البدايات كلام على مجموعات التواصل الاجتماعي حول الانسحاب الروسي من سوريا بعد إعادة انتشار للقوات الروسية لكنه كلام أشبه بالأمنيات، فماذا سيتبقى لروسيا لتقايض من أجله في حال غادرت سوريا.. لكن ترافق مع هذا الكلام ما قيل عنه تسريبات عن ضغوطات من واشنطن على موسكو في سوريا، عسكرياً وسياسياً.
بالتزامن مع محاولات جادة من المعارضة السورية للحصول على أسلحة نوعية، والعمل على المطالبة بمقعدي سوريا في الأمم المتحدة والجامعة العربية، مواقع المعارضة السورية ومنصاتها، أكدت مرارا على وجود نيّات روسية لتخفيض روسيا عدد قواتها في سوريا، والانكفاء تدريجياً من عدة مناطق، مثل مناطق "شرق الفرات" التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ولكن بعض المصادر أشارت إلى أنها بذلك ربما تذر الرماد في العيون وتهدد الولايات المتحدة الأميركية بأنها ستنسحب وتترك الفوضى أو ربما إيران.
مصادر النظام حقيقة ركبت نفس الأرجوحة الروسية وتحدثت بنفس المنطق في إعلانها بأن الوجود الروسي لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار
في حين أكدت مصادر مؤيدة للنظام أنه لم تظهر أي مؤشرات على نية موسكو تخفيض عدد قواتها، أو التمهيد لانسحاب من مناطق في سوريا، وأن النشاط الروسي كما هو وأن موسكو لم ولن تنسحب حيث وصلت معدات عسكرية جديدة إلى مطاري القامشلي والطبقة، وأن كل ما يقال هو في إطار الحرب الإعلامية ضد الروس في سوريا، في محاولة للتأثير على النشاط الروسي في إحدى أهم الجبهات الروسية، وأن التزامات روسيا في سوريا كما هي وهي ضامن أساسي لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد ولن يكون هناك أي مقايضات بين الملفين الأوكراني والسوري مع الغرب..
مصادر النظام حقيقة ركبت نفس الأرجوحة الروسية وتحدثت بنفس المنطق في إعلانها بأن الوجود الروسي لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار.
لكن ظهرت تصريحات لوزير الخارجية التركي فسرت الكثير وكانت واضحة تماما في إطارين أولا اتفاقية مونترو ووجود تباين في وجهات النظر الروسية والتركية حولها، وثانيا أن تركيا لم تسمح منذ هذا الشهر بنقل جنود من روسيا إلى سوريا عبر الفضاء التركي، وربما هذا ما يفسر ما قيل عن إعادة انتشار القوات الروسية وطريقة تمركزها في سوريا، إضافة إلى الاستعراض العسكري الروسي في سوريا في مناورات في 16 من شباط الماضي.
ولا يمكننا إلا أن نتذكر ما عنونت به وسائل الإعلام العالمية صفحاتها يوم 14 من آذار/ مارس ٢٠١٦، بقرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سحب قوات بلاده من سوريا.
تعددت التحليلات حول قراره المفاجئ، الذي قيل إنه شكل صدمة للنظام السوري وذكرت بعض الآراء أنّ بوتين بدأ يخشى من التورط في "المستنقع السوري"، وأنّ روسيا استنزفت كامل قواها المخصصة لسوريا، لكن تحليلات أخرى أكدت أنّ روسيا "لا تغادر مكاناً تقول إنها انسحبت منه".
بل إن قرار بوتين مجرد مناورة تكتيكية، كما أن علينا العودة بذاكرتنا إلى قرارات الانسحاب المُعلنة من قِبل الروس، خلال الحقبة الزمنية الأخيرة، ودراسة تفاصيل هذه القرارات في التاريخ الروسي.
روسيا لن تتخلّى عن مصالحها في سوريا، والوجود الروسي في سوريا لم ينتهِ رغم ترويج وسائل الإعلام الروسية الموالية لبوتين مراراً بالنصر الذي حققه في سوريا
فكل ما سمعناه عن استشارات مكثفة في الكرملين والخارجية والدفاع لاتخاذ القرار الذي ينص على إبقاء القواعد الروسية في سوريا، مع تخفيض عدد القوات العاملة في هذه القواعد، إضافة إلى تقليل الغارات الجوية للمقاتلات الروسية في سوريا لا يعني إطلاقاً الانسحاب الكامل من سوريا، إلّا أنّ موسكو أوحت بأنّ هذا القرار هو قرار انسحاب موسكو من سوريا وما كان فقط هو إعادة انتشار لقواتها ربما لتجنب الاصطدام مع الجيش التركي، الذي قرر القيام بعمليات عسكرية داخل سوريا في تلك الفترة.
ورغم أنّ موسكو حققت أهدافها من تدخلها في سوريا، وأنها تمكنت من دعم بشار الأسد، من خلال الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلاتها ضدّ معارضيه، إلا أن روسيا لن تتخلّى عن مصالحها في سوريا، والوجود الروسي في سوريا لم ينتهِ رغم ترويج وسائل الإعلام الروسية الموالية لبوتين مراراً بالنصر الذي حققه في سوريا، لكن مهما رغبت موسكو في تركيز جهودها على أوكرانيا والقرم تبقى سوريا مفتاحا مهما بالنسبة لها، وهي تعلم أن قوتها الناعمة غير كافية ولا بد من قوة عسكرية، ودائما لديها تبريرات جاهزة من قبيل إحلال السلام ونشر الأمن.