تعتقد غالبيّة الشعوب أنّ الهلال والنجمة رمز وشعار للإسلام معترف به دوليّاً؛ إذ يظهر الهلال على أعلام العديد من الدول الإسلاميّة كتركيا وتونس وليبيا وماليزيا وموريتانيا والجزائر وغيرها من الدول.
دعمت ذلك الاعتقاد العديد من الحيثيّات في الدين الإسلاميّ؛ فالتقويم الهجريّ الذي يعتمده المسلمون مرتبط بالقمر، والقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة ذكرا الهلال؛ حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية 189: "يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس"، ويقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا". فالصيام مرتبط برؤية الهلال، وبالهلال أيضاً تتحدّد مواعيد الحجّ، وإذا ما بحثنا في القرآن الكريم فسنجد أنّ هناك 50 آية ذكر فيها الهلال والقمر، وفي السنة النبوية سنجد عدد الأحاديث التي ذُكر فيها الهلال 2027 حديثاً، و836 حديثاً ذُكر فيها القمر.
رغم كلّ الدلالات السالفة التي تؤكّد رمزيّةَ الهلال عند المسلمين، وكذلك تدلّل على قدسيّته ومكانته الدينيّة لديهم، فإنه ورغم كلّ ما سبق لم يرد شيء في السيرة النبويّة الشريفة عن اتخاذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو أحد من أصحابه الهلالَ شعاراً للإسلام، إذ لم يكن لدى المجتمع الإسلاميّ المبكّر رمز معترف به خلال فترة النبيّ؛ فقد كانت الجيوش والقوافل الإسلاميّة ترفع أعلاماً بسيطة ذات ألوان (سوداء أو خضراء أو بيضاء) خالية من أيّ رموز، وكانوا يرفعون تلك الرايات بهدف تحديد الهويّة وليس لأيّ سبب آخر، هذا وقد استمرّ المسلمون في العصور اللاحقة في استخدام أعلام بسيطة ذوات ألوان واحدة من دون علامات أو كتابة رمزيّة من أيّ نوع.
الأصل العثماني
وبحسب كتاب "الإسلام في وجه الخطر الأوروبّيّ" لأحمد حسين النمكيّ، لم يتخذ الرسول ولا أصحابه الهلال شارة لهم، بل إنّ أقدم ما وصلنا عن رايات العرب في الجاهليّة كانت راية امرئ القيس، في حين اتخذت قريش راية العقاب، وكان لون راية النبيّ الكريم أسود، وكانت راية الأمويّين بيضاء، وراية العبّاسيّين سوداء أيضاً، أما راية الفاطميّين فكانت خضراء. ولم يُذكر أنّ أيّاً من الدول السابقة قد رسمت الهلال على رايتها، وإنّما ظهر شعار الهلال مع الدولة العثمانيّة، والدليل أنّ الدول غير التابعة للسلطنة العثمانيّة لم تتخذ من الهلال شارة لها.
دخل الهلال كرمز رسميّ في الدولة العثمانيّة حين قرّر السلطان العثماني سليم الثالث (1789- 1807) تكوين جيش نظاميّ على غرار الجيوش الأوربّيّة محاكياً أعلامها الرسميّة على شكل هلال ونجمة على أرضيّة حمراء، ومن وقتئذ ارتبط شكل الهلال بالمجتمع الإسلاميّ ارتباطاً وثيقاً، حتى صار دلالة على دين الإسلام وشعاراً له؛ يُرفع على المنائر والقباب، وزينة تزيّن بها الأغطية والأقمشة والثياب، فكان من الجماليّات الرئيسيّة في تزيين كسوة الكعبة أيّام الخلافة العثمانيّة؛ حيث كان غطاء الكعبة يزيّن بالديباج الأحمر المطرّز باثني عشر هلالاً من الذهب.
تاريخ الهلال والنجمة
تشير العديد من المصادر إلى أنّ استخدام الهلال والنجمة يسبقان الإسلام بآلاف السنين، ومن الصعب تأكيد المعلومات حول أصول الرمز، ولكن معظم المصادر تتفق على أنّ هذه الرموز كانت مستخدمة من قبل شعوب الرافدين القديمة، وخاصة السومريين. حيث أطلقوا اسم "سين" على القمر" وكانت الإلهة عشتار يرمز لها بالنجمة (كوكب الزهرة).
كما استخدم الرمز لدى شعوب آسيا الوسطى وسيبيريا في عبادتهم لآلهة الشمس والقمر والسماء، وهناك مصادر أخرى تشير إلى أنّ الهلال والنجمة استخدما لتمثيل الإلهة القرطاجيّة "تانيت" أو الإلهة اليونانيّة "ديانا".
وقد جاء في "دائرة المعارف البريطانيّة" (ج1- ص 1057 ـ 1058) الآتي: "كان العرب في جنوب الجزيرة العربيّة يعبدون ثالوثاً هو الإله القمر والإلهة الشمس والابن عشتار، وكان الإله الأكبر في هذا الثالوث هو الإله القمر، وكان الناس يعتبرون في كلّ الأرجاء أنفسهم ذرّيّته". كما اتخذ الرمز أيضاً عند الفرس الساسانيين (القرن الـ7 الميلادي).
وقيل إنّ الهلال ظهر مع إسلام التتار، قال الرمزيّ في كتابه "تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبلغار وملوك التتار": "وقال ابن فضل الله العمريّ: حدّثني الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزميّ الترجمان أنّ مدينة سراي بناها بركة خان على شطّ نهر إتل، وهي أرض سبخة بغير سور، بها قصر عظيم على عليائه هلال ذهب زنته قنطاران". قال المحقّق إبراهيم شمس الدين : "فهذا صريح في أنّ اتخاذ الشكل الهلاليّ في علياء البيوت ورؤوس المنائر عادة باقية من قدماء التتار، لا أنها مأخوذة من القياصرة كما زُعم".
ويوضّح كتاب "تاريخ العلم العثمانيّ" تأليف أحمد تيمور، أنّ الهلال كشعار تمّ اقتباسه من الرومان بعد فتح العثمانيّين للقسطنطينيّة، لأنّه كان شعاراً لمملكتهم الشرقيّة، وهو قول الإفرنج في معالمهم ومعاجمهم التاريخيّة.
هذا وقد اعتمدت بيزنطة التي عرفت فيما بعد بالقسطنطينيّة وإسطنبول الهلال كرمز لها، وفقاً لبعض الأدلّة اختاروا ذلك تكريماً للإلهة ديانا، وتشير مصادر أخرى إلى أنّها تعود لمعركة هزم فيها الرومان القوط في اليوم الأوّل من الشهر القمريّ.
وقد ذهب أبو إسلام أحمد عبد الله في كتابه "الماسونيّة في المنطقة 245" في اتجاه آخر، حيث يرى أنّ الهلال مثّل أحد الشعارات السرّيّة التي طُرحت من قبل الماسونيّة، كما أشار إلى أنّ المؤرّخ جورجي زيدان مؤلّف كتاب تاريخ الماسونيّة العامّ كان ماسونيّاً، واتخذ شعار الهلال الماسونيّ شعاراً له ولدار النشر والجريدة التي أنشأها. إلا أن هذا المذهب لا يعني مطلقاً بأن مصدر رمز الهلال هو الماسونية، وإنما اتخذته كشعار من شعاراتها كالآخرين.
وقد كان الهلال وما يزال الشعار للاتحاد الدوليّ لجمعيّات الهلال الأحمر، وقد اتخذ الهلال تمييزاً لمقابر المسلمين في الولايات المتحدة وبعض دول الغرب، كما أنّ الصليب رمز لمقابر المسيحيّين ونجمة داود رمز لمقابر اليهود.
مصادر :
-
كتاب " تاريخ العلم العثمانيّ " لـ أحمد تيمور.
-
كتاب " الإسلام في وجه الخطر الأوربّيّ " لـ أحمد حسين النمكيّ .
-
كتاب " الماسونيّة في المنطقة 245 " لـ أبو إسلام أحمد عبد الله.
-
دائرة المعارف البريطانيّة ج1
-
كتاب " تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبلغار وملوك التتار " لـ الرمزيّ.