icon
التغطية الحية

قصر السكاكيني.. شاهد على ذكاء عامل سوري ترك بصمته في قلب القاهرة

2024.09.26 | 17:41 دمشق

آخر تحديث: 27.09.2024 | 13:06 دمشق

سكاكيني باشا
قصر السكاكيني في مصر ـ خاص (أ.حمدي زكريا)
تلفزيون سوريا ـ بثينة الخليل
+A
حجم الخط
-A

في قلب القاهرة التاريخي، وعلى الجانب الشرقي لما يعرف بالخليج المصري (قناة صناعية تخرج من نهر النيل في منطقة مصر القديمة، تم حفرها قبل 4000 عام، وهي الآن منطقة سكنية)، كانت تقبع بركة مياه عُرفت ببركة "الأمير قراجا التركماني". هذه البركة، التي كانت جزءا من حياة المدينة الصاخبة، اكتسبت أهمية خاصة عندما تحوّلت من تجمع مائي إلى رمز معماري على يد السوري حبيب السكاكيني.

بدأت القصة عندما كان السكاكيني عاملاً بسيطاً في قناة السويس، وانقلبت حياته حين وجد حلاً بسيطاً وطبيعياً لمشكلة أرقت الخديوي إسماعيل (حاكم مصر حينها) تتمثل بنخر القوارض لأساسات المباني، فاقترح ابن سوريا جلب قطط جائعة وإطلاقها في الأساسات، لتقضي على كل القوارض بدافع غريزة البقاء. الأمر الذي لفت انتباه الخديوي وأثار إعجابه، ومن يومها تحولت حياة السكاكيني من حياة الشقاء إلى عالم الإنجازات والابتكارات المعمارية الكبرى.

فبعد حله مشكلة القوارض، قام الخديوي بتكليف حبيب السكاكيني بمشروع كبير وهو إنشاء دار الأوبرا الخديوية في حي الأزبكية وسط القاهرة. فاستغل السكاكيني وجود المهندسين الأوروبيين الذين أسهموا في حفر قناة السويس، ليبتكر قصرًا يجمع بين طراز القصور الأوروبية والطراز الإسلامي، مبرهنا على قدرته الفائقة في دمج الأنماط المعمارية المختلفة.

ثم بنى حبيب السكاكيني قصره الخاص الفريد، والذي يعرف اليوم بـ"قصر السكاكيني". ودمج به أيضاً الروح المعمارية المصرية مع اللمسة الأوروبية في تصميم قصره، كما أضاف تمثالاً نصفياً له على أعلى باب القصر وسجل اسمه مع تاريخ البناء -حبيب السكاكيني 1897- على مدخل القصر، مخلداً بذلك بصمته في تاريخ العمارة المصرية.

سكاكيني باشا

عندما تأخذ نظرة من الخارج على قصر السكاكيني، قد تكتشف أن حجم فخامته وتفاصيله الواسعة لا يظهران بوضوح، لكن القصر مؤلف من خمسة طوابق، كل منها مليء بالتصاميم المعمارية الفريدة. 50 غرفة، مزينة بتفاصيل فنية، وتضم 300 تمثال منحوت من الرخام، أهمها تمثال "دُرة التاج" المدهش. ويزين القصر 400 نافذة وباب، وفيه أربعة أبراج ترتفع فوقها قباب صغيرة، وعلى قمة كل قبة، ينتصب تمثال. إنه معلم معماري بارز، ورمز يجسد تقاطع الثقافات والفنون في القاهرة، ويعكس رحلة حبيب السكاكيني من عامل في قناة السويس إلى أحد أبرز رجال الأعمال في عصره.

موقع تلفزيون سوريا التقى مع الباحث التاريخي المصري الدكتور شريف شعبان، وكان معه هذا الحوار حول مكانة حبيب السكاكيني، والأثر الذي تركه في مصر.

من هو حبيب باشا السكاكيني، وماذا عمل في مصر؟

إنه حبيب غابرييل أنطون إلياس، الشهير بحبيب السكاكيني باشا. هو رجل أعمال مصري من أصول سورية، ولد عام 1841 وهاجر مع أسرته من دمشق إلى مصر عندما كان عمره 16 عاما، وعمل في بداية حياته عاملاً بسيطاً بشركة قناة السويس في بورسعيد، براتب لا يتجاوز أربعـة جنيهات شهرياً، إذ ساهم في مكافحة الفئران في قناة السويس، عبر شحن قطط جائعة إلى المنطقة. وتحول مع الوقت إلى رجل أعمال من المقاولين الأثرياء في ذلك الزمان حتى نال لقب البكوية (باشا) من الخديوي إسماعيل، ثم نال من الحكومة الفرنسية لقب كونت. أما عن اللقب الذي لقب به (السكاكيني) فلأنه بنى ثروته قبل العمل في المقاولات من تجارة السكاكين والأسلحة.

ما البصمات التي تركها حبيب باشا السكاكيني على العمارة في مصر؟

إثر عمله في قناة السويس، كلف الخديوي إسماعيل السكاكيني بالعمل في مشروع إنشاء دار الأوبرا الخديوية مع المعماري الإيطالي Pietro Avoscani. فاستغل في هذه الفترة وجود المهندسين المعماريين والفنيين الأوروبيين الذين اشتركوا في حفر القناة، وقام ببناء قصر الأوبرا على طراز القصور الأوروبية، إذ تلاقت رغبة الخديوي في تحديث الروح المعمارية المصرية مع براعة ونشاط حبيب باشا السكاكيني. ثم قام "حبيب" بإدخال الطراز الإسلامي وبعدها الطراز الأوروبي في قصره الخاص، واستجلب كل العناصر في الدور الأول على الطراز الأوروبي والثاني على الطراز العربي، ووضع أعلى باب القصر تمثالاً نصفياً له وسجل اسمه أعلى مدخل القصر "حبيب السكاكيني 1897".

بني القصر الشهير، قصر السكاكيني، على الطراز الإيطالي إذ بنته شركة إيطالية كلفها حبيب باشا السكاكيني على أن يكون نسخة من القصر الذي شاهده في إيطاليا ووقع في غرامه. وقد اختار لقصره موقعاً جذاباً يشع منه 8 طرق رئيسية، وبالتالي أصبح القصر نقطة مركزية في المنطقة. ولم يكن الحصول على مثل هذا الموقع سهلاً في ذلك الوقت، لكن علاقة السكاكيني باشا مع الخديوي سهلت هذه المهمة.

ما هي أهمية قصر السكاكيني في تاريخ العمارة المصرية؟

اعتبر قصر السكاكيني ذو الطابع الإيطالي نموذجاً لفن "الروكوكو"، وهو فن ينتمي إلى الزخرفة في العمارة والديكور الداخلي والخارجي وكذلك الأثاث والتصوير والنحت. وقد كانت بداية ظهور هذا الفن في فرنسا إبان القرن الـ18 الميلادي، وهو ما كان متماشياً مع روح المدنية الحديثة التي أقرها الخديوي إسماعيل في بناء مصر الجديدة.

كيف يمكن مقارنة القصر بمعالم أخرى بارزة في نفس الحقبة الزمنية؟

شهدت القاهرة خلال القرنين 19 و20 نهضة معمارية رائعة، نتج عنها بناء العديد من القصور التي شيدها مهندسون أوروبيون وإيطاليون بالأخص، مثل قصر المانستيرلي لمالكه حسن باشا المانستيرلي بجزيرة الروضة عام 1851م، والذي شيد على طراز الباروك، وقصر عائشة هانم فهمي بالزمالك، وهي كريمة علي باشا فهمي، كبير مساعدي الملك فؤاد الأول. إذ بني قصرها على الطراز الكلاسيكي في عام 1907 على يد المصمم المهندس الإيطالي أنطونيو لاشاك.

هل يمكن اعتبار قصر السكاكيني نموذجًا لنمط حياة الأرستقراطية المصرية في تلك الفترة؟

بالطبع، إذ يتماشى طراز القصر وتصميمه من خلال الفخامة والرفاهية مع وضع حبيب باشا السكاكيني وقربه من الطبقة الحاكمة.

هل تغيرت النظرة إلى إرثه في الوقت الحاضر مقارنة بما كان عليه في الماضي؟

بعد وفاة السكاكيني باشا عام 1923، قام أحد أحفاده، وكان طبيباً، بالتبرع بحصته لوزارة الصحة. وفي عام 1961، تم نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني. وفي سنة 1983، صدر قرار بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بإمبابة. وقد تم تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية سنة 1987، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.

وحالياً، أوشكت وزارة السياحة والآثار المصرية على الانتهاء من مشروع ترميم قصر حبيب باشا السكاكيني، وتضمنت أعمال المشروع التوثيق الأثري قبل بداية أعمال الترميم وأثنائها. من المقرر أن تشمل الأعمال خلال الفترة القادمة رفع كفاءة المنطقة المحيطة والمتمثلة في ميدان السكاكيني وعقاراته من أعمال تطوير ورفع كفاءة المرافق بالمنطقة بالشكل الذي يتناسب مع القيمة التاريخية والأثرية والتراثية للمنطقة.

كيف يمكن استخدام قصر السكاكيني لتعزيز الفهم الثقافي والتاريخي في مصر؟

جاري حاليا دراسة وضع خطة عمل لإعادة تأهيل المبنى وفقا لطبيعته الإنشائية والأثرية وطبيعة المنطقة المحيطة به، بالشكل الذي يتوافق مع ارتباطه المعماري والثقافي بمنطقة السكاكيني وسكانها. لذلك، لابد من وضع القصر بعد ترميمه على الخريطة السياحية.