كيف يؤثر تشتت الأصوات القومية على جولة الإعادة التركية؟

2023.05.28 | 05:19 دمشق

آخر تحديث: 28.05.2023 | 05:21 دمشق

كيف يؤثر تشتت الأصوات القومية على جولة الإعادة التركية؟
+A
حجم الخط
-A

تُجري تركيا اليوم الأحد جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه المعارض كمال كليتشدار أوغلو. لأن مرشح تحالف "الأجداد" القومي المتطرف سنان أوغان حصل في الجولة الرئاسية الأولى على 5.17% من أصوات الناخبين، لذا فإنه بات يُنظر إلى هذه الكتلة على أنها قد تكون حاسمة في جولة الإعادة.

حقيقة أن هذه الكتلة أصبحت منقسمة بين أردوغان وكليتشدار أوغلو، وبات تأثيرها يتراجع، لكنّه سيبقى مُحركاً لديناميكية المنافسة. قبل كل شيء، لا بُد من التأكيد على أن نسبة الـ5.17% ليست كتلة انتخابية واحدة ستتخذ نفس السلوك التصويتي في جولة الإعادة حتى لو قرر قادة تحالف "الأجداد" اتخاذ موقف موحد إزاء المرشح الذي ينبغي دعمه. تشير نتائج الانتخابات البرلمانية التي حصل فيها تحالف "الأجداد" على 2.4% من الأصوات إلى أن هذه النسبة هي الكتلة التصويتية الصلبة للتحالف. كما أن هذه النسبة ترجع بشكل أساسي إلى القاعدة الانتخابية الصلبة لحزب "النصر"، ما يعني أنها ستُقرر سلوكها الانتخابي على الأرجح وفق قرار الحزب، وهو دعم كليتشدار أوغلو.

يحتاج أردوغان إلى أقل من 1% من الأصوات الإضافية لضمان فوزه في جولة الإعادة، وفي حال تمكّن أوغان من إقناع جزء من كتلة الـ3% بالتصويت له (وهذا ما أرجحه)، فإن الأخير سيقترب بشكل أكبر من الفوز بولاية رئاسية ثالثة

على العكس من ذلك، فإن الأصوات الـ3% الأخرى، التي صوتت لصالح سنان أوغان في الجولة الأولى، دعمته كرد فعل منها على معارضة ترشيح كليتشدار أوغلو للرئاسة وتحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي. وبالتالي، فإن هذه النسبة سيكون لها سلوك تصويتي خاص بها في جولة الإعادة بمعزل عن خيارات أطراف تحالف "الأجداد" سابقاً. رغم أن أوغان قرر دعم أردوغان، فإن ذلك لا يعني أن نسبة الـ 3% ستذهب تلقائياً لصالح أردوغان لأنّ هذه الكتلة معارضة أصلاً لأردوغان. لكنّ من المرجح أن يدعم جزء منها الرئيس بالنظر إلى دور العامل القومي في تحديد سلوكها الانتخابي على اعتبار أن أردوغان لديه موقف قوي وواضح ضد حزب "العمال الكردستاني". في لغة الأرقام، يحتاج أردوغان إلى أقل من 1% من الأصوات الإضافية لضمان فوزه في جولة الإعادة، وفي حال تمكّن أوغان من إقناع جزء من كتلة الـ3% بالتصويت له (وهذا ما أرجحه)، فإن الأخير سيقترب بشكل أكبر من الفوز بولاية رئاسية ثالثة.

مع ذلك، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن كتلة الـ 3% ترجع أصلاً للتحالف السداسي المعارض وهي عبارة عن أصوات قومية في حزبي "الشعب الجمهوري" و"الجيد" القومي. قبل انسحاب زعيم حزب "البلد" مُحرم إنجه من السباق الرئاسي، كانت هذه الكتلة تنوي التصويت بغالبيتها له، لكنّها قررت بعد انسحابه التصويت لصالح أوغان ليس لأنها وجدت فيها خيارها المفضل، بل لأنها أرادت التعبير عن رفضها لكليتشدار أوغلو. بهذا المعنى، فإن كليتشدار أوغلو لن يتمكن من استقطاب كل هذه النسبة في جولة الإعادة وربما سيكون أقل استفادة منها مقارنة بأردوغان بالنظر إلى دور الموقف من حزب "الشعوب الديمقراطي" في تحديد السلوك الانتخابي القومي. تُبرز هذه الحسابات أن أردوغان في وضع أفضل بالفعل في جولة الإعادة مقارنة بكليشدار أوغلو. لكنّ لغة الصناديق هي من ستُحدد في نهاية المطاف الفائز بالرئاسة. على الرغم من أن مهمة كليتشدار أوغلو صعبة للغاية، إلا أنّه يسعى إلى لعب كل الأوراق على الطاولة لأن الهزيمة في جولة الإعادة قد تعني نهاية لمسيرته السياسية. لكنّه، كما أخفق قبل انتخابات 14 مايو/ أيار في الموازنة بين تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، وبين الحد من تداعيات هذا التحالف على الأصوات القومية الرافضة له، فإن يواجه الآن صعوبة في الموازنة بين استقطاب الأصوات القومية المتشددة وبين الحد من تداعيات النهج القومي المتشدد على الأصوات الكردية التي دعمته في الجولة الأولى.

في لغة الأرقام، يُمكن القول إن دعم حزب "النصر" لكليتشدار أوغلو سيجلب له 2,40% كحد أقصى، لكنّها بالتأكيد لن تكون كافية له للحد من هوة النقاط الخمس مع أردوغان. ويبدو أن المعارضة تُراهن على ما يقرب من ثمانية ملايين صوت يُعتقد أنّها لم تُشارك في انتخابات 14 مايو/ أيار أو أن جزءاً منها صوّت بشكل خاطئ ولم تُحتسب أصواته. من غير المؤكد ما إذا كان كليتشدار أوغلو قادراً بالفعل على جلب هؤلاء إلى صناديق الاقتراع لدعمه، بينما يُكافح لإقناع ناخبيه المُحبطين من أداء المعارضة الضعيف في انتخابات الرابع عشر من مايو. أحد دوافع كليتشدار أوغلو من استقطاب الأصوات القومية المتشددة التابعة لحزب "النصر" الحصول على دفعة معنوية في جولة الإعادة وإظهار أنّه لا يزال قادراً على المنافسة. العامل النفسي مهم للغاية في هذه اللعبة، لكنّه من الواضح أنه يميل لأردوغان بقدر أكبر من المعارضة.

من المفارقات المثيرة للاهتمام في الاستراتيجية الجديدة لكليتشدار أوغلو في جولة الإعادة أنه من أجل استقطاب أصوات حزب "النصر" التي لن تتجاوز 2.4%، تخلى عن 3 تعهدات كبيرة صُمّمت لتجلب له أكثر من هذه النسبة بكثير:

ـ بدلاً من التعهد بإعادة اللاجئين السوريين في غضون عامين، تقلّصت هذه المدة إلى عام مع نبرة متشددة تجاه اللاجئين. هذا الخطاب العدائي تجاه السوريين قد يدفع شريحة من الناخبين المحافظين في كتلة المعارضة إلى الامتناع عن التصويت لصالح كليشدار أوغلو في جولة الإعادة.

تعهد كليتشدار أوغلو بموجب الصفقة مع زعيم حزب "النصر" أوميت أوزداغ باستمرار العمل بهذه السياسة. سيؤدي ذلك على الأرجح إلى فقدان قسم من الأصوات الكردية التي دعمته في الجولة الأولى

ـ بدلاً من التعهد بالتخلي عن سياسة الوصي على رؤساء البلديات الذين عُزلوا من مناصبهم بسبب صلاتهم بحزب العمال الكردستاني لاستقطاب الأصوات الكردية (اتضح أنها 8% فقط وليس 12% كما كان يأمل)، تعهد كليتشدار أوغلو بموجب الصفقة مع زعيم حزب "النصر" أوميت أوزداغ باستمرار العمل بهذه السياسة. سيؤدي ذلك على الأرجح إلى فقدان قسم من الأصوات الكردية التي دعمته في الجولة الأولى.

ـ بدلاً من التعهد بإعادة الموظفين الذين تم فصلهم بعد محاولة انقلاب 2016 (من أجل استقطاب أصواتهم)، تعهد كليتشدار أوغلو بمواصلة الكفاح ضد تنظيم "فتح الله غولن" المُصنف إرهابياً، وهو ما قد يؤدي إلى امتناع شريحة من الناخبين المتضررين من سياسة الفصل إلى الامتناع عن التصويت لصالح كليتشدار أوغلو.

يُريد كليتشدار أوغلو جمع كثير من المتناقضات في سلة واحدة. هذا غير ممكن لا في لغة السياسة ولا في لغة الأرقام.