يعيش العالم رمضاناً ثانياً على وقع انتشار فيروس كورونا، حيث أثرت الجائحة على كل مناحي الحياة الاجتماعية والدينية، وكثرت التساؤلات عن تأثير الصيام على على مناعة الجسم ضد الفيروس.
يشير موقع "صحتك" إلى أنّ الجهاز المناعي يلعب دوراً مهماً في محاربة العدوى عامةً، وفيروس كورونا خاصة، فهناك من لا يشعر بالمرض إلا بشكل بسيط للغاية، ومنهم من يصل إلى مراحل متقدمة ويحتاج لعناية فائقة، وقد تؤدي الاستجابة المناعية غير المنضبطة إلى سرعة تدهور الحالة الصحية للمريض.
الصيام والمناعة
يقول الموقع إن للصيام دوراً مهما في رفع مناعة الجسم، وبالتالي مقاومة فيروس كورونا، وذلك بعدة طرق:
الالتهام الذاتي (autophagy) هو من أهم طرق مقاومة فيروس كورونا، إذ يرتبط بالعديد من العمليات الحيوية داخل الخلايا، مثل بقاء الخلية أو موتها، الشيخوخة، المناعة، التوازن، التكاثر، التنشيط وغيرها، ويعتبر الصوم لفترات طويلة أكبر محفز لها، لدرجة أن بعض الباحثين تنبؤوا أن يكون الصيام أحد طرق الوقاية من الفيروس.
ويعد الصوم بمنزلة تدريب للخلايا على زيادة قدرتها على التخزين المؤقت، وبالتالي إعداد جسم الإنسان للتعامل مع الضغوط المختلفة مثل المرض.
وتتميز المراحل المتأخرة من الإصابة بكوفيد بوجود ما يعرف بالعاصفة السيتوكينية (cytokine storm)، حيث تنتشر المواد المسببة للالتهاب مما يؤدى إلى التدهور الشديد لحالة المريض، والصيام يقلل الالتهاب بالجسم وبالتالي له دور كبير في مقاومة حدوث مضاعفات لمرضى كورونا.
يحدث الصيام فترات طويلة تنظيماً في البروتينات المسؤولة عن عملية التمثيل الغذائي وإصلاح الحمض النووي والجهاز المناعي، ما يقاوم حدوث العدوى الشديدة.
كما يجبر صيام رمضان الجسم على استهلاك مخزون الجلوكوز والدهون، ويتم تكسير كمية كبيرة من خلايا الدم البيضاء فيتجه الجسم إلى الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا جديدة، وفي النهاية تنتج خلايا دم بيضاء جديدة، ما يجدد جهاز المناعة لمحاربة العدوى.
الصيام والأمراض المزمنة.
أما الأفراد المصابون بأمراض موجودة مسبقًا (مرض السكري، ارتفاع ضغط الدم، التهاب الشعب الهوائية المزمن، السرطان، إلخ...) معرضون بشكل خاص لهذا المرض، ويحتاجون لعناية حثيثة، ومن ثم فإن التدابير الوقائية الممكنة تكمن في السيطرة على الأمراض المزمنة إلى جانب تعزيز جهاز المناعة.
الصيام قد يسبب فقدان الوزن، ولذلك دور كبير في مقاومة التدهور لمرضى كوفيد، خاصة الذين يعانون من السمنة.
ويؤدي الصيام إلى تحسن مرض السكري من النوع الثاني، إلى جانب انخفاض نسبة الدهون في الجسم وتحسن في معدلات الجلوكوز الثلاثي HbA1c. كما يساهم الصيام في انخفاض ضغط الدم مع تحسن وظائف القلب والأوعية الدموية.
الصيام يقلل من مقاومة الإنسولين بين الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، وبالتالي قد يكون له دور مهم في الحماية من السرطانات المرتبطة بالسمنة.
للصيام تأثير إيجابي على متلازمة التمثيل الغذائي، حيث أدى إلى انخفاض كبير في مكوناتها؛ وهي الجلوكوز الصائم، ضغط الدم الانقباضي، الدهون الثلاثية في الدم، ومحيط الخصر. ويقلل من كتلة الدهون، الكوليسترول الكلي، الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية في الدم.
أثر الجفاف المصاحب للصيام على المرض
يتسبب الجفاف في تفاقم الحالة المرضية لكثير من الأمراض مثل الأمراض الصدرية والكلى، وإن كان استهلاك السوائل ينقص أثناء النهار، فإنه يزيد كثيراً أثناء الليل، ما يجعل الاستهلاك الإجمالي في النطاق الطبيعي، ولذلك لا بد من دراسة كل حالة على حدة مع الطبيب المختص.
طبيعة الطعام في رمضان وتأثيره على كورونا
ترتبط التأثيرات السابقة الإيجابية للصيام بالغذاء الجيد الصحي المتوازن الغني بالمغذيات المهمة والبعيد عن المواد الحافظة والملونات، ما يدعم بدوره حدوث تلك التغيرات في شهر رمضان.
للأسف فإنه - في كثير من الأحيان - يغلب السكر والنشويات والدهون غير الصحية على الغذاء، وهذا بدوره قد يضعف المناعة ويقلل من قدرة الصيام في الدفاع عن الجسم ضد الفيروس وكبحه.
وأثبتت الدراسات أن النظام الغذائي الغني بالسكريات المكررة والملح والدهون المهدرجة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالعدوى وزيادة الالتهاب، وزيادة خطر الإصابة بأمراض الحساسية.
ويجب على الصائمين تناول طعام متوازن غني بالخضراوات (الغنية بالفيتامينات والمعادن)، والفاكهة (الغنية بالبولي فينول)، والبقوليات والمكسرات الغنية بالمغذيات الدقيقة، إلى جانب البلح والتمر واللحوم بكميات معتدلة وشرب الماء والسوائل (من دون السكر المضاف)، ما يدعم بشكل فعال أداء جسم الإنسان في مقاومة الفيروسات.
الصيام والتدخين وكورونا
أشارت دراسة تمت على 78 مريضاً مصاباً بكورونا في الصين، إلى أن تاريخ التدخين كان أحد عوامل الخطر لتطور المرض، وهو العامل الأكثر احتمالاً المرتبط بتدهور الحالة للمراحل الخطرة من المرض.
الامتناع عن التدخين لمدة طويلة أثناء نهار رمضان قد يقلل من فرص الإصابة بكورونا، وعلاوة على ذلك، فإن الظروف الروحية التي تميز شهر رمضان قد تسهل على العديد من المدخنين الإقلاع عن التدخين.
هل يصوم مريض كورونا؟
يشير موقع "صحتك" إلى إنّ درجة الإصابة وحدّة الأعراض تختلف من شخص لآخر، وعموماً فإن هناك رخصة للفطر أثناء المرض، ولكن كثيراً من الناس يحرصون على ألا تفوتهم تلك الفرصة الروحية العظيمة، ومن هنا نؤكد أن الحالات الشديدة من الأفضل لها أن تفطر، لأن المريض يكون في حالة من الضعف يصعب معها الصوم ويحتاج إلى الغذاء والدواء والسوائل على مدار اليوم.
أما الحالات البسيطة، فيختلف الرأي فيها ما بين مؤيد للصيام ومعارض له - والأفضل عمل التحاليل والأشعات الروتينية ثم مناقشة الطبيب لكل مريض على حدة - إذ إن الأعراض قد تكون بسيطة، ولكن الأمراض المصاحبة قد تشتد حال الصيام.
وفى أحيان أخرى تكون الأعراض بسيطة ظاهريا، ولكن حالة الرئتين ونسبة الأوكسجين في الدم قد تكون غير مستقرة.
متى يصوم المعافى من كورونا؟
تختلف فترة المرض من شخص لآخر، فقد تكون بضعة أيام عند شخص وبضعة أسابيع عند آخر، وللطبيب المعالج وجهة نظر في كل حالة، إذ لا بد من أن يتأكد من عدم وجود التهاب بالرئتين أو أن القابلية للتجلط بالدم عالية، عندها قد يحتاج المريض لبعض الوقت.
كما أن لتحليل (D dimer) أهمية كبيرة في تحديد إمكانية الصيام من عدمه، فإنه في حالة ارتفاعه يحتاج المريض أن يشرب سوائل طوال اليوم.
اقتراحات وقائية لمن يتوقون للصيام في ظل جائحة كورونا
- الالتزام بتوصيات منظمة الصحة العالمية: ويشمل ذلك غسل اليدين بشكل متكرر، الحفاظ على مسافة متر واحد على الأقل من الآخرين، وارتداء كمامة.
- إذا كان الشخص يعاني من مشكلات صحية أو عدوى شديدة، فمن الأفضل الامتناع عن الصيام.
- أثناء الصيام، تجنب – قدر الإمكان - الوجود في مكان عام مزدحم مثل الحافلات ومترو الأنفاق وما إلى ذلك.
- مراعاة المحاذير وإجراءات مكافحة العدوى أثناء التجمعات العائلية وصلاة الجماعة.
- تجنب الإفراط في استهلاك السعرات الحرارية، ولا بأس من القيام ببرنامج تمارين مناسب.
وبالرغم من أن إمكانات الصيام المقوية للصحة مدعومة بالعديد من الأدلة التجريبية، والنتائج المبدئية واعدة، لكنها ما زالت في البداية، والمرض ما زال حديثا ولم تتضح جميع أبعاده بعد ولم يعرف له علاج فعال وما زال يحتاج لكثير من الأبحاث والدراسات.