بين 1961 - 1917 ق.م) الذي كان متزوجًا من أخته نفرو، وأمنحوتب الأول (حكم بين 1525- 1504 ق.م) وكان متزوجًا من أخته أحمس- مريت آمون، وكليوباترا السابعة (حكمت بين 51- 30 ق.م) والتي كانت متزوجة من شقيقها بطليموس الرابع عشر قبل مقتله.
ومن أمثلة حالات زواج الملوك من بناتهم نجد زواج رمسيس الثاني (حكم بين 1279- 1213 ق.م) من ابنته ميريت آمون.
محاكاة أسطورة "أوزوريس وإيزيس"
ودخل العديد من الملوك المصريين في زيجات ملكية "بين أخ وأخت" لمحاكاة أسطورة الإلهين المصريين الشقيقين "أوزوريس وإيزيس"، اللذين كانا متزوجين من بعضهما.
ويعلّق المحاضر في علم المصريات بجامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة، لير أولاباريا، فيقول: "كان أوزوريس أحد أهم الآلهة في الديانة المصرية. وكانت قرينته إيزيس أيضًا أخته وفقًا لبعض نظريات نشأة الكون المصرية القديمة. وهكذا انخرط أفراد العائلة المالكة في زواج الأقارب من أجل محاكاة أوزوريس وإيزيس، وإدامة صورهم كآلهة على الأرض".
أما بين الأفراد من غير العائلة المالكة، لا يبدو أن زواج الأخ والأخت أصبح منتشرًا على نطاق واسع حتى وقت الحكم الروماني. وحذر أولاباريا من أنه قد يكون من الصعب اكتشاف زواج الأخ والأخت بعد بداية الدولة الحديثة (نحو 1550- 1070 ق.م) بسبب التغييرات في كيفية استخدام الكلمات المصرية. على سبيل المثال، عادةً ما يُترجم مصطلح snt على أنه "أخت" لكن في المملكة الحديثة بدأ استخدامه للإشارة إلى الزوجة أو الحبيب أيضًا.
الحكم الروماني
وكان ارتفاع عدد حالات الزواج بين الأخ والأخت خلال الحكم الروماني مصدرًا للنقاش. ففي كتابها "الأسرة في مصر الرومانية: نهج مقارن للتضامن والصراع بين الأجيال"، قالت سابين هوبنر أستاذ الحضارات القديمة في جامعة بازل في سويسرا، إن العديد من حالات الزواج بين الأخ والأخت قد تكون في الواقع مع رجل تم تبنيه في عائلة الزوجة قبل وقت قصير من الزواج. وربما كان الآباء الذين ليس لديهم ابن يريدون هذا الترتيب، لأنه كان يعني أن الزوج ينتقل إلى منزلهم بدلاً من مغادرة ابنتهم.
ولفتت هوبنر إلى أن هذا "سيكون مهمًا للاستقرار المالي للوالدين مع تقدمهما في السن، وقد حدثت هذه الممارسة المتمثلة في تبني صهر رسميًا في مجتمعات قديمة أخرى، بما في ذلك اليونان". وكان تبني الصهر هو أفضل تفسير لسبب توثيق الزواج بين الأخ والأخت بشكل متكرر في مصر الرومانية.
وأضافت هوبنر: "يبدو لي أن هذه هي الحالة الأكثر وضوحًا من إعلان مجتمع مصر الرومانية الحالة الوحيدة في تاريخ البشرية حيث كان يتم الاحتفال بزواج الأشقاء بين عامة الناس وبشكل منتظم".
بينما يستبعد بعض العلماء إمكانية أن يفسّر التبني حالة شيوع الزواج بين الأخ والأخت في مصر الرومانية. ويقول أستاذ الكلاسيكيات الفخري بجامعة برينستون، برنت شو: "إن صياغة عقود الزواج المصرية – ابن وابنة من نفس الأم ونفس الأب – تستبعد التبني في جميع تلك الحالات".
هناك تفسيرات أخرى محتملة لسبب حدوث زواج الأخ والأخت بشكل متكرر في مصر الرومانية. ويقول أولاباريا إن أحد الاحتمالات هو أن الآباء شجعوا ذلك حتى لا يتم تقسيم الممتلكات والثروة بشكل كبير عند وفاتهم. ويبدو أن هذه الممارسة حدثت إلى حد كبير بين السكان من أصل يوناني. كما أوضح أولاباريا أن الزواج بين الأخ والأخت ربما تم استخدامه كعلامة هوية من نوع ما للمصريين من أصل يوناني.