قبل عشر سنوات كان علي طفلاً يعيش بسعادة في حلب، أما اليوم بعدما بلغ الثالثة والعشرين من عمره فقد تحول إلى مطرب راب يحمل جواز سفر كندياً واشتهر باسم MC AK.
وخلال الفترة الفاصلة بين ما كان عليه وما أصبح، أمضى سنتين من شبابه محتجزاً في جزيرة معزولة تضم عشرة آلاف شخص، ثم أصبح هو وأبوه أول من غادر مركز الاحتجاز الأسترالي هذا بحثاً عن حياة جديدة في دولة غربية.
اقرأ أيضاً: كندا ستفتح أبوابها لأكثر من مليون مهاجر في السنوات الـ3 القادمة
وحول أفضل مطربي الراب يخبرنا علي: "الأشخاص الذين لديهم قصة مصدر إلهام بالنسبة لي، وأنا بوصفي مطرب راب لدي قصة وقصتي مهمة للغاية".
ففي عام 2012 عندما كان علي في الرابعة عشرة من عمره، نزحت أسرته هرباً من العنف الذي وصل إلى مرحلة الغليان في سوريا، ثم توجهت إلى ماليزيا، لكنها لم تشعر بالأمان هناك، ولهذا قرر علي ووالده أحمد أن يطلبا اللجوء في أستراليا، وبمجرد أن تتم إعادة توطينهما، سيأتيان بوالدته وأشقائه الخمسة، الذين كان بينهم أخ رضيع صغير، وذلك حتى يجتمع الشمل هناك.
إلا أن الرياح لم تجر كما اشتهت السفن
وذلك لأن الأب والابن لم يسمعا بالقصص التي تدور حول قيام أستراليا بإغلاق حدودها، وعندما أخبرهما أحدهم بأنهما سيتم نقلهما إلى ناورو، ظنا أنها منطقة تابعة لأستراليا، مثل جزيرة عيد الميلاد مثلاً، فقد وصلا إلى أستراليا في نهاية الأمر.
وجمهورية ناؤُورُو (بالإنجليزية: Republic of Nauru) أو ما كانت تعرف قديما باسم الجزيرة السعيدة أو الجزيرة المبهجة هي دولة جزرية تقع في مايكرونيزيا في المحيط الهادي. أقرب الجزر لها هي جزيرة بانابا في جمهورية كيريباس، التي تبعد عنها 300 كم شرقاً. تعد ناورو أصغر دولة جزيرية في العالم حيث تبلغ مساحتها 21 كم2 (8.1 ميل مربع). وناورو كذلك أصغر جمهورية مستقلة، وهي أيضاً الجمهورية الوحيدة في العالم التي لا يوجد لها عاصمة رسمياً، لكن لديها مدينة مركزية تسمى مدينة يارين.
وهنا يتذكر علي الحرارة الخانقة عند وصولهما إلى ناورو وصدمته بالفقر والخراب الذي وجده هناك وأعاد إليه ذكرياته حول المدن الفقيرة التي مر بها في أندونيسيا. إذ عندما توقفت الحافلة عند مخيم الاحتجاز المخصص للعائلات، شاهد أناساً متكئين على السياج هناك.
وحول ذلك يقول: "بدا الأمر مخيفاً بالفعل، لكني لم أستوعب ذلك، ولم أستطع هضمه، فقلت لوالدي إنني على وشك البكاء، وأخذت أهتف: "أين نحن؟ هل سيرموننا هنا فحسب ثم ينسوننا؟"
ويتذكر علي كيف حاول والده أن يخفي صدمته وأن يهدئ من روع ابنه المراهق ويطمئنه بأن الأمور ستكون بخير.
إلا أن اللحظة الأقسى أتت عندما استلم بطاقة هويته، إذ يحدثنا عن ذلك فيقول: "كان عليها رقم فقط، فهتفت: ما هذا؟ فقالوا لي: هذا اسمك، ومن الآن فصاعداً عليك أن تستخدم هذه البطاقة الشخصية".
شاهد أيضاً: قصة شاب سوري احتجز 6 سنوات ظلماً في أستراليا
وطوال السنوات القليلة التالية أحس علي بنفسه سجيناً في تلك الجزيرة، إذ لم يكن هنالك ماء يكفي حتى للاستحمام، كما لا تتوفر هواتف ولا حتى مدرسة. وفي ذلك المخيم شاهد امرأة تأكل مسحوق غسيل ورجلاً يخيط شفتيه، أي أنه رأى الناس هناك وهم يصابون بمس من الجنون ويفقدون صوابهم.
ولكن الموسيقا كانت علاجه الوحيد طوال تلك الفترة، إذ كان يتوجه إلى خيمته كلما أحس بالضيق ليكتب كلمات الأغاني ثم يلحنها ويغنيها عبر مكبر صوت صغير، كما كان يتعاون مع آخرين في بعض الأحيان على كتابة أشعار بالإنكليزية والفارسية والعربية والفرنسية، وهكذا أصبح هو وهؤلاء يعزفون ويغنون لبقية اللاجئين.
وبالرغم من أنه أضاع سنوات من عمره في مخيم الاحتجاز الغريب والمتوحش في ناورو، إلا أن علياً كان من المحظوظين في نهاية المطاف، إذ يعتقد بأنه حصل على صفة لاجئ هو ووالده وغادرا المخيم في 2014 بسبب قوة الحجة التي قدماها في طلب لجوئهما بوصفهما سوريين.
وفي أواخر 2015، بعدما أمضيا أكثر من سنتين في ناورو، كان علي وأبوه أول من تمت إعادة توطينهما من اللاجئين، وبمساعدة الأمم المتحدة، تمكنت والدته وأشقاؤه من الوصول إلى كندا. وعلى غير المعتاد، سمح للأب وابنه علي بأن ينضما لأسرتهما، وفي غضون أسابيع، أصبح علي يرتاد المدرسة الثانوية في ساسكاتون.
وحول تلك المرحلة يخبرنا بأنه كان مفعماً بالطاقة والحيوية، ومندفعاً تجاه كل شيء، فيقول: "لم أكن أريد أن أضيع أي وقت، فقد كنت حينها بغاية السعادة".
اقرأ أيضاً: بعد عام في كندا.. عائلة سورية تفتتح متجرها الخاص (صور)
واليوم يعيش علي في مونتريال ويدرس العلاقات الدولية بالإضافة إلى قيامه بالعزف والغناء وتسجيل الأغاني باسم MC AK وقد حصدت أغنيته الأخيرة: الوطن الأم/ Motherland الآلاف من المشاهدات على يوتيوب.
وصار اليوم يتحدث الإنكليزية بلكنة كندية، وفي شهر أيلول الماضي حصل على الجنسية الكندية، وحول هذا يقول: "أتيت إلى هنا في السنة الأولى ولم أكن أدري أي شيء حول طريقة التأقلم مع الأمور هنا... أما الآن، فقد اعتدت على المكان وأصبحت عنصراً فاعلاً، فقد كنت لاجئاً قبل ذلك، ولم أكن أحمل أية وثيقة، ولكن في غضون أربع سنوات تحولت إلى مواطن".
اقرأ أيضاً: سوريون في كندا يتظاهرون ضد الإساءة إلى الرسول
إلا أنه مايزال يفكر بالأشخاص الذي خلفهم وراءه في ناورو، قبل خمس سنوات من تمكنه من بناء حياة جديدة، إذ مايزال هنالك فتى عراقي اعتاد أن يمضي معه طوال الوقت، ولهذا لم يكفا عن التواصل مع بعضهما بشكل دوري، وقد أصبح عمر ذلك الفتى 22 عاماً، وهو لاعب كمال أجسام، لكنه مايزال يعيش في ناورو.
وحول هؤلاء الأشخاص يخبرنا علي فيقول: "الكثير من الأشخاص هناك كانوا أصدقائي، ولهذا أرغب بأن أراهم خارج ذلك المخيم".
المصدر: غارديان