85 عاماً مرت على ولادة غسان كنفاني، و49 عاماً على اغتياله، وخيمة "أم سعد" اليوم تمتدّ وتتكاثر فيها الأوتاد والمَرَس، وتتجاوز حدود فلسطين والأردن ولبنان، لتصل، عبر السوريين، إلى خارج حدود بلاد الشام مجتمعة.
"خيمة عن خيمة تفرق". عبارة أطلقتها "أم سعد" في قصة كنفاني القصيرة التي حملت الاسم نفسه، لتفرّق بين خيم اللاجئين الفلسطينيين وتوظيفاتها السياسية، وبين خيم (الفدائيين) في ميادين المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت الذي كتبت فيه القصة:
"صمتت لحظة، ثم أدارت وواجهتني: أتعتقد أنه سينبسط لو ذهبتُ فزرته؟ أستطيع أن أوفر أجرة الطريق، وأذهب يومين إلى هناك.
وتذكرتْ شيئاً، فأكملت: أتدري؟ أن الأطفال ذل! لو لم يكن لدي هذان الطفلان للحقت به (بـ سعد الذي التحق بالفدائيين). لسكنت معه هناك.. خيام؟ خيمة عن خيمة تفرق! لعشت معهم، طبخت لهم طعامهم، خدمتهم بعيني. ولكن الأطفال ذل".
بعد خبوّ لهيب المقاومة الفلسطينية، أضحت جميع الخيام اليوم على شاكلة خيمة أم سعد، للاجئين فقط.
غسان كنفاني
ولد الروائي والقاص والمسرحي والصحفي الفلسطيني، غسان كنفاني، في مثل هذا اليوم بمدينة عكا (الـ8 من نيسان 1936)، وعاش في يافا حتى أيار 1948، ثم أجبر على اللجوء مع عائلته إلى لبنان ثم إلى سوريا. أقام وعمل في دمشق ثم في الكويت، وفي عام 1960 استقر في بيروت، وخلال ذلك تزوج من سيدة دانماركية تدعى (آن) أنجبت لهما ابنين هما فايز وليلى.
بقي كنفاني في بيروت حتى تاريخ اغتياله مع ابنة شقيقته "لميس" من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، بوساطة تلغيم سيارته في منطقة الحازمية بالقرب من بيروت، في الـ8 من تموز عام 1972.
سيرة كنفاني الأدبية
يعدّ كنفاني أحد أشهر الكتاب والصحفيين، ليس على مستوى الفلسطينيين وحسب بل في العالم العربي، في القرن العشرين. إذ تجذّرت أعماله الأدبية، من قصة ورواية ومسرح، في عمق الثقافتين الفلسطينية والعربية.
وبالرغم من وفاته المبكرة (36 عاماً)، أصدر كنفاني 18 كتاباً، كما كتب مئات المقالات والدراسات في الأدب والثقافة والسياسة والمقاومة الفلسطينية.
بالرغم من غلبة القضية الفلسطينية على نصوص روايات غسان وقصصه القصيرة ومعظم أعماله الأدبية الأخرى، إلا أن مواهبه الأدبية الاستثنائية أكسبته صفة العالمية
أعيد نشر مؤلفاته عقب اغتياله، مرات عديدة. وجمعت نتاجاته الأدبية ومقالاته في 4 مجلدات. وتُرجمت معظم أعماله الأدبية إلى أكثر من 15 لغة، كما نُشرت في أكثر من 20 بلداً، وأُخرج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج تلفزيونية وإذاعية في العديد من البلدان العربية والأجنبية. كما حُوّلت اثنتان من رواياته إلى فيلمين سينمائيين. وما تزال أعماله الأدبية تحظى اليوم باهتمام متزايد.
وبالرغم من غلبة القضية الفلسطينية على نصوص روايات غسان وقصصه القصيرة ومعظم أعماله الأدبية الأخرى، إلا أن مواهبه الأدبية الاستثنائية أكسبته صفة العالمية.
السيرة السياسية والمهنية
كتب كنفاني بصورة أساسية في الشأن الفلسطيني ومواضيع التحرر المرتبطة به، وكان عضواً في المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بعد تأسيسها. انضم إلى حركة القوميين العرب التي ضمه إليها "جورج حبش" (الحكيم)، لدى لقائهما عام 1953.
حين انتقل إلى الكويت، عمل في التدريس، ثم انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية (1961)، التي كانت تنطق باسم الحركة، مسؤولًا عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها (ملحق فلسطين) ثم عمل في جريدة (الأنوار) اللبنانية.
اغتيال كنفاني كان فاتحة إسرائيل في سياسة تصفية المناضلين الفلسطينيين، السياسيين منهم والمفكرين والأدباء، فصار قتل القادة والرموز الفلسطينية أشبه بطقس رمزي
في أواخر سنة 1967، التي شهدت نكسة حزيران المريرة، أسست "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". فأسس كنفاني مجلة ناطقة باسم الجبهة حملت اسم "الهدف" وترأس تحريرها، كما أصبح ناطقًا رسميًا باسم الجبهة.
بعد اغتياله، تسلّم "بسام أبو شريف" رئاسة تحرير المجلة، وتعرّض هو الآخر لمحاولة اغتيال (عبر طرد بريدي ملغّم) نجا منها بأعجوبة ولكن آثار حروق الانفجار ما تزال تغطي وجهه وجسده.
اغتيال كنفاني كان فاتحة إسرائيل في سياسة تصفية المناضلين الفلسطينيين، السياسيين منهم والمفكرين والأدباء، فصار قتل القادة والرموز الفلسطينية أشبه بطقس رمزي، سعى من خلاله الإسرائيليون إلى قتل الفكرة الفلسطينية.
في رثائه
"ها هم يتبارون في رثائك، كأنك شيء ذاهبٌ. ولم يعرفوا أنك مذ رحلتَ أتيت. قادمٌ.. قادمٌ من الريحِ ومنزل الجيران، وملفات التحقيق، ومن الصمت واستمراء الهزيمة ومناقبها.
هاهم أولاء يتبارون في رثائك، كأنهم يرثون فردا.
آه.. من يرثي بركاناً!.
هذه لحظتكَ. فلا تجمع أشلاءكَ ولا تَعُدْ.. لا تَعُدْ. لا تنتظرنا في المَهاجر. كان يجب أن نراك.. أن نعرفك.. أن نسير معك قبل اليوم. ولكن الموت لم ينضج فينا.
نُعزي أهلك؟ لا.
نعزي أنفسنا؟ لا.
نذهب إلى جبل الكرمل ونعزيه.
نذهب إلى شاطئ عكا ونعزيه.
نذهب إلى فلسطين ونعزيها.
هي المفجوعةُ. هي الثَّكلى.
نعزيها أم نهنِّئها؟ لا أدري".
بهذه الكلمات من قصيدة "محاولة رثاء بركان"، رثى الشاعر الراحل محمود درويش صديقه غسان كنفاني، بينما كتب سميح القاسم في رثائه:
"لن تصبر الأرض إلاّ خلال شرايينك
/عن الفلسطيني التائه الذي ما زال اسمه غسان كنفاني/:
تطاردني في الليل أوجه إخوتي
وتسقط في وجهي، من الريح، جثتي
فأصرخ مرعوباً ويهلع قاتلي
وتحترق أشجار المقابر صرختي
هنا الموت، يا تفاحة الموت أمطري
ثمارك في أرض جحيم وجنة
يطاردني القتلى. فأية عيشة
أعيد إلى القتلى. بأية ميتة
وبين نساء الدوالي وبين كنوز الرمال وبين الهجير وريح الشمال
تعاطيت حبك وحدك أنت".
مؤلفات كنفاني: في الرواية والقصة
موت سرير رقم 12- بيروت، 1961. قصص قصيرة.
أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963. قصص قصيرة.
رجال في الشمس – بيروت،1963. رواية. قصة فيلم "المخدوعين".
عالم ليس لنا- بيروت، 1970. قصص قصيرة.
ما تبقى لكم- بيروت، 1966 - قصة فيلم السكين.
عن الرجال والبنادق - بيروت، 1968. قصص قصيرة.
أم سعد – بيروت، 1969. رواية.
عائد إلى حيفا – بيروت، 1970. رواية.
الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980قصص قصيرة.
العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
القنديل الصغير- بيروت.
القميص المسروق وقصص أخرى. قصص قصيرة.
في المسرح
الباب (مسرحية). مؤسسة الأبحاث العربية. بيروت. 1964-1998.
القبعة والنبي. مسرحية.
جسر إلى الأبد. مسرحية. بحوث أدبية
في الدراسات
أدب المقاومة في فلسطين المستقلة.
الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968.
في الأدب الصهيوني.
الجوائز
نال كنفاني في عام 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم". كما نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية، في 1974، وجائزة اللوتس في 1975. ومنح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.