قرار أميركا بضرب إيران في سوريا والعراق

2023.12.18 | 06:50 دمشق

قرار أميركا بضرب إيران في سوريا والعراق
+A
حجم الخط
-A

ليست بسنوات بعيدة حينما أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً قرار اغتيال أحد أهم أعمدة الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق رفقة أبي مهدي المهندس الذي كان أحد أهم المقربين العراقيين من نظام إيران، وحينذاك فسرت تحليلات عديدة عملية الاغتيال هذه على أنها رد على هجمات المتظاهرين ضد السفارة الأميركية في بغداد! علماً أن الاعتداءات التي طالت محيط السفارة وقتذاك كانت من متظاهرين مدنيين، وهنا طُرح تساؤل مهم من قبل مراقبين ومختصين، مفاده، لماذا تنفذ مجموعات مسلحة عراقية محسوبة على إيران هجمات وتحرشات بالقواعد الأميركية في العراق قبل وبعد حادثة الاعتداء على السفارة، ولا يحصل رد فعل عسكري بهذا المستوى ضد اعتداءات تلك المجاميع؟

قبل الإجابة عن التساؤل السابق، لا بد لنا من الإشارة إلى أن ترامب كان الأكثر صرامة ومباشرية مع إيران فيما يخص بعض المسائل مقارنة مع غيره من الرؤساء، لذا فإن الرد الأميركي ممكن في حال عودة ترامب لكرسي الرئاسة في انتخابات نوفمبر 2024، فبناء على سياساته السابقة ووعوده الحالية في الدعاية الانتخابية، قد تشهد الفترة الأولى من وصوله لقيادة البيت الأبيض إصدار قرارات وإجراءات عسكرية ضد مصالح إيرانية في العراق وكذلك في سوريا أيضاً، لكن وبما أنه بقي قرابة سنة من حسم السباق الرئاسي للبيت الأبيض، ثمة سؤال يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة مفاده لماذا الآن بالذات تحتفظ أميركا بحق الرد؟ ومن ماذا تخشى حتى تؤجل الرد الصارم؟ وكيف انتقلت عدوى تصريحات "الاحتفاظ بحق الرد" التي ابتكرها نظام الأسد في سوريا إلى البنتاغون؟

الولايات المتحدة وكما جرت العادة لا تفضل الدخول في عدة جبهات بآن واحد لأسباب تخص مؤسستها العسكرية وحساباتها حيال موازين القوى لديها، وأولوياتها الحالية تتركز في الحرب الإسرائيلية على غزة

إن الإجابة عن التساؤلات السابقة تحتوي احتمالات عدة، جميعها تشير إلى تأجيل الضربة الأميركية لا إلغائها، ويمكننا اختصارها إلى أربعة أسباب أو معوقات رئيسية أمام تنفيذها، أولها أن الولايات المتحدة وكما جرت العادة لا تفضل الدخول في عدة جبهات بآن واحد لأسباب تخص مؤسستها العسكرية وحساباتها حيال موازين القوى لديها، وأولوياتها الحالية تتركز في الحرب الإسرائيلية على غزة وحساسية هذه الحرب على وضع الجنوب اللبناني الحدودي مع إسرائيل، بالإضافة إلى دعمها لأوكرانيا ضد الهجوم الروسي، ناهيك عن الملف السوري، فضلاً عن مساعيها في الوساطة وتقوية بوادر التطبيع السعودي الإسرائيلي، لذا فإن التفكير بأي ضربة ضد المصالح الإيرانية أو أي حرب في بقعة أخرى، يستوجب حسم أو حلحلة بعض الملفات المذكورة آنفاً والتي تشارك أميركا فيها بقوة.

أما السبب الثاني، فيُحتمل أن أروقة القرار الأميركية لا تنظر بعين الرعب والريبة لهجمات المجاميع التابعة لإيران، على اعتبار أن الاعتداءات ما زالت في إطار التحرش العسكري الذي يؤدي إلى بعض الإصابات في صفوف الجنود الأميركان دون خسارات كبرى ولا مقتل أي أحد منهم، وهذه إشارة قوية إلى فرضية واحتمالية تفيد بأن إيران تتحرش عسكرياً لكن بدون الضغط أكثر على الزناد! وهدفها التأثير على بعض الملفات في المنطقة، بالإضافة إلى توجيه خطابات تعبئة شعبوية مستمرة إلى الداخل الإيراني وأنصار الأطراف المقربة منها في دول المنطقة بأنها لا تهاب القوات الأميركية، ويقابل ذلك تفهم الجانب الأميركي بأن الهجمات لا تعدو حدود التحرشات هنا وهناك، وكأنه بمثابة (شبه تفاهم عن بعد) بينهما، من دون التوقيع والاتفاق الرسمي عليه.

أما ثالث الأسباب، فيكمن في استمرارية القصف والاستهداف الإسرائيلي ضد القواعد الإيرانية داخل سوريا بشكل مباشر ومستمر منذ سنوات، ويمكن اعتبار هذه العمليات وكأنها تُنفذ نيابة عن القوات الأميركية التي لديها أقوى العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، بما معناه، أن الردود الأميركية تكون أحياناً من خلال المقاتلات الإسرائيلية، وأن الجانب الإيراني يتفهم نوعية الضربات وكذلك الغايات والأهداف التي من ورائها، وهنا لا داعي لتحريك الجيوش ودوائر القرار الأميركية، لطالما حليفتها الأولى في المنطقة ليست مقصرة في توجيه الضربات العسكرية ضد مصالح ومجموعات إيرانية.

إضافة إلى ما سبق، ثمة سبب رابع تشير إليه تقارير عدة لكن ما زال بحاجة إلى تأكيدات، وهو عدم خوض القوات الأميركية لهجمات عنيفة ضد مصالح إيران وحلفائها في العراق وسوريا، على أمل إمكانية استثمار تأثيرها على الأطراف الفلسطينية واللبنانية التي تهدد أمن إسرائيل لا سيما في الوقت الحالي، لكن تأكيد هذه الفرضية من عدمها غير واضح الآن لحين انتهاء وحسم الحرب الحالية في غزة، وأن النتائج المتمخضة عنها فيما بعد هي التي ستكون كفيلة بتوضيح مدى ومستوى دور إيران في بدء أو إيقاف أو التأثير على هجمات تلك الأطراف على إسرائيل، في وقت تحاول فيه إيران بشتى الوسائل إظهار نفسها الوحيدة القادرة على التأثير على مجريات الحرب مع إسرائيل، وذلك في رسالة لها تطالب بإرضائها حيال بعض الملفات في المنطقة.

الضربة العسكرية الموجعة ضد بعض القواعد والأطراف المحسوبة على إيران ليست ملغاة، بقدر ما أنها مؤجلة، لكن يحين الوقت المناسب بعد انتهاء أو حسم بعض الحروب الأخرى التي تشارك الولايات المتحدة فيها بقوة

ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن الجانب الأميركي لن يقف مكتوف الأيدي أمام الهجمات الإيرانية ضد قواعده، على الأقل تفادياً لأي انتقادات داخلية مستقبلية من داخل أورقة المؤسسات التشريعية أو حتى الإعلامية لا سيما في ظل بدء الدعاية الانتخابية للسباق الرئاسي، لذا فإن الضربة العسكرية الموجعة ضد بعض القواعد والأطراف المحسوبة على إيران ليست ملغاة، بقدر ما أنها مؤجلة، لكن يحين الوقت المناسب بعد انتهاء أو حسم بعض الحروب الأخرى التي تشارك الولايات المتحدة فيها بقوة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.