قُتل رجل الأعمال المقرب من النظام محمد براء قاطرجي في غارة جوية إسرائيلية مزعومة بالقرب من الحدود اللبنانية. ويُنظر إلى قاطرجي على أنه أحد أمراء الحرب الذين استغلوا الصراع في سوريا لبناء إمبراطوريتهم المالية. بدأت عائلة قاطرجي في الظهور مع ظهور ميليشيات "قوات الترفيق" في عام 2013، والتي قامت بحماية قوافلها النفطية والغذائية.
ووسعوا نفوذهم العسكري من خلال تشكيل "ميليشيا القاطرجي"، التي شاركت في العديد من العمليات العسكرية إلى جانب قوات النظام السوري. تدير عائلة قاطرجي حاليا شبكة واسعة من الشركات في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك تجارة النفط والذهب والعقارات والسياحة.
وكان قاطرجي على اتصال وثيق بفيلق القدس الإيراني وساعد في تمويل كل من فيلق القدس وحزب الله. ويُعتقد أنه كان أحد أهم الشرايين الاقتصادية للنظام السوري وكان مسؤولاً عن تنسيق قضايا النفط والقمح وإمداده إلى سوريا في السنوات الماضية، وكان له دور مهم في الالتفاف على العقوبات الأميركية.
وقال موقع "سورية بالفارسي" إن قاطرجي كان مسؤولاً عن تمويل ودعم "حركات المقاومة" في سوريا، وعلى تنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وتعاون مع أحد المستشارين الإيرانيين الذين قُتلوا في سوريا قبل عدة أشهر، مرجحاً أن يكون هذا المستشار الإيراني هو العميد في فيلق القدس سيد رضي موسوي الذي اغتالته إسرائيل في ديسمبر العام الفائت في منطقة السيدة زينب.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها تلفزيون سوريا بشكل حصري، يسلط الحدث النادر لاستهداف إسرائيل لأحد أمراء الحرب السوريين الضوء على شبكة معقدة من المصالح التجارية والأمنية المتشابكة ما بين مجموعة قاطرجي وفيلق القدس وحزب الله في سوريا.
دور القاطرجي في تجارة النفط
وأفاد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا أن القاطرجي كان يلعب دورا حاسما في نقل النفط السوري والإيراني، حيث كان يقوم بتصفيته وبيعه في الأسواق، ويقوم بدفع جزء من العوائد لحزب الله لتسديد رواتبه ومصاريفه.
هذا الأمر تسبب في أزمة وقود حادة في سوريا، حيث يعاني الأهالي من نقص حاد في البنزين والمازوت، بينما تُباع هذه المشتقات في السوق اللبناني بالدولار وبسعر أقل من السعر العالمي.
وأضاف المصدر أن جزءا من هذه المشتقات يُعاد إدخاله إلى سوريا ليباع بسعر أعلى من السعر العالمي، مما يزيد من معاناة المواطن السوري الذي يجد نفسه مضطراً لشراء الوقود بأسعار مرتفعة، بينما يُحاول النظام الترويج بأن هذا الوقود يُؤمَّن من السوق اللبناني بفضل جهود بعض الأفراد الموالين له.
هذا الوضع أدى إلى أن تكون أسعار المشتقات النفطية في لبنان أقل بنسبة 20 بالمئة عن السعر العالمي أحياناً، في حين أن أسعارها في سوريا أعلى من الأسعار في أوروبا.
العلاقة مع الذراع الهندسية للحرس الثوري الإيراني
تظهر المتابعة الدقيقة لمسيرة عائلة قاطرجي وعلى رأسهم محمد براء كيف ارتقت هذه العائلة من العمل كمهربين ووسطاء وسماسرة طرق أو عملاء مزدوجين بالأحرى بهدف الكسب المادي إلى قادة ميليشيات عسكرية وأمراء حرب باستخدام نفوذهم المتزايد وعلاقاتهم الوثيقة مع السلطة في دمشق. لكن الاختراق الكبير الذي لم يتم تسليط الضوء عليه هو قدرتهم على تشبيك مصالحهم الاقتصادية والتجارية واستثمارها لإقامة علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وعلى ما يبدو فإن حاجة البلدين المعاقبين بشدة (سوريا وإيران) لشخصيات غير مشهورة وعملية في التحايل على العقوبات أسهم في صعود اسم عائلة قاطرجي على السطح، والاعتماد عليهم في تسيير كبرى العمليات الاقتصادية الحياتية كالنفط والمصافي والتمويل والقطع الأجنبي. كما أن استعداد قوات قاطرجي للمخاطرة كسماسرة طريق وحراس أمنيين للمنشآت الإيرانية المختلفة ومعرفتهم المحلية بالبادية السورية الواسعة والخطرة على طول طريق التهريب البري، جعلهم يتمتعون بمكانة رفيعة لدى قادة فيلق القدس.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها تلفزيون سوريا، فإن مجموعة قاطرجي نجحت في تشبيك علاقاتها الاقتصادية بعقود اقتصادية تدر مليارات الدولارات مع كبرى الشركات الإيرانية العاملة في سوريا، والذراع الهندسية للحرس الثوري الإيراني المعروفة بشركة خاتم الأنبياء. في 2022، وضعت إيران من خلال شركة خاتم الأنبياء يدها على البلوك النفطي 21 الذي تبلغ مساحته 3200 كيلومتر في حمص بموجب قرار صدّقه مجلس الشعب وأصدره بشار الأسد كقانون رقم واحد لعام 2020، بناء على اتفاقية عام 2015 للتعاون الاقتصادي الشامل الموقعة مع إيران. ويتوقع الإيرانيون من خلال استثمارهم في هذا البلوك لمدة ثلاثين عاماً أن يستعيدوا قرابة 3.4 مليارات دولار من ديونهم البالغة أكثر من 50 مليار دولار على الأسد.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها تلفزيون سوريا، كان لعائلة قاطرجي جزء مهم من الاستثمارات الاقتصادية في هذا البلوك الكبير، كما أن وقوع البلوك في قلب البادية السورية الواسعة وغير الآمنة، اضطر الإيرانيين للاستعانة بخبرات قوات قاطرجي الأمنية لتأمين الحماية، حيث تم نشر أكثر من ثلاثة آلاف عنصر أمني وبناء عشرات أبراج المراقبة حول الموقع.
وبسبب قدرات شركة قاطرجي على التحايل على العقوبات، بدأ الاستثمار في الحقل النفطي بالاستعانة بشركة أرفادا المملوكة لشركة قاطرجي بعد ثلاثة أشهر فقط بالرغم من أن الاتفاق المذكور ينص على إمضاء قرابة خمس سنوات للنشاطات الاستكشافية الكاملة ثم بدء عمليات الإنتاج في البلوك 21 بحمص من قبل الشركة الهندسية الإيرانية (بترو تدبير) التي تولت خدمات الدراسات الهندسية ومراقبة عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج في البلوك 21.
تظهر المعلومات أن تشبيك علاقات عائلة قاطرجي مع إيران لم يكن وليد الصدفة أو مبنياً على توجهات إيديولوجية في الأساس، إنما جاء تلبية لمتطلبات فرضها الواقع السوري وتداعياته بعد الحرب. وبعد أن أثبتت عائلة قاطرجي الطامحة للمال والسلطة ولاءها وكفاءتها على المستوى التشغيلي، كان يمكن لإيران نقلها للمرحلة التالية من التسمين لفرض وجوه اقتصادية جديدة موالية لها على الساحة السورية، واستخدامها كأداة لترويج إيديولوجيتها الدينية وتوسيع هيمنتها في الأوساط العشائرية السورية شمال وشمال شرقي سوريا، بناء على معتقدات دينية متصورة بصلاتهم بآل البيت.
بالنظر للمعلومات أعلاه، فإن إعلان شركة قاطرجي القابضة مؤخراً عن إطلاق العمل لأكبر تجمّعٍ صناعي في الشرق الأوسط داخل المدينة الصناعية الشيخ نجار في حلب على مساحة تصل إلى ثلاثة ملايين متر مربع، يجب أن يدق ناقوس الخطر من أن هذا يعتبر أحد أضخم الإجراءات الإيرانية لمناهضة النفوذ الاقتصادي التركي شمالي سوريا، لا سيما بالنظر للشكاوى الإيرانية المتكررة من حصة إيران المتدنية مقارنة بحصة تركيا من الواردات السورية (أكثر من ثمانية أضعاف).
حصة من الخط الائتماني الإيراني
تتطرق وثيقة حكومية إيرانية مسربة وصلت لتلفزيون سوريا لشرح تفاصيل المراسلات السابقة مع عدد كبير من الشركات الإيرانية العاملة في سوريا بشأن انعقاد الاجتماع الخامس عشر للجنة العليا المشتركة
للتعاون الاقتصادي بين إيران وسوريا. وتوجه الوثيقة خطابها للشركات لحضور ممثليها لعقد اجتماع تنسيقي ووضع الصيغة النهائية لمذكرة التفاهم الأولية للاجتماع المذكور يوم الأحد 13 نوفمبر 2022 بقاعة الاجتماعات بالدور العاشر بوزارة الطرق والتنمية الإيرانية.
وتذكر الوثيقة أن المشروع المذكور تم إعداده خلال الأشهر الماضية بعد تلقي الملاحظات والبنود المقترحة من الشركات وملاحظات الجانب السوري، ليتم الانتهاء منه في هذا الاجتماع. وتذكر وثيقة أخرى أن "السفارة السورية" في طهران اطلعت على مسودة الاجتماع الحادي عشر للجنة العليا المشتركة بين البلدين وكذلك على نصوص الوثائق المقترحة التي سيتم التوقيع عليها خلال الزيارة المرتقبة لرئيس مجلس الوزراء السوري إلى طهران. وبحسب الوثيقة، يبدو أن تنفيذ العديد من بنود الوثائق المذكورة أعلاه يعتمد على منح الخط الائتماني الإيراني للجانب السوري والاستثمار من قبل الجانب الإيراني، ويجب تنسيق كل منهما على حدة مع الجهات الأخرى ذات الصلة حتى يتم تنظيم النصوص بشكل أكثر دقة.
وفي التفاصيل، تذكر الوثيقة أنه تمت الموافقة على إبرام عقد بين شركة "آذر آب" الإيرانية، المعاقبة أميركيا، والتي تم تحويل حصص كبيرة منها إلى إحدى الشركات الفرعية في مجال إنتاج وتطوير الطاقة النووية العام الفائت، مع شركة مصفاة حمص وشركة BS التابعة لمجموعة قاطرجي لحفظ جميع الأعمال والإجراءات والتجهيزات. ووفقاً للاتفاق مع شركة مصفاة حمص، تم إبرام عقد آخر بين الشركة الإيرانية المذكورة وشركة BS للمساعدة في حل "مشكلات أخرى"، وذلك بعد أن أعلن مجلس الوزراء موافقته على صورة اجتماع التسوية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أكدت في بيان لها عام 2019 أن شركة BS للمحروقات التابعة لقاطرجي تعد واحدة من أكبر مستوردي النفط الخام إلى سوريا، وقد استوردت مئات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الخام الإيراني الخفيف في العام الماضي باستخدام مجموعة متنوعة من ناقلات النفط وشاحنات الصهاريج.
إن انخراط شركات قاطرجي متعددة المهام في صناعة استخراج واستيراد النفط وتكريره وبيعه للمنافذ السورية المتعددة بالشراكة مع شركات تتبع للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس تفسر القفزة الأخيرة في الصادرات النفطية الإيرانية لنظام الأسد خلال عهد الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والتي على ما يبدو، يتم استغلال إيراداتها المالية لتسيير الأنشطة المختلفة للميليشيات الإيرانية المختلفة وحزب الله في الجزء الأهم.
هذه المعلومات وغيرها تؤكد الأهمية الحاسمة لعائلة قاطرجي في المنظومة الإيرانية، وتظهر بالصورة الأكبر مدى تأثيره على ديناميات رأس مال السلطة في دمشق أيضاً.