icon
التغطية الحية

قصف في لبنان واختفاء وتعذيب في سوريا.. سوريون مجبرون على العودة إلى بلادهم

2024.11.12 | 16:27 دمشق

علي خير خلو (في الوسط ) مع زوجته وعمه خلال مقابلة في مبنى الإدارة المحلية في الراعي جرت خلال الشهر الماضي.
علي خير خلو (في الوسط ) مع زوجته وعمه خلال مقابلة في مبنى الإدارة المحلية في الراعي جرت خلال الشهر الماضي
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل أكثر من عقد، وعندما أصبحت قريته في خطر بسبب الحرب الدائرة في سوريا، هرب أحد الفلاحين السوريين برفقة أسرته إلى الجار لبنان.

وهذا الفلاح الذي يدعى علي خير خلو، 37 عاماً، عثر على عمل هناك في مجال زراعة البرتقال والموز، إلا أن الحياة ظلت صعبة على حد قوله، لكنه كان يحس بالأمان هناك على الأقل.

التأسيس من جديد.. ومرة أخرى

بيد أن هذا الإحساس تلاشى خلال الشهر الماضي، مع تصعيد إسرائيل لحربها مع حزب الله، حيث أخذت تقصف المواقع التابعة لهذا الحزب بوحشية. لذا عندما سقطت قذائف بالقرب من منزل خير خلو، سارع لتجهيز حقائبه هو أسرته، ورحلوا تاركين وراءهم حياة أسسوها في لبنان، وفروا هاربين إلى سوريا، حيث يسعون اليوم حتى يؤسسوا حياتهم من جديد.. مرة أخرى!.

يعلق هذا الرجل على الوضع بقوله: "عليك أن تعوض كل ما خسرته، حتى وأنت تعيش حالة الصدمة".

مع توسع الحرب في لبنان، نزح أكثر من مليون ومئتي ألف نسمة، أي خمس السكان، من بيوتهم بحسب ما أعلنته الحكومة اللبنانية.

وفي الوقت الذي نشد أغلبهم الأمان في أجزاء أخرى من لبنان، عبر أكثر من 470 ألفاً إلى سوريا، ومعظمهم سوريون، وذلك خلال الأسابيع الستة الماضية، بحسب ما أعلنته منظمات إغاثية.

منذ  أن حاول السوريون إسقاط النظام في عام 2011، بقي بشار الأسد يحارب حتى يظل في السلطة، فدفع بقواته إلى قصف مناطق سيطرة المعارضة وفرض حصار عليها، ناهيك عن استخدامه المتكرر للأسلحة الكيماوية. ثم دفعت الحرب روسيا للتدخل، وكذلك الولايات المتحدة، وظهر تنظيم الدولة، إلى جانب غيرهم من القوات، وهذا ما أدى إلى نزوح نحو 12 مليوناً من السوريين، أي أكثر من نصف عدد سكان سوريا.

هنالك أكثر من مليون ومئة ألف سوري مسجلين كلاجئين في لبنان، ومعظمهم يعاني من فقر مدقع وسط تجمعات لبنانية تريد منهم أن يرحلوا. وبعض هؤلاء اللاجئين قرر أن يجرب حظه اليوم في بلده التي دمرتها الحرب بدلاً من أن يبقى تحت القصف في لبنان، ولكن عليهم إن أرادوا ذلك أن يبحروا في بحر لجي بين الاقتصاد المتدهور، والمجتمعات المتضررة، والدولة المعروفة بأنها تدوس على حقوق الإنسان وتضرب بها عرض الحائط منذ أمد بعيد.

يسيطر النظام السوري على معظم المدن الكبرى في سوريا، إلا أن أجزاء شاسعة بقيت تخضع إما لفصائل مسلحة تدعمها تركيا في شمال غربي سوريا مثل الجيش الوطني، أو لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أميركيا. 

ومؤخراً، حذرت منظمة هيومان رايتس ووتش من احتمال تعرض السوريين حال عودتهم إلى بلدهم إلى قمع على يد حكومة النظام، ومن بين الأمور التي يمكن أن يتعرضوا لها الإخفاء القسري والتعذيب.

في زيارة عملت السلطات التركية على تسهيل أمورها بما أنها هي التي تشرف على إدارة المنطقة، تحدث خير خلو وغيره من العائدين السوريين إلى صحفيين أجانب خلال مقابلات أجروها في قرية الراعي الواقعة في الشمال السوري.

كم هي صعبة العودة إلى سوريا!

منذ فترة قريبة، عاد خال خير خلو، واسمه عبد المجيد دحدوح، 48 عاماً، من لبنان، وقال إن الحرب السورية والوقت الذي مضى غيّرا قريته، وذلك لأن القصف دمر بيته واللصوص نهبوا موجوداته عن آخرها، وجعلوه يقترض المراتب والبطانيات من أجل أسرته.

عند رحيله عن سوريا قبل سنين طويلة، كانت الفصائل المعارضة تحارب النظام، أما اليوم، فتركيا هي التي تدعم قوات الأمن المحلية وتزود المنطقة بالخدمات الأساسية.

بيد أن السلطات الجديدة التي تدعمها تركيا والتي تحكم المنطقة هناك رفضت الاعتراف ببطاقة هويته السورية الصادرة عن حكومة نظام الأسد على حد قوله، ما يعني بأنه لن يتمكن من تسجيل أولاده في المدرسة أو فتح عداد كهرباء في منزله، ولهذا وفي أثناء تفكيره بطريقة للحصول على بطاقة هوية محلية، أخذ يشحن هاتفه الخلوي في بيت أحد أقربائه، وقال: "إننا نجلس في الظلمة ليلاً".

ذكر سوريون آخرون بأن أمر عودتهم إلى سوريا صعب عليهم، فمحمد نجار، 42 عاماً، ترك بيته ومتجر الأدوات المنزلية الذي يمتلكه في مدينة اعزاز الواقعة على الحدود مع تركيا في عام 2013، وسافر إلى لبنان، حيث أخذ يبيع الألبسة على "بسطة" في السوق إلى جانب عمله كعامل مياوم في مجال الزراعة، وقد سجلت أسرته نفسها كأسرة لاجئة لدى الأمم المتحدة على حد قوله، لكن أحداً منهم لم يعد يتلقى أي مساعدات منذ سنين طويلة.

بعد ذلك أصبح العمل شحيحاً في لبنان إثر غرق هذا البلد في أزمة اقتصادية حادة بدأت في عام 2019، وازدادت حدة بسبب تفشي جائحة كورونا.

ولهذا، عندما شرعت إسرائيل بالقصف بالقرب من المكان الذي تعيش فيه أسرته، قرر العودة إلى وطنه كما سرد للصحفيين، ويعلق على ذلك بقوله: "إنها حرب، ولم يعد هنالك مال، كما صرنا نقلق على الأطفال، وكيف سندفع بدل الإيجار في المكان الذي نعيش فيه، ولهذا رأينا أن العودة لبلدنا أسلم".

عاد هذا الرجل برفقة زوجة شقيقه التي تدعى حميدة بريمو والتي نزحت إلى لبنان عندما كانت في العاشرة من عمرها، وعادت إلى وطنها وهي في الثانية والعشرين من العمر، بعد أن أصبحت أماً لثلاث طفلات، بما أنها تزوجت في لبنان، لكن زوجها لم يعد إلى سوريا معها ومع طفلاتهما لأنه خشي على نفسه من التجنيد الإجباري في جيش النظام السوري على حد قولها.

ذكرت حميدة بأنها لا تعرف متى سترى زوجها مرة أخرى، لكنها تتمنى أن تعيش على الأقل بأمان هي وبناتها في سوريا، وتعلق على ذلك بالقول: "عدنا ونحن لا ندري كيف سيكون شكل حياتنا هنا، ولكن علينا أن نرجع وأن نبدأ من جديد".

المصدر: The New York Times