يشكل خطاب الكراهية تهديداً لحقوق الإنسان والسلام، فهو يزرع بذور التعصب والعنف في المجتمعات، ويؤثر سلباً على التنمية والتعايش والتضامن.
وقد عرّفت الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأّنه: أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.
يلعب خطاب الكراهية دوراً كبيراً في تأجيج الصراع وتقسيم المجتمع، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في نشر رسائل محرضة ضد مجموعات معينة بناءً على هويتها.
ولكن هل هناك طرق لمكافحة خطاب الكراهية؟ هل يمكن للتعليم أن يسهم في بناء جسور بين المجتمعات؟ هل يمكن للتعليم أن يزرع قيم السلام والحوار والتسامح في نفوس الأجيال القادمة؟
نعم، إن التعليم يلعب دوراً حاسماً في مكافحة خطاب الكراهية، وبناء ثقافة من التسامح والانسجام والتضامن.
في هذا اليوم 24 من يناير من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم، وهذا العام يحمل شعار "التعليم من أجل سلام دائم"، هذا الشعار يبرز دور التعليم في تعزيز السلام والوقاية من النزاعات، كما يدعو إلى ضمان حق الجميع في التعليم الشامل.
ولكن كيف يمكن للتعليم أن يحقق هذه الأهداف؟ ما التحديات والفرص التي تواجه التعليم؟ ما المبادرات والأفكار التي تسعى إلى تحسين التعليم؟ يمكن أن نذكر بعض النقاط المهمة في التالي:
-
التعليم مفتاح النمو للعالم:
لا شك أن التعليم هو مفتاح النمو للعالم، فهو يغير حياة الناس داخل المجتمعات، فالتعليم له مكانة كبيرة في السلام والأمان، وله دور كبير في تخلص الإنسان من الفقر والجهل، إضافة إلى ذلك، التعليم حق من حقوق الإنسان، كما نصت على ذلك المادة 26 من إعلان حقوق الإنسان. وتأمين التعليم لجميع الأطفال والبالغين هو هدف استراتيجي للأجندة 2030 للتنمية المستدامة، التي تضم 17 هدفاً تغطي جوانب اجتماعية واقتصادية وبيئية، ولكن للأسف الأوضاع في عدة بلدان وخاصة التي تعيش حالة من الصراع والعنف تؤثر سلباً على تعليم الأطفال والشباب.
وكما جاء عن اليونيسكو، يوجد اليوم 250 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدرسة، و763 مليون شخص أميّ من الكبار، الذين يُنتهك حقهم في التعليم، وهذا أمر غير مقبول، وقد حان الوقت لإحداث تحوّل في التعليم.
-
تدريب المعلمين على مواجهة خطاب الكراهية:
تدريب المعلمين على تعزيز استيعاب التنوع وحقوق الإنسان وعدم التمييز وتطوير آليات إبلاغ، من خلال التدريب يستطيع المعلمون نقل هذا الفهم للمتعلمين، ونشر هذه القيم، والتشجيع على التفاعل والتعاون مع الآخرين بروح الإخاء والسلام. والتعليم من أجل السلام لا يقتصر على المناهج الدراسية، بل يشمل أيضاً البيئة التعليمية والطرق التدريسية والتفاعلات بين المشاركين في العملية التعليمية.
كما يمكن للمعلمين والمؤسسات القائمة على التعليم التصدي لخطاب الكراهية في المدارس والحياة، فالتعليم يستطيع أن يزيل جذور خطاب الكراهية بإثارة التفكير النقدي لقضايا المجتمع، والتركيز على استخدام الحوار والتعاون في الفصول الدراسية، كما يجب التركيز على بناء وتعزيز الشعور بالانتماء لتكون فصولاً شاملة وآمنة.
-
الاهتمام برفاهية المعلم:
أحد العناصر الرئيسة لجودة التعليم هو المعلم، المعلم هو من يشكل شخصية وسلوك المتعلمين، وهو من يؤثر على مستقبل المتعلمين، ولكن في البلدان التي تشهد الصراع يواجه المعلمون تحديات كبيرة في أداء دورهم، وذلك بسبب ضعف التمويل ونقص تقنيات التعليم، وهذا أثّر على رفاهيتهم وجودة العملية التعليمية عموماً.
-
دمج مهارات التعلم الاجتماعي العاطفي في المدارس:
أود أن أشير إلى أهمية مهارات التعلم الاجتماعي العاطفي، وهي مهارات تساعد المتعلمين على التعرف على مشاعرهم والتحكم فيها، والتفاعل مع الآخرين بطريقة إيجابية، هذه المهارات تسهم في تطوير الثقة بالنفس والتكيف مع الضغوط، وتساعد على فهم تجارب المتعلمين وتقديم التعامل الصحيح معها، سواء كانوا ضحايا أو مرتكبين أو شهوداً لخطاب الكراهية أو العنف.
-
ارتباط التعليم بالواقع:
لا بد من مناقشة مسائل الحياة وعدم ترك فاصل بين المدرسة والحياة، فالتعليم لا يجب أن يكون مجرد نقل للمعارف والمفاهيم، بل يجب أن يكون مرتبطاً بالواقع والظروف التي يعيشها المتعلمون، فمناقشة الأمثلة الواقعية ووجهات النظر المتخلفة للمتعلمين وإدارة التوتر وحل المشكلات والاعتراف بنقاط القوة والضعف كل ذلك مهم في تعزيز الشعور بالانتماء وربط التعليم بالحياة الواقعية.
-
التفريق بين خطاب الكراهية وحرية التعبير:
هناك فرق جوهري بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، قد يكون الرأي مزعجاً أو صادماً، ولكنه لا يحرض على العنف والتمييز. والمعلم مثال يحتذى به ومنارة للمتعلمين، لذلك لا بدّ أن يكون المعلم قادراً على التفرقة بين ما هو خطاب الكراهية وما هو حرية تعبير، ليستطيع تعليم ذلك للمتعلمين والتصدي معاً لخطاب الكراهية في الفصل والمدرسة والمجتمع.
-
التعبير عن المشاعر والأفكار يعزز السلام الداخلي:
التعليم يفتح النقاشات لفهم تجارب المتعلمين وتقديم التعامل الصحيح، كثير من المتعلمين في بلدان الصراعات قد تعرضوا لصدمات أو مشكلات نفسية، أو قد فقدوا أحباء أو منازل، هؤلاء المتعلمون بحاجة إلى دعم نفسي اجتماعي، وإلى فضاء آمن يستطيعون فيه التعبير عن مشاعرهم وآرائهم.
التعليم من أجل السلام هو حاجة ماسة وضرورة استراتيجية لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ولكن لتحقيق هذا الهدف، يجب التغلب على بعض التحديات التي تعرقل تطبيق التعليم من أجل السلام وخاصة في البلدان التي تعيش الصراعات، مثل نقص الموارد المادية والبشرية، وانعدام الأمن والاستقرار، وانتشار العنف، وانقسامات المجتمع. فقط بذلك يمكن أن نحول التعليم من أداة لإشعال الصراع إلى أداة لإطفائه.