سيناريوهات تطبيع تركيا والنظام السوري ضد قسد

2024.08.14 | 05:59 دمشق

6155555555
+A
حجم الخط
-A

المباحثات المباشرة بين تركيا ونظام الأسد ستؤثر على موازين عديدة وستقلب بعضها رأساً على عقب، سواء سلباً أو إيجاباً، لا سيما تلك التي تتعلق بالقوى السورية المختلفة، سواء التي تعتبرها تركيا حليفة لها أو ألد أعدائها مثل قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي يتربص بها الطرفان منذ سنوات، ويشتركان في مخاوف تتركز حول احتمال تأسيس كيان في مناطق نفوذ هذه القوات يمهد لعمليات تقسيم في البلدين، على حد تصريحات المسؤولين من الجانبين، إضافة إلى تحفظات خاصة بكل جانب.

تعتبر تركيا أن هذه المنظومة امتداد لحزب العمال الكردستاني، بينما يرى النظام أن قسد غدرت به عسكرياً وبعلاقات المقايضة المشتركة السابقة بعد تحولها للعباءة الأميركية، إضافة إلى أسباب أخرى. وهنا لا بد من ذكر السيناريوهات المحتملة التي من شأنها أن تشكل ضرراً على نفوذ قسد وهي كالتالي:

من الناحية العسكرية، حتى الآن لا توجد مؤشرات على عملية مشتركة بينهما ضد قسد مهما بلغ شكل التطبيع، لأن هذا الأمر مرهون بالحماية الأميركية الموجودة في شمال شرقي سوريا، والتي لا تسمح بذلك في الوقت الراهن.

الموضوع مرهون بروسيا بالدرجة الأولى، وكيف لا، فهي الوسيطة في الحوارات وقد تساوم على عودة النظام لبعض مناطق ريفي حلب وإدلب مقابل طلب تركيا بإبعاد قسد من غربي الفرات.

وكلا الطرفين يمكنهما تنفيذ عمليات أحادية الجانب من دون الاتفاق الثنائي لولا المنع الأميركي. فالنظام وميليشياته ممنوعون من أي تقدم عسكري بفضل الردع الأميركي، وتركيا مسموح لها فقط في السنوات الأخيرة استهداف شخصيات في "الإدارة الذاتية وقسد" ممن تعتبرهم محسوبين على حزب العمال الكردستاني.

لكن في المقابل، فإن وجود بعض الجيوب العسكرية لقسد في الجانب الآخر من الفرات، مثل مناطق تل رفعت ومنبج وغيرها، هي التي ربما تتعرض لضغط عسكري، كونها مناطق نفوذ روسية بحسب مساومات (كيري – لافروف) السابقة. لذا، فالموضوع مرهون بروسيا بالدرجة الأولى، وكيف لا، فهي الوسيطة في الحوارات وقد تساوم على عودة النظام لبعض مناطق ريفي حلب وإدلب مقابل طلب تركيا بإبعاد قسد من غربي الفرات، أو السماح لها بمهاجمتها.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن فتح المعابر الحدودية بين النظام وتركيا والعراق في مناطق سيطرة قسد مثل معبري قامشلي – نصيبين مع تركيا، وتل كوجر - ربيعة مع العراق، من شأنه تحويل واردات اقتصادية كثيرة من معبر سيمالكا – فيش خابور الحدودي مع إقليم كردستان العراق إلى المنافذ المذكورة.

وهذا يعني ضربة اقتصادية لنفوذ وتحكم قسد على المنفذ الدولي الوحيد لشمال شرقي سوريا، والذي يصدر ويستورد البضائع بكميات كبيرة يومياً من وإلى مناطق الداخل السوري المختلفة. كما أن وجود الجانب العراقي كطرف مساهم في الوساطة الروسية، من شأنه أن يلعب دوراً في فتح معابر بين العراق وسوريا بشكل جدي أكثر، مع غض نظر أو رضا من الجانب الأميركي الذي يراقب هذه التطورات، والذي ربما سيدفع باتجاه بعض التسويات التي ستعزز علاقاته مع تركيا ونفوذه أيضاً في ذات الوقت. وتجلى ذلك في خضوعه للضغط التركي بعدم السماح بتنفيذ "الانتخابات البلدية" التي كانت الإدارة الذاتية تعتزم الإقدام عليها بالرغم من أنها كانت شأناً داخلياً عادياً وليست للمرة الأولى.

تقارب دمشق وأنقرة لن يكون لصالح قسد أبداً، لكن في ذات الوقت لا توجد مؤشرات تدعم فرضية تنفيذ عملية عسكرية مشتركة لهما في شمال شرقي سوريا.

هنا، ربما يتكهن البعض بأن قسد قد تُقدِم على ممارسة الضغوط أو وضع المعوقات أمام حركة المعابر السورية مع العراق وتركيا، لكن هذا غير وارد، لأن الأمر سيكون لعباً بالنار بالنسبة لحساباتها. فهي لن تحاول إغضاب الجانب العراقي الذي ما زال يمتنع عن إعطاء الموافقة على عملية تركية كبيرة ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في قنديل، بل وحتى لم يصنف الحزب المذكور ضمن قائمة الإرهاب رغم الضغوطات التركية. وستضع داعمها الأميركي في حرج إضافي أمام تركيا.

ومن جهة أخرى، فإن "حيتان السوق" الذين تعتمد عليهم قسد في الحركة التجارية، هم على علاقة وطيدة مع رجالات اقتصاد النظام، ما يعني وجود تشابك معقد يصعب السيطرة على أي تغيير جذري في صفقات اقتصادية كبرى قادمة، وهو أمر يُنذر بفتح مجال للنظام لفرض حصار اقتصادي على شرقي الفرات في حال تنفسه الصعداء مع الجار العراقي والتركي، ما لم يتحرك الجانب الأميركي في وجه أي تحرك لسلطة الأسد ضد الحياة المعيشية في تلك المناطق.

خلاصة القول: تقارب دمشق وأنقرة لن يكون لصالح قسد أبداً، لكن في ذات الوقت لا توجد مؤشرات تدعم فرضية تنفيذ عملية عسكرية مشتركة لهما في شمال شرقي سوريا، على الأقل لحين انتهاء السباق الرئاسي الأميركي ومعرفة المخطط الأميركي السنوي حيال وجوده العسكري في سوريا. والخطر، إن وجد، سيكون في الشمال الغربي لأن الوضع مرهون بروسيا وكذلك إيران التي تتواجد أيضاً في تلك البقعة الجغرافية المتشابكة والمعقدة من حيث القوات العديدة.

أما فتح المعابر وعودة الحركة الاقتصادية للنظام مع سوريا والعراق، فسيضعف بالتأكيد إحدى أهم أوراق قسد القوية التي كانت تبرزها في أي ضغط أو مقايضة أو حوار مع الأسد، وهو منفذ سيمالكا الذي كان وما زال حتى كتابة هذه الأسطر، شريان الحياة لمحافظات عديدة.