تحت شعار "تحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري" انطلقت حملة شعواء من قبل فريق من اللبنانيين بهدف ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا. والحقيقة أن من يحتل لبنان ويرهن اقتصاده وقراره السيادي ليس اللاجئين، بل نظام الأسد والملالي في طهران، وهذا الفريق من اللبنانيين لا يعترف بوجود لاجئين سوريين على أراضي لبنان، بل يعتبرهم مجرد نازحين، والمفارقة أن هذا الفريق يقبل باحتلال نظام الأسد وهيمنته على لبنان بالتحالف مع إيران.
لماذا الآن هذه الحملة على اللاجئين السوريين من لبنان؟ الأسباب التي دعت اللاجئين السوريين للهروب من سوريا واللجوء إلى الدول المجاورة مازالت قائمة، وها هو نظام الأسد مازال يمارس بطشه وسطوته الوحشية على الشعب السوري حتى على الموالين له، فكيف سيكون الحال مع اللاجئين الذين هربوا من بطشه في حال إعادتهم إلى مناطق سيطرة الأسد؟ بالتأكيد سيكون مصيرهم الاعتقال والتعذيب والقتل.
ما جرى ويجري الآن على الساحة اللبنانية يخدم كلاً من النظام السوري والإيراني وحلفائهما في لبنان والذين يتحملون مسؤولية ما يعانيه الشعب اللبناني
لا يخفى على أحد أن هذه الحملة المشبوهة لترحيل اللاجئين إلى سوريا وهذا التجييش والتجييش المضاد يأتي بالتزامن في سياق إعادة تعويم نظام الإجرام الذي لم ولن يتورع عن فعل أي شيء من أجل إعادة تلميعه من جديد، وتبييض سجلّه الإجرامي، هذا السجل الذي تأذى منه اللبنانيون قبل السوريين طيلة أكثر من خمسين سنة ومازالوا يتأذون منه. فما جرى ويجري الآن على الساحة اللبنانية يخدم كلاً من النظام السوري والإيراني وحلفائهما في لبنان والذين يتحملون مسؤولية ما يعانيه الشعب اللبناني.
صحيح أن الشعب اللبناني يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ولا يختلف وضعه كثيراً عن معاناة الشعب السوري، ولكن هذه المعاناة ليست ناتجة عن وجود اللاجئين السوريين في لبنان، بل بسبب فساد من هم في السلطة الحاكمة في لبنان، وأن عجز اللبنانيين عن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية ليس سببه اللاجئين السوريين بل إن هيمنة حزب الله على القرار في لبنان المدعوم من إيران ونظام الأسد هي من تمنع اللبنانيين من انتخاب رئيس لهم، واللاجئون السوريون هم ضحايا هذه الهيمنة مثلهم في ذلك مثل أغلبية الشعب اللبناني. كما أن اللاجئين السوريين ليسوا سبباً للأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، بل إن هذه الأزمة بدأت منذ أن قام النظام السوري وحلفاؤه في لبنان باغتيال الشهيد رفيق الحريري والاغتيالات التي تلتها، وأيضا بفعل حيتان من هم في السلطة وفسادهم وعمليات التهريب التي يقومون بها باتجاه المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد. وليس اللاجئون من منع ومازال يمنع التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بل هم أولئك الذين يحتمون بالميليشيات المسلحة ويعرفهم اللبنانيون جيداً.
وفضلاً عن ذلك فإن الدولة اللبنانية لم تصرف قرشاً واحداً على اللاجئين السوريين، بل على العكس فهي تستفيد من المعونات الأممية المقدمة للاجئين السوريين، وكثير من اللبنانيين يستفيدون مادياً من العمل في وكالات الأمم المتحدة المتعلقة بشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، كما أن اللاجئين السوريين لا ينافسون اللبنانيين في أعمالهم، بل هم يعملون بأعمال يأنف اللبناني العمل بها. وإذا كان بعض اللاجئين يرتكبون مخالفات فلا يجب أن يتحمل كافة اللاجئين وزر هؤلاء.
كسوري يؤمن بالحرية وكرامة الإنسان لا أقبل على نفسي أبداً أن تتم الإساءة للدولة اللبنانية، وبالمقابل على اللبنانيين أن لا يساهموا في جريمة ترحيل اللاجئين عنوة إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، لأن ترحيلهم يعني هلاكهم. ولا أريد التذكير هنا عندما استقبل الشعب السوري اللبنانيين الهاربين من الحرب الأهلية وكذلك أيام العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 فهذا واجبنا وحق علينا أقله كجيران لافكاك من هذه الجيرة، ولن نهنأ بعيشتنا كسوريين طالما جيراننا في لبنان يتألمون ويعانون والعكس صحيح.
آمل من كل العاقلين بين السوريين واللبنانيين ألا ينجروا إلى هذه الدعوات المشبوهة والتجييش والتجييش المضاد، والعمل على وأدها قبل أن تنفجر الأمور وساعتها لن ينفع الندم. وسندفع جميعنا لبنانيين وسوريين الثمن باهظاً.
وإذا كان من حق اللبنانيين أن يتخلصوا من عبء الأعداد الكبيرة من اللاجئين وغيرهم الموجودين في لبنان، عليهم أولاً وقبل ترحيل اللاجئين السوريين أن يعملوا على سحب ميليشيات حزب الله التي تحتل عدداً كبيراً من المدن والمناطق والقرى السورية وهي التي كانت سبباً مباشراً لتهجير السوريين من بيوتهم إلى لبنان.
يجب أن ننسى أن هناك شرفاء كثيرين في لبنان لم يبخلوا في الدفاع عن اللاجئين طيلة وجودهم في لبنان خلال السنوات الماضية
وبهذه المناسبة، أرجو من كل اللاجئين السوريين في لبنان عدم الانجرار وراء الدعوات المشبوهة التي تدعوهم إلى حمل السلاح ضد الدولة اللبنانية والتحريض ضد الشعب اللبناني، لأن في هذه الدعوات هلاك للاجئين، وهذا ما يريده النظام السوري وحلفائه في لبنان، ولا يجب أن ننسى أن هناك شرفاء كثيرين في لبنان لم يبخلوا في الدفاع عن اللاجئين طيلة وجودهم في لبنان خلال السنوات الماضية.
كما أرجو من إخوتنا اللبنانيين مساعدتنا على التخلص والتحرر من هذا النظام المجرم الذي أجرم بحق اللبنانيين كما السوريين. لأن في الخلاص منه هو خلاصنا وخلاصكم أيضاً. فنحن في سوريا وأنتم في لبنان ضحايا نظام الأسد الإجرامي وحلفائه في لبنان المدعومين من إيران.
فلنتعاون مع بعضنا بعضا بعيداً عن هذا التجييش والتجييش المضاد للخلاص منهم ومن إجرامهم، وبناء دولتينا في سوريا ولبنان على أساس يستجيب للمصالح والتطلعات المشتركة للشعبين السوري واللبناني في السيادة والكرامة والعدالة والحرية والرفاه والتقدم.