icon
التغطية الحية

فيلم الحرب العالمية الثالثة.. عن "احتمال" الحياة والخلاص منها

2023.07.23 | 15:38 دمشق

آخر تحديث: 23.07.2023 | 19:09 دمشق

إيراني
+A
حجم الخط
-A

يقدم المخرج الإيراني "هومان سيّدي" Houman Seyyedi فيلمه الأخير "الحرب العالمية الثالثة" 2022، كمقاربة "تراجيدية" لثقل الحياة ومحاولة "صنعها" واحتمالها؛ والتخلص منها إن أصابها الفشل.

ربما لا يغري عنوان الفيلم التشويقي متابعي السينما في معرفة ما يمكن أن يقدم مخرج من إيران تحت هذا المسمّى، لاسيما وأن هناك العديد من الأفلام قد حملت الاسم ذاته، لتحيل المشاهد إلى صنف من أفلام "الأكشن" أو "الكوميديا" في بعض النسخ.

وسوف ننتظر مشاهد الفيلم الأخيرة، حتى نستطيع فكّ رموز فكرة "سيّدي" حول تلك المقاربة بين "هتلر" وبطل الفيلم "شكيب"؛ كاستعارة تحمل من المفارقة التراجيدية الكثير من القهر.

ثالثة
بوستر الفيلم

يفقد شكيب "Mohsen Tanabandeh" العامل المياوم، زوجته وابنه في زلزال ضرب منطقة سكنه، ما يحوّل حياته إلى روتين يومي في منطقة العمال غير الحرفيين، ممن يعملون في أعمال التحميل والإزالة في أي ورشة تطلبهم؛ التي حدث أن كانت "الورشة" هي بناء "معسكر اعتقال" لتصوير فيلم عن "الهولوكوست" و"هتلر".

يرافقنا منذ بداية الفيلم وجه "شكيب" الذي عانى من الفقد، وجه لا يحمل الكثير من التعابير سوى الاستكانة والحزن. ويبدو من خلال ترحيله من مجموعة من العمال إلى مكان التصوير، أنه يبحث فقط عن أدنى شروط الراحة في عمله "كالنوم في مستودع يحجب الماء المتسرب طوال الوقت". وحتى عندما يُساق كعنصر لتكملة جموع العمال الآخرين إلى "غرفة الغاز" دون توضيح من قبل المخرج على أنهم "كومبارس"، فلا نلاحظ ردة فعل سوى وجه يمعن في شعور الإحباط والإذلال.

عقود طويلة مرت على الحرب العالمية الثانية، لكن السلطات بقيت كما هي، وربما أكثر قهرا وعنفا

ومن "كومبارس" لجموع الذاهبين إلى "المحرقة"؛ تتغير حياة شكيب لحظة موت الممثل الرئيسي الذي يلعب دور "هتلر"، ليتم اختياره بديلا، ويتم تشكيله بهيئة جديدة دون أدنى اعتراض أو تذمّر من حلق لحيته وتغيير هيئته "كإشارة إليه كضحية كما جموع الكومبارس الذاهبين إلى المحرقة في الفيلم".

كان من الممكن اعتراض "شكيب" لولا أنه وجد ميزة مهمة، وهي المبيت في "المنزل/ القصر" المؤقت للفيلم، ما يعني خلاصه من النوم في مستودع يسرّب الماء طول الوقت.

قبل ذلك، سوف نرى تكرار مكالمات فيديو بينه وبين امرأة صماء، سنكتشف لاحقا أنها لادان "Ladan"، التي تعمل لحساب وكيل في خدمات الجنس.

وعندما تظهر "لادان" منتصف الفيلم وهي تحاول الهروب من عملها ووكيلها، نكتشف أن هناك قصة "حب" بينها وبين شكيب "دون أن نعرف ما هو الرابط المسبق لعلاقتهما سوى أنهما صورة من صور الضحية والقهر".

وعند قدومها لتقابل شكيب، يبدأ ذلك التصاعد في "حبكة متقنة ومثيرة" للفيلم: (ملاحقات وكيلها لها، تهديد لشكيب بالقتل أو دفع المال، محاولة تهريبها، وأخيرا إيجاد مكان لها تحت المنزل/ الديكور، لتختفي عن أعين الوكيل وتابعه).

تبدأ الفوضى بالفعل، في الفيلم المزمع إنجازه، وفي الشخصيات. فجأة مع الضغط المتواصل على "شكيب" من قبل ملاحقي "لادان" يحاول تأمين المال الذي يُعتقها منهم، في الوقت الذي ما تزال مختبئة فيه تحت المنزل.

عنف متلاحق يتعرض له "شكيب"، ضرب من وكلاء حبيبته، ورفض الإقراض من تاجر يعرفه، وخوف على انهيار حياة حاول "صنعها وهندستها" بما هو متاح من ظروف لشريحة المقهورين والمقموعين والفقراء، وقبل كل شيء، للذين عانوا من ألم الفقد والبحث عن "جدوى" للعيش وسط "محرقة" مستمرة من قبل أنظمة قمعية أسست لمنسوب عنف متزايد تجاه من يحاولون البحث عن معنى للبقاء على قيد الحياة.

ولأن "التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يتشابه في غالب الأحيان"، كما يصدّر "سيّدي" فيلمه بمقولة "مارك توين" السابقة؛ فلا بد أن تحضر لحظة "التحوّل" لشخصية "شكيب"، كضمير لجموع المقهورين. لا بد من "حرب عالمية ثالثة" تعيد توازن القوى التي تسيطر علينا بكل ذلك العنف.

يحترق المنزل/ الديكور، ويحاول فريق الإنقاذ البحث عن "لادان"، التي يقولون إنها هربت قبل الحريق. لكن إصرار "شكيب" على تصديق رواية هروبها كان مقدمة ذلك "التحوّل". ينبش بيديه ركام المنزل المحترق دون جدوى، وعنف يتملّكه تتاليًا، يفرز "ضرباً ودماً وشجاراً". شكل جديد لـ "شكيب" الذي قرر أن "السرديات" التي تقال لأولئك المقهورين لم تعد تفعل سحر المخدر والاستكانة.

لحظة الحقيقة تكون من تيقّن "شكيب" باحتراق حبيبته تحت الأنقاض؛ مع اكتشاف أحد العمال "الكومبارس" سوارها "وهو يسأل شكيب عن نوعه إن كان من الذهب أم لا؟".

هنا يبدو "شكيب" جهة مضادة لذلك "النظام" المسيطر على حياة المقهورين. فوضوية ذلك النظام وقمعه واستبداده، سوف تُماهي بين الضحية والجلاد. سوف يتحول "شكيب" إلى "هتلر".

يسرق السم القاتل من متجر الدائن بالفائدة، وعندما يأتي ليراه مستفسرا عن السم، يقوم بقتله كي لا يخبر الجميع أنه وضعه في الطعام، قاصدا قتل الجميع.

وقبل مشهد النهاية، سوف يدهشنا "سيّدي" بمشهد قصير بالغ التعبير، لشكيب وهو يرتدي بذلة هتلر ويمشي "وظهره للكاميرا" بين خطين من الأسلاك الشائكة والثلج يتساقط، لدرجة نرى "هتلر" الحقيقي بكل جبروته وطغيانه.

ينتهي الفيلم بسقوط الجميع موتى بعد تجرّع السم مع الطعام، وتكون كلمة النهاية ذات مغزى واضح أيضا (ساعدونا).

يبدو الفيلم رغبة لـ "الانتقام" من كل الشرور التي تحاصرنا. وطالما أننا "نجاهد" لصنع الحياة ونفشل دائما "على ما يبدو"، فلا بد إذن من دمار جديد يعيد ترتيب حياة البشر بما يليق بهم.

عقود طويلة مرت على الحرب العالمية الثانية، لكن السلطات بقيت كما هي، وربما أكثر قهرا وعنفا. ومن حسن حظ العالم أن الطغاة ينسون من هم في "القاع"، لأنهم سيكونون هم من يرفع شعار الرفض.

"الحرب العالمية الثالثة" فيلم جدير بالبحث في معانيه الكثيرة، التي ربما تتجاوز ما ابتغاه المخرج. وفي الأحوال كلها، لا بد لنا من فعل مقاومة مستمر، يبدأ أولا من تفكيك آليات السيطرة على البشر، في عصر نبحث فيه عن "ممارسة" الإنسانية بالحد الأدنى.