كثفت وسائل الإعلام الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد خلال الأيام الماضية من الحديث عن اقتراب عملية عسكرية جديدة في شمال غربي سوريا، للسيطرة على منطقة جبل الزاوية، والوصول إلى الطريق الدولي حلب - اللاذقية (M4)، وتأمين المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية خلال العامين الماضيين في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي.
بالتوازي مع ذلك، كثفت روسيا من القصف الجوي في الشمال السوري، ولم يقتصر كالمعتاد على جبل الزاوية جنوبي إدلب، بل امتد إلى ريف اللاذقية وريف حلب الغربي وبعض القرى داخل عفرين في منطقة عملية "غصن الزيتون".
وخلال الفترة الماضية عملت روسيا على تدريب عناصر النظام على أساليب قتالية جديدة، من ضمنها تكتيك الإنزال الجوي، ما يطرح أسئلة عن مدى جدية روسيا في بدء هجوم جديد ضد إدلب المكتظة بالقواعد والنقاط التركية، وعن قدرة عناصر النظام ومن خلفهم الضباط الروس، على إحداث اختراق عسكري في مناطق جبلية شديدة التحصين، سواء عبر الأسلوب المتبع قديماً (سياسة الأرض المحروقة)، أو أساليب جديدة تسعى روسيا لوضعها وتدريب ميليشياتها على تنفيذها.
تكتيك الإنزال الجوي
بدأت روسيا بتدريب عناصر النظام، وتحديداً "الفرقة 25 قوات خاصة" التي يقودها سهيل الحسن، على عمليات الإنزال الجوي والمروحي، منذ بداية شهر تموز الماضي، وما زالت المعسكرات المخصصة لهذا النوع من التدريبات مستمرة، وتم تخريج عدة دفعات منها.
وحصل موقع تلفزيون سوريا على معلومات حصرية، تؤكد أن جزءاً من هذه التدريبات تجري في مدرسة المجنزرات قرب قرية طيبة التركي شرقي حماة، ويشرف عليها ضباط روس، وقائد ميليشيا "النمر" أو "الفرقة 25 قوات خاصة"، سهيل الحسن.
وتفيد المصادر بأن المعسكر داخل مدرسة المجنزرات، يحوي عناصر من معظم المحافظات في سوريا، لكن معظمهم من محافظات طرطوس وحمص وحماة، كما يجري بشكل يومي نقل عناصر من أماكن سكنهم في حماة إلى المعسكر المذكور لتلقي التدريبات، وذلك بواسطة باص عسكري ينطلق في الساعة العاشرة من صباح كل يوم، من النقطة المتفق عليها، وهي "جسر المزارب" في حماة.
ونشرت صفحات مقربة من نظام الأسد في شهر تموز الماضي، شريطاً مصوراً يظهر جانباً من التدريبات، داخل معسكر سُمي "الإنزال الجوي - مغاوير الصاعقة"، ويتبع لميليشيا "الفرقة 25"، ويتدرب العناصر خلاله على الإنزال المروحي، وكيفية التنقل بين الأبنية بواسطة الحبال.
ويرى المحلل العسكري، العميد فاتح حسون، أن روسيا لجأت إلى تدريب ميليشيا "النمر" على تكتيك الإنزال الجوي، بعد أن عجزت عن السيطرة على إدلب عبر الطرق المعروفة، مثل القصف الجوي والمدفعي وسياسة الأرض المحروقة، مشيراً إلى أن الروس استخدموا هذا التكتيك خلال المعارك ضد تنظيم الدولة في البادية السورية، وربما يستخدمونه شمالي سوريا عندما يسنح لهم المكان والزمان المناسبان.
وصرّح حسون لموقع تلفزيون سوريا، أن بعض المعسكرات المخصصة لهذه التدريبات، افتتحت في ريف حماة الشرقي، ومنها داخل اللواء 66، بإشراف ضباط روس، وباستخدام مروحيات وحوامات روسية، مضيفاً أن آخر دفعة تم تخريجها من هذا المعسكر بلغت 200 عنصر.
احتمالية اللجوء إلى هذا التكتيك شمالي سوريا
استبعد عدة ضباط وخبراء عسكريين أن تلجأ روسيا إلى استخدام الإنزال الجوي خلال العمليات العسكرية في شمال غربي سوريا، إذ أكدوا أن الرهان على هذا التكتيك من قبل روسيا في الشمال، سيكون خاسراً، ويلحق بجنودها خسائر كبيرة.
بالمقابل، أشار قادة ميدانيون في فصائل المعارضة لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن الفصائل أخذت هذا الأمر على محمل الجد، وقد تم تجهيز عدة أساليب للتصدي للهجمات من هذا النوع في حال حصلت، لكنهم رفضوا الكشف عنها على اعتبار أنها "أسرار عسكرية"، بحسب وصفهم.
وقال الضابط المختص بالطيران الرائد يوسف حمود إن الجيوش تستخدم دائماً بعض التكتيكات في الأعمال القتالية، ومنها الإنزال الجوي، لكن بالنسبة للمشهد السوري، فإن روسيا والميليشيات التابعة لها، تعتمد في أعمالها القتالية على سياسة الأرض المحروقة.
وأضاف حمود في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنه لا توجد مؤشرات تدل على أن عناصر النظام وميليشياته لديهم من الجرأة والشجاعة التي تؤهلهم لتنفيذ عمليات إنزال جوي خلف نقاط تمركز القوى العسكرية في الثورة.
وبحسب حمود؛ لو نُفذت هذه العمليات في جبل الزاوية، سيتم اصطياد عناصر العدو واحداً تلو الآخر، مضيفاً في الوقت نفسه أن الفصائل لديها أساليبها الخاصة للتعامل مع مواقف كهذه.
ورأى الرائد أن روسيا تدرب عناصر النظام على الإنزال الجوي، لرفع معنويات المقاتلين، والترويج للطيران والجيش الروسي، ما يعني أن ذلك يدخل ضمن الحملة الدعائية الروسية لا أكثر.
وتعتمد الجيوش والقوى العظمى على الإنزالات الجوية، عندما تكون المسافة بعيدة جداً بين أرض المعركة، ونقاط التمركز، ويضيف "حمود" أن خطوط التماس في سوريا قريبة، ولا توجد حاجة إلى استخدام هذا التكتيك، الذي سيكون مغامرة خاسرة حتماً، وروسيا تعرف ذلك.
أين يمكن استخدام الإنزال الجوي؟
تؤكد فصائل المعارضة السورية عدم رصد مؤشرات على الأرض تنبئ بقرب بدء عملية عسكرية برية جديدة لروسيا في إدلب، لكن التلميح من وسائل الإعلام الروسية، وتصعيد موسكو تجاه أنقرة، واتهامها بعدم تنفيذ كامل بنود اتفاق وقف إطلاق النار، يشير إلى خلاف بين الطرفين حول آلية العمل المتبعة في إدلب.
وإذا ما أرادت روسيا تنفيذ عملية عسكرية في شمال غربي سوريا، فإنها تضع 4 محاور ضمن أهدافها، للتقدم من خلالها على حساب فصائل المعارضة، أولها محور الكبينة في ريف اللاذقية، والثاني محور خربة الناقوس والمشاريع في سهل الغاب، والثالث محور بينين في جبل الزاوية جنوبي إدلب، والرابع محور كفرنوران في ريف حلب الغربي.
ومن بين هذه المحاور الأربعة، يبدو استخدام الإنزال الجوي في محور الكبينة منطقياً نوعاً ما، بسبب الطبيعة الجبلية، وحاجة روسيا إلى السيطرة على سلسلة الجبال شمالي اللاذقية، لما لها من أهمية، مثل الإشراف على طريق "M4"، ورصد مساحات واسعة في ريفي إدلب وحماة.
وحاولت روسيا عام 2019 السيطرة على تلال الكبينة، لكنها فشلت على مر أشهر في تحقيق أي تقدم، وعلى النقيض، خسرت عدداً من أفراد القوات الخاصة التابعة لها، فضلاً عن مقتل عناصر من نظام الأسد والميليشيات المساندة له.
ونشرت "هيئة تحرير الشام" في شهر آب الماضي إصداراً مرئياً يتحدث عن أهمية تلال الكبينة، ويقول القائد العسكري في جبهة الساحل "خطاب الشامي" في الإصدار، إن الكبينة تمتاز بموقعها الاستراتيجي المهم، حيث تقع على سفوح جبال الأكراد، وتطل على ريف حماة وجسر الشغور، مضيفاً أن الكبينة هي عصب عسكري مؤثر في كل "المحرر"، ونقطة عسكرية حاكمة تحمي ما حولها من المناطق، وتمثل مركز أولوية للمحتل الروسي والإيراني ونظام الأسد.
ويبدو أن الهيئة وضعت في حسبانها إمكانية قطع طرق الإمداد المؤدية إلى الكبينة، إذ ذكر قائد عسكري في المحور يدعى أبا يحيى الشامي، أنهم شرعوا في السنوات الماضية في تطوير عملية التحصين بالمنطقة، حيث تم حفر شبكة أنفاق داخل تلال الكبينة، توفر حماية عالية للمقاتلين داخلها، مضيفاً أن الأنفاق موصولة فيما بينها ضمن شبكة سرية مدعمة، وتحتوي على ملاجئ وذخائر تمكّن المقاتلين من البقاء على الجبهة فترات طويلة، في حال تم قطع طرق الإمداد.
ووفقاً لما جاء في الإصدار، فإن القوات المشاركة في الحملة العسكرية على الكبينة، هي القوات الروسية، والميليشيات الإيرانية، وميليشيا حزب الله اللبناني، والفرقة الرابعة، والفرقة الخامسة، والفرقة الثانية، والفرقة السادسة، والفرقة العاشرة، وصقور الصحراء، وقوات الكميت، وسرايا العرين، والفوج 45 قوات خاصة.
ويعتقد المحلل العسكري العقيد مصطفى هاشم، أن روسيا والنظام يسعون جاهدين للحسم العسكري في إدلب، لفتح طريق "M4" والوصول إلى معبر باب الهوى أيضاً.
وقال هاشم لموقع تلفزيون سوريا: "لا أستبعد أن تستخدم روسيا أسلحة جديدة خاصة باستهداف الكهوف والأنفاق والمناطق ذات التحصين القوي، وكذلك لا أستبعد استخدام عمليات الإنزال الجوي، وخاصة بعد أن فشلت كل محاولات التقدم على بعض المحاور، كمحور الكبينة لأهميته العسكرية الاستراتيجية، وكذلك محاور جبل الزاوية".
وتابع: "آمل من القائمين على تلك المحاور وغيرها من المناطق العمل على تأمين خطوط دفاعية احتياطية ثانية وثالثة ورابعة، لأن الوقت لن يسمح بذلك بعد بدء الهجوم، وأن يكون العمل سرياً، وباستخدام أدوات التمويه المتوافرة، والاستفادة من المعدات التي لم تستخدمها بعض الفصائل في الماضي بالرغم من وجودها".
وأضاف: "يجب وضع كمائن في المناطق المحتمل تنفيذ الإنزال الجوي فيها، وتوزيع وسائط الدفاع الجوي المتوافرة، لمنع تنفيذ الإنزال أو تأخيره حتى وصول القوات الصديقة".
ترقب في شمال غربي سوريا
تكثف روسيا من تدريباتها لعناصر نظام الأسد، وتصعد قصفها على محافظة إدلب، وعدة مناطق في ريف حلب، في حين تشهد منطقة شمال غربي سوريا بالعموم حالة من الترقب لانعكاسات لقاء الرئيسين التركي والروسي أواخر شهر أيلول الماضي.
وكان الرئيس التركي قد استبق اجتماعه مع بوتين، بالإشارة إلى أن نظام الأسد يشكل تهديداً لتركيا من الجهة الجنوبية، وأن بلاده تتطلع إلى إبداء الرئيس الروسي وبلاده باعتبارها بلداً صديقاً "موقفاً مغايراً حيال الشأن السوري بما تقتضيه علاقات التضامن بين البلدين، والعمل المشترك في الحدود الجنوبية لتركيا".
من جانبه، ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن ثمة بؤرة "إرهابية" متبقية بسوريا، وهي إدلب، ولا مشكلة بمكافحة "الإرهاب" هناك، مضيفاً أن المواقع الروسية ومواقع نظام الأسد تتعرض لهجمات من منطقة خفض التصعيد، وأن بلاده لن تسمح بذلك.
وفي وقت سابق رجحت صحيفة "يني شفق" التركية أن تشمل المباحثات التركية الروسية، مراجعة وضع نقاط المراقبة العسكرية التركية في إدلب ومواقعها، بما يتماشى مع التطورات الجديدة، إضافة إلى تقييم الحاجة لإعادة تنظيم النقاط بطريقة تكون أكثر تحصيناً وحماية أفضل لضمان الأمن في إدلب.
وعن الوضع في إدلب عقب القمة الثنائية بين الرئيسين التركي والروسي، قالت مستشارة الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الدفاع التركية بينار قره، يوم الأحد الفائت، إن تركيا تواصل الالتزام بالمسؤوليات المترتبة عليها في إطار التفاهمات المعنية بهدف ضمان الأمن والاستقرار وإدامة وقف إطلاق النار في المنطقة، مؤكدة عدم وجود أي تغيير بشأن نقاط المراقبة التركية وأنشطتها في إدلب.
وأشارت قره إلى استمرار الهجمات من النظام وداعميه على المناطق التي أسست فيها القوات التركية الأمن والاستقرار، مضيفة أن تركيا تلتزم بالتفاهمات الموقعة مع الدول المعنية بشأن مناطق العمليات شمالي سوريا، وتنتظر الالتزام من تلك الدول.
وشددت على أن أنقرة تبلغ الجانب الروسي بضرورة وقف الهجمات المذكورة، وتعمل القوات التركية على تدمير الأهداف التي تنفذ الهجمات، كما يتخذ "الجيش التركي جميع أشكال التدابير اللازمة لحماية وحداته في المنطقة".