ترتفع يوماً تلو الآخر حدة الأصوات الصادرة عن أهالي إدلب المطالبة بإيجاد حل لأزمة الخبز التي ضربت المحافظة وأدت إلى خفض وزن الربطة الواحدة من 900 إلى 450 غراماً، وارتفاع في سعرها إلى ليرتين ونصف الليرة التركية.
"باختصار شديد هذه الأيام تشبه مثيلاتها في شباط من عام 2011، الجميع ينتظر انطلاق الشرارة حتى ينزل إلى الشارع مطالباً بحقوقه" هذا ما قاله بائع خضار على عربة متنقلة في سوق إدلب لموقع تلفزيون سوريا.
ونتيجة للضغوطات، اختلف التعاطي الإعلامي من الشارع مع السلطات، فسابقاً كان كثيرون يتجنبون الحديث أمام الكاميرا، لكن في الوقت الحالي باتت هي الخيار الأول لبث المطالب والشكاوى، حتى إن انتقاد "حكومة الإنقاذ" بات علنياً ووصل إلى شخص قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني.
وتربط "حكومة الإنقاذ" أزمة الخبز بانهيار سعر صرف الليرة التركية والتضخم الاقتصادي العالمي، إضافة إلى ارتفاع أسعار مادتي الطحين والديزل الرئيسيتين لإنتاج الخبز، إذ ارتفع سعر الطحين بنسبة 20 في المئة عالمياً خلال الشهرين الأخيرين، بحسب تصريح لمعاون وزير الاقتصاد والموارد في "الحكومة" أحمد عبد الملك.
"بشريات" لسكان إدلب
ازدياد المطالبات بحل الأزمة وارتفاع وتيرة الغضب الشعبي دفعا "الجولاني" إلى الخروج عن صمته في تصريح أطلقت عليه وسائل إعلام مقربة من "الإنقاذ" بـ"بشريات لسكان إدلب"، تحدث فيه عن قرب انتهاء الأزمة عبر تثبيت سعر الربطة عند سعر ليرتين ونصف الليرة، ورفع وزنها من 450 إلى 600 غرام.
وتعهّد "الجولاني" بتقديم مبلغ 3 ملايين دولار "بشكل إسعافي" لتثبيت سعر ووزن ربطة الخبز، بعيداً عن ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة، وهو ما اعتبره كثيرون "هبة" مقدمة لسكان الشمال السوري "ربما اقتُطع من القطاع العسكري وووظف في سبيل إنهاء الأزمة".
ومن ضمن الحلول التي طرحها الجولاني هي تقديم الدعم لأربعين فرناً، وهو ما أثار حفيظة ناشطين اعتبروا أن هذا العدد من الأفران قليل جداً مقارنة بالكثافة السكانية المرتفعة في إدلب والتي يقدر عدد السكان فيها بأكثر من أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، ما يعني رؤية مشاهد الطوابير على الأفران المدعومة.
في المقابل، رفعت حكومة الإنقاذ رسوم استخراج الأوراق الثبوتية في دوار النفوس والمحاكم والعقارات إلى الضعف بحسب عدد من المراجعين لتلك الدوائر بحجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، الأمر الذي علق عليه بعض الناشطين بعبارة "شالوا من جيبنا هاي وحطوا بهاي مع منية"، أي إن "الحكومة" بدأت بتحصيل المبلغ الذي أنفقته على دعم مادة الخبز قبل البدء بدعمها.
ولم يقتصر الأمر على رفع رسوم استخراج الأوراق الثبوتية، إذ صدر تعميم من قبل شركة "وتد" للبترول يقضي برفع أسعار المحروقات والغاز، يسري اعتباراً من يوم غد الأربعاء، "تماشياً مع انخفاض سعر صرف الليرة التركية".
ويرى ناشطون أن جل السكان في حالة مادية صعبة للغاية، وسيجبرون على التجمع أمام الأفران المدعومة وهو ما سيؤدي حتماً إلى تشكّل طوابير بشرية، إذ قد يقضي الشخص ساعات عديدة واقفاً في الطابور حتى يحصل على ربطة الخبز.
"إلّا الخبز يا حكومة الإنقاذ"
وكان ناشطون قد أطلقوا يوم أمس حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #إلا_الخبز_يا_حكومة_الإنقاذ تندد بارتفاع أسعار الخبز في إدلب، مطالبين "الحكومة" بدعم الخبز واتخاذ إجراءات تحد من استمرار الأزمة وتحولها إلى مجاعة تهدد الشمال السوري، في حين طالب آخرون "الحكومة" برفع يدها عن ربطة الخبز وعدم كسب الربح منها.
من جانبه قال سامر (مستعار) وهو تاجر طحين سابق، إن "هيئة تحرير الشام" تحتكر تجارة واستيراد الطحين عبر تجار أو شركات تابعة لشبكتها الاقتصادية الأمر الذي يرفع أسعار الطحين، فضلاً عن الرسوم التي يفرضها معبر باب الهوى على الطحين المستورد حتى لو كانت كمية قليلة.
وأضاف سامر، الذي مُنع من استيراد الطحين من تركيا، أن قطاعا الطحين والخبز لو كانا سلعة تجارية لكان على الحكومات دعمه وتقديمه للمواطنين دون أن تربح، فكيف وقد أقصت الهيئة كثيرا من مستوردي الطحين واحتكرته لنفسها، كما أن على المعبر التخلي عن الرسوم ولو كانت مصاريف تشغيلية.
كذلك تحدث أبو محمود الذي يعمل في مجال الأفران وإدارتها منذ أكثر من عشرين عاماً لموقع تلفزيون سوريا عن كثير من النقاط التي تكسب من خلالها "حكومة الإنقاذ" الربح من ربطة الخبز، معتبراً أن تخلي "الحكومة" عن ربحها الذي تجنيه يكفي لحل أزمة الخبز في إدلب.
وذكر أبو محمود عدة نقاط متعلقة بإنتاج الخبز قائلاً: "بالنسبة للمازوت المقدم للأفران، والذي يتم استهلاك القسم الأكبر منه في الحراقات، فيمكننا استعمال مازوت محسن أو مفلتر أو حتى مازوت متدني الجودة وتصفيته في خزانات كبيرة وهو ما سار عليه الحال طيلة عدة سنوات ماضية خلال الثورة".
وأضاف أن سعر ربطة الخبز "كان من المفروض أن ينخفض منذ عدة أشهر مع وصول التيار الكهربائي، فالكثير من أجزاء الفرن تعمل على الكهرباء كالرقاقة والعجانة وخط التبريد، حيث وفرت الكهرباء كثيرا من مصاريف المولدات من وقود وتصليح"، وتساءل: "لماذا لم ينخفض سعر ربطة الخبز؟ بكل بساطة لأن السلطات المسيطرة والتي تمتلك الأفران أو لها شراكة معها فضلت وضع الربح الذي تم توفيره من خلال الكهرباء في جيبها بدل أن تخفف من العبء على المواطن".
وتابع: "كيس الخبز له نسبة من تكلفة إنتاج ربطة الخبز ولطباعته نسبة أيضاً، وتقدر بنحو 15 قرشاً تركياً للكيس مع طباعته"، وأضاف: "بدل أن نضع ربطة خبز وزنها 450 غرام في كيس يمكننا وضع ربطة وزنها 900 غرام في كيس وهكذا نكون وفرنا ثمن الكيس وطباعته ووضعناها لإنتاج المزيد من الخبز أو لتخفيض وزن الربطة".
وحول جزئية أجور أصحاب الأفران أوضح أبو محمود أن نسبة معينة من الإنتاج تقتطع للفرن لكن في الحقيقة معظم الأفران هي أفران حكومية من أيام النظام، أو أفران تابعة لمنظمات أو جمعيات، أو أفران صودرت خلال اقتتالات سابقة بين الفصائل، أو أفران تابعة للمجالس المحلية أو لهيئة تحرير الشام، ونسبة قليلة جداً هي أفران خاصة، بالمحصلة، الجهات المذكورة آنفا معظمها جهات مسيطرة يمكنها الاستغناء عن نسبتها من أجل دعم المواطن وتخفيض ثمن ربطة الخبز.