فاز أردوغان برئاسة تركيا، فتنفس السوريون اللاجئون الصعداء، وقبل ذلك بأشهر فاز أقصى اليمين في السويد وإيطاليا بالحكم، فتحسس السوريون أوضاعهم في البلدين، وباتوا بانتظار الأسوأ في عموم أوروبا، وهكذا في أي مكان، يعيش السوري على وقع مسار الحوادث وتقلبات الأوضاع، فيسعد ويشقى، يأمن أو يخاف، على وقع خطا الآخرين ومزاجهم، دون حول منه ولا قوة.
محنة السوريين أنهم صاروا شعبا بلا وطن، أو أنهم ينتمون لوطن طارد لشعبه، تراهم يتابعون حملات الانتخابات في بلدان اللجوء أكثر من مواطنيها، فيترصدون حظوظ المرشحين، ووعودهم وشعاراتهم، واتجاهات التصويت، والتحالفات المرتقبة، وما يمكن أن تفضي إليه الحكومة الموعودة من إجراءات بحق اللاجئين والمهاجرين، وجلهم طبعا من السوريين.
لقد تعاطف العالم مع السوريين، وفتحت دول كثيرة أبوابها لهم، لكن (المحظوظين) الذين بلغوا تلك الدول، كان عليهم أن يخوضوا تحدي الاندماج والنجاة في المنافى وحدهم، كما خاضوا البحر هاربين من الطغيان وحدهم، وكل منهم يترقب ما يجري حيث يقيم، آملا أن لا ينزعج منه جار أو يترصد له شرطي، أو تسجل له مخالفة مرور، أو يصل إلى الحكم معاد للاجئين، فهو غريب، بلا حول، ولا قوة، كريشة في مهب الريح.
مجموعات الضغط هذه ليست بدعة، ولا هي تنظيم غير قانوني، وفي بعض العواصم الغربية، تمثل جزءا أساسيا من مظاهر السياسة الداخلية، بل أنها تصبح أحيانا من أسباب اتخاذ القرارات الدولية الكبرى
هي محنة تشتت وتيه، وارتهان للمصادفات وأمزجة الآخرين، لكن جزءا منها يعود إلينا، فمن جانب فشلت قيادة المعارضة السورية في استثمار التعاطف الدولي في مرحلة ما، كي تكرس وضعا دوليا مناسبا وقانونيا للاجئ السوري، تلتزم به الحكومات أيا كان توجهها، ويبقى ساريا ما دامت سوريا محكومة من قبل الطغمة ذاتها. ومن ناحية ثانية، لم توفق كثير من تجمعات السوريين عبر العالم في تأسيس كيانات محلية ومجموعات ضغط، يمكن لها أن تؤثر في الرأي العام الشعبي والسياسي وأن يكون لها حضور مؤثر في الجدل الذي يرافق معظم الحملات الانتخابية حول اللاجئين ولا سيما السوريين منهم.
مجموعات الضغط هذه ليست بدعة، ولا هي تنظيم غير قانوني، وفي بعض العواصم الغربية، تمثل جزءا أساسيا من مظاهر السياسة الداخلية، بل أنها تصبح أحيانا من أسباب اتخاذ القرارات الدولية الكبرى، وعدا أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وما يمثله من قوة ضغط تاريخية معروفة، فإن اللوبي الإيراني المتمثل بالمجلس الوطني الإيراني الأميركي (ناياك) تمكن من اختراق المكتب البيضاوي خلال ولاية أوباما، وينسب له دور مهم في تخفيف الاحتقان بين واشنطن وطهران، والوصول إلى الاتفاق النووي عام 2015. وعلى السياق نفسه يعمل اللوبي الهندي في الولايات المتحدة والغرب، حتى أن العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة وباكستان تعرضت لأزمات غير معهودة لحساب تقارب مع الهند، دون استبعاد أن يكون لذلك اللوبي دور مؤثر في ذلك.
يتساءل السوريون في المنافي عن مرجعياتهم الوطنية في حال تعرضهم لأزمات إنسانية أو قانونية أو سياسية أو حقوقية أو حتى مالية، فبعد أكثر من عقد على محنة اللجوء والشتات، لم نشهد قيام مؤسسات أو جمعيات سورية حقوقية أو من قوى الضغط، ذات حضور قانوني واجتماعي وسياسي واقتصادي وإعلامي مؤثر يمكن لها أن تتولى قضايا السوريين وتنشر وسط مجتمعات اللجوء معاناتهم، أو مشكلاتهم، وما يمكن أن يواجههم من تعسف وانتهاكات، ولذلك فلم ينتصف أحد لآلاف العائلات السورية في لبنان التي ترحل لسوريا قسريا تحت مسمى "العودة الطوعية"، ولعائلات أخرى تعيش في وضع قانوني مزر في الدانمارك تحت تهديد الترحيل، إلى ما هنالك من عشرات القضايا التي تواجه السوري وتقلب حياته جحيما كممارسات العنصرية والتقارير الإعلامية المشيطنة التي تحاول أن تنمطه وتصوره على أنه متخلف، جاهل، وعبء بلا جدوى، في حين لو أن قوى ضغط سورية كانت موجودة وفاعلة ومنظمة، كان يمكن تتصدى لكل هذه الأزمات بل وأن تجعلها رأياً عاماً، وتجبر الآخر على احترام السوريين.
لم يكن لدينا غير مبادرات فردية ناجحة يبرز أمامنا منها ما قام به عمر الشغري من تأثير طاغ أوصله للحديث أمام مجلس الأمن، ليشكل وحده قوة ضغط مؤثرة بقوة على سياسات الغرب تجاه النظام
هذا الغياب لقوة ضغط منظمة وفاعلة، يجعل كل سوري، يخشى حتى من الصراخ أو الشكوى في منفاه خشية الترحيل، وسيكون أمامه أن يتخلى عن جزء من كرامته في بلد اللجوء، أو عن حياته في بلده سوريا، وبالطبع سيختار الأولى.
وليس صحيحا بأن القضايا العادلة لا تحتاج إلى محام، بل هي أكثر القضايا التي قد تموت بلا صوت ينادي بها، والقضايا الظالمة ناجحة لوجود من يبررها ويشرعنها ويجعلها تبدو محقة. وما تتميز به القضية السورية من عناصر إقناع بارزة بعدالتها، اعترف المجتمع الدولي بها في البدايات، لم نتمكن للأسف من استخدامها المشروع دفاعا عن السوريين، ولم يكن لدينا غير مبادرات فردية ناجحة يبرز أمامنا منها ما قام به عمر الشغري من تأثير طاغ أوصله للحديث أمام مجلس الأمن، ليشكل وحده قوة ضغط مؤثرة بقوة على سياسات الغرب تجاه النظام، لكنها ليست مؤسسية، ولن يقدر لها أن تستمر تحت طغيان المصالح ومتغيرات الأحوال، كما أنها ليست كافية ولا مناسبة لحماية أوضاع اللاجئين السوريين. أيضا ثمة مثال واعد ولكنه غير مكتمل وهو اللوبي السوري في أميركا وما أحرزه من خرق نوعي في هذه المرحلة ليعيد الحديث في الكونغرس عن خطورة شرعنة الأسد بعد التطبيع.
اليوم، بات لزاماً أن نتسلح بخطوط دفاع على هيئة مؤسسات ولوبيات تدحض سموم ماكينات البروباغندا، وتنقذ السوري من حروب الآخرين. هذه القوى إن عملت بالطريقة الصحيحة ستكون حصنا كالأمن الوقائي يجنب الملايين من تفاعلات خطيرة للأزمات الراهنة، وتنقذنا من رحلة التيه ومحنة العجز.