تحولت سوريا خلال العقد المنصرم إلى مرادف للحرب وأزمة اللاجئين، وقد كانت كرواتيا من الطرق التي مر بها آلاف اللاجئين والمهاجرين في طريقهم إلى الدول الأوروبية الأكثر ازدهاراً.
إلا أن الجميع نسي بأنه فقط قبل سبعين سنة من اليوم كان اللاجئون يتخذون الطريق ذاته ولكن بشكل معاكس، إذ بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت سوريا الوجهة الحلم بالنسبة لمئات اللاجئين من دول البلقان، وهكذا هرب آلاف الكروات من بلدهم، كما أقيم أكبر مخيم للاجئين الكروات في فيرمو بإيطاليا.
وفي نيسان من عام 1947، عبرت السلطات السورية عن رغبتها بمنح حق اللجوء لثمانية آلاف مسلم من يوغوسلافيا، فقد كان الجيش السوري حينها يستعد لخوض حرب مع إسرائيل، وكانت المشكلة الكبرى التي واجهته حينها تتمثل بنقص حاد بالضباط المتعلمين، وقد خطط العرب للتغلب على هذه المشكلة عبر استقطاب المجندين من أصحاب الخبرة القادمين من يوغوسلافيا ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية.
وفي آذار من عام 1948، وصل ممثلون من الجامعة العربية إلى مخيمات اللاجئين وعرضوا تغطية نفقات السفر إلى الدول العربية بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي لأسر الجنود مقابل انضمامهم لجيوش تلك البلاد لمدة سنة واحدة على الأقل. فكان ذلك العرض مغرياً مقارنة بالظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون في ذلك الحين.
اقرأ أيضاً: قصة عائلة سورية - أميركية شارك أبناؤها في الحرب العالمية الثانية
وهكذا وصلت أول سفينة محملة بنحو مئتي لاجئ إلى بيروت في نيسان من عام 1948، حيث كتبت صحيفة Palestine Post وقتها بأن جيش التحرير العربي مول نقل هؤلاء اللاجئين بغرض تجنيدهم. وفي شهر تشرين الثاني من العام نفسه، استقبلت مصر مئة وخمسة وثلاثين مسلماً من يوغوسلافيا وألبانيا، حيث قام الأمير المصري وقتئذ عمر إبراهيم بتأمينهم شخصياً.
وقد قامت مدينة القاهرة بتوفير المال اللازم لسفرهم، وهكذا أتوا برفقة عائلاتهم. وبالرغم من أن تلك المجموعة لم يرد ذكرها في التقارير ولم يذكر أي شيء حول تجنيدها لتخوض الحرب إلى جانب العرب ضد إسرائيل، إلا أنه بعد شهر من ذلك، تم نقل سبعة وخمسين مسلماً إلى شرق الأردن. وفي مطلع شباط من عام 1949، وصلت دفعة أخرى من هؤلاء وتضم 105 مسلمين إلى سوريا.
وهكذا أقام هؤلاء اللاجئون في بداية الأمر في مسجد السلطان سليم بدمشق، ومن بين عدة مئات من المهاجرين الكروات كان هناك نحو 15 ضابطا كرواتيا. فقد حارب الكروات إلى جانب العديد من التشكيلات العسكرية التابعة للجيش أو الرديفة له مثل الجيش السوري النظامي، وجيش الإنقاذ، وجيش التحرير العربي وذلك بقيادة فوزي القاوقجي.
في حين تم تعيين فؤاد شيفكوبيغوفيتش قائداً على حوالي 115 يوغوسلافي في جيش الإنقاذ. وكان الكرواتي الكاثوليكي ماتو دوكوفاتش إلى جانب أربعة كرواتيين آخرين أول مدرب للقوات الجوية التابعة للجيش السوري، وقد انتقل دوكوفاتش إلى كندا لاحقاً وتوفي فيها.
وبعد الحرب التي قامت بين العرب وإسرائيل، هاجر الكثير من الكروات إلى الأرجنتين وجنوب أفريقيا، والأردن والعراق، والسعودية وتركيا. أما من ظلوا هناك فقد أسسوا جمعية الجالية الكرواتية في سوريا بدمشق، والتي ضمت 50 شخصاً منهم، وكانت تلك الجالية تنشر مجلة شهرية، وهي مجلة Hrvatska volja، وقد بدأ صدورها منذ شهر تشرين الأول 1949 وحتى أيار من عام 1952. وكان شعار الجمعية يظهر على الصفحة الأولى من كل عدد وهو: (يتعين على كل كرواتي واع وصاحب ضمير أن يسعى لإعادة تأسيس الدولة الكرواتية، وكبح جماح كل مصالحه الشخصية أو تلك التي تعود لجماعة أو حزب معين ينتمي إليه). وكان هنالك برنامج مدته ساعة تبثه إذاعة دمشق كل يوم أحد باللغة الكرواتية ويقوم بإعداده وتقديمه حسن زوستوفيتش.
هذا وقد كان الكروات ينظمون اجتماعاتهم في مسجد تكية السلطان سليم بدمشق، وكانت تلك الاجتماعات تبدأ بالنشيد الوطني الكرواتي تعقبه عدة خطب وطنية. كما استمر الكروات بتنظيم مناسباتهم الاجتماعية بصورة غير رسمية والتي يتم خلالها إنشاد الأغاني البوسنية والكرواتية. وكان من بين أبرز أفراد تلك الجالية السيد ظافر بيك كولينوفيتش وهو النائب السابق لرئيس دولة كرواتيا المستقلة ورئيس وزرائها في المنفى، والضابط إبراهيم بيريز-بيجانيز، وحسن زوستوفيتش وهو رئيس الجالية ومحرر صحيفتها، والصحفي والكاتب حسنيجا هروستانوفيتش.
وقد تمكنت تلك الجالية الصغيرة من المشاركة في مؤتمر الدول الإسلامية قاطبة في كراتشي والذي عقد في عام 1949، حيث مثل سوريا فيه الدكتور عمر بهاء أميري بيك وهو الذي تلا مذكرة المسلمين الكروات في بلاده، إذ كان الغرض من هذا النص هو لفت انتباه المسلمين من مختلف أنحاء العالم إلى الشخصية المناهضة للإسلام التي تتسم بها حكومة يوغوسلافيا. وقد تم لفت الانتباه لقضية المسلمين في كرواتيا في المؤتمر الذي عقد في عام 1951 مرة أخرى، حيث وصفت كرواتيا بالجدار الغربي للإسلام.
إلا أن اللاجئين الكروات لم تعجبهم الحياة في سوريا، فبحثوا عن طرق مختلفة للهجرة إلى دول أخرى، وبعد وفاة ظافر بيك كولينوفيتش في عام 1955، فقد الكروات في سوريا أهميتهم السياسية ضمن أوساط المهاجرين الكروات. وبعد ذلك بمدة قصيرة اختفت تلك الجالية عن الوجود هناك، فقد استمرت عمليات الهجرة والاستيعاب للجاليات الصغيرة على مدار العقود التالية. واليوم يوجد أحفاد الكروات الذين عاشوا في سوريا يوماً في لبنان والسعودية والأرجنتين وتركيا وألمانيا وكندا والبوسنة والهرسك وغيرها.
المصدر: كرواتياويك