مما لا شك فيه؛ أن خطط إنجاز حل في سوريا مرتبط بشبكة المصالح الدولية المتقاطعة والمتناحرة فيها؛ التي حرصت على الإبقاء على حالة عدم الحسم سعيا للوصول إلى توافقات دولية؛ بعد أن تم تدويل القضية السورية وصارت أرضها ميدانا لتصفية حسابات كثيرة وتتناهبها محاور عديدة، ولعله إن تسرب النزر اليسير عن خطة يتم الاشتغال عليها؛ فلا بد أن يكون واحدا من خطط عدة في أروقة السياسة غربا وشرقا حتى يعجز الدارس عن تتبع احتمالات الخطط من ألفها إلى يائها.
وبينما عقد مؤتمر أستانا21 يوم الأربعاء الماضي في محاولة ترقيع ما تبقى منه؛ مع أولوية دول الجوار العربية التي حضرت كأعضاء مراقبين، تبدو أستانا سائرة إلى الهاوية وأن حلفا جديدا يمكن تشكيله تتغير فيه رؤية القوة لمصالحها بعد تكشف معضلات جديدة عقب الحرب على غزة، خصوصا وأن دول الناتو اتفقت منذ يومين على تشكيل حلف تحت مسمى حماية طرق التجارة للتجهز لعمل يحمي الطرق التجارية في البحر الأحمر بعدما باتت هجمات الحوثيين تقض مضجع إسرائيل وتقلق أوروبا، تدفع تكاليفه دول خليجية تحمل في الوقت ذاته هم إخراج إيران من سوريا.
ورغم أن إسرائيل غارقة في وحول غزة تحت نيران المقاومة الباسلة، وتتخبط في سياستها الداخلية لكنه لا يمكن إغفال قدرتها السياسية في ملفات أخرى تتقاطع فيها مصالح دولية، خصوصا تلك القوة غير المعتمدة على رصيدها الإنساني المتهتك شعبيا في الغرب، واحتفاظها بدعم أوروبي رسمي من إنكلترا وفرنسا وألمانيا الذاهبة حتى النهاية مع المشروع الصهيوني، إضافة للإمكانات التي تتميز بها إسرائيل كقلعة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط، وفي رؤيتها وإدارتها لملفاته، إضافة لقدرتها على الحفاظ على ترابط متين مع روسيا شرقا.
تبدو إسرائيل والحال هذه فوق اعتبارات الاختلاف والتناحر الأوروبي مع الدب الروسي، ويحق لها أن تقول كلمتها في أروقة السياسة في الجهتين -شرط الحفاظ على مصالح كل منهما-، يتم فيه فصل التوجه الروسي المتقارب مع المشروع الإيراني الذي بات يطول إسرائيل، من جهة أخرى هناك حاجة روسيا الحالية بعد تشابك الملف الأوكراني للفت النظر إلى ثقلها في الشرق الأوسط، والذي قد تكلف إسرائيل تحويله إلى وجود مرغوب فيه أوروبيا وأميركيا، وهو ما سيعطيها ورقة رابحة للتفاوض في بقعة أخرى في القوقاز وعلى حدود أوروبا، ولعل الهدوء في الملف الأوكراني في أروقة أوروبا يدل على ذلك، هنا تظهر البقعة العربية ساحة لتصفية الحسابات وتشكل سوريا عقدتها التي تتقاطع فيها مصالح الجميع.
حدوث توافق سياسي بين كل من روسيا، وإسرائيل ودول عربية وتركيا، على حل توافقي فيما بينها على إنشاء حكومات محلية تحكم نفسها ذاتيا وتبدأ حاليا في مناطق سيطرة النظام باستثناء دمشق
نشر الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي في فرنسا؛ بيانا منذ يومين للرأي العام على موقعه الرسمي يوضح فيه وصوله من مصادر خاصة إلى أحد سنياريوهات حل دولي معمول عليه منذ أشهر؛ ونبه إلى مخاطر تحقيقه على الأرض السورية في الأشهر القادمة، وقد جاءت بعض خطوات الحل الدولي المشتغل عليه –وفقا للبيان- والتي يمكن مناقشة احتمال حدوثها مقارنة مع ما يحدث على الأرض – ملخصة بالنقاط التالية:
حدوث توافق سياسي بين كل من روسيا، وإسرائيل ودول عربية وتركيا، على حل توافقي فيما بينها على إنشاء حكومات محلية تحكم نفسها ذاتيا وتبدأ حاليا في مناطق سيطرة النظام باستثناء دمشق؛ ثم تتبعها المناطق الخارجة عن سيطرته ليصار إلى تشكيل أقاليم حكم ذاتي، "وتتألف الحكومات المحلية من قوى وشخصيات كانت مرتبطة بالنظام وأخرى معارضة، كما تضم رجال دين ووجهاء عشائريين ومثقفين وأعضاء في الجيش الحر، على أن يكونوا من المنطقة الجغرافية ذاتها، وتتبع لهذه الحكومات قوى أمنية وعسكرية مؤلفة من أبناء كل منطقة أيضاً، وتضم عناصر تابعة للنظام وأخرى من الجيش الحر والعسكريين المنشقين، على أن تقود هذه العملية من كافة جوانبها القوات الروسية العاملة في سوريا، وبتمويل عربي ودعم سياسي إقليمي" سعيا للوصول إلى ثلاثة أهداف استراتيجية تتلخص في إخراج القوات الإيرانية من سوريا بمحاربة كل قوة من القوى المحلية ذات الحكم الذاتي -كل من منطقته- بدعم مالي خليجي، وتقويض حكم الأسد جزئيا عبر تركه ومؤسساته في دمشق، وصولا لتهميشه وخروجه من سوريا بدون ملاحقة قانونية، مع تأكيد الحزب وفقا لمصادره أن نواة الحكم المحلي قد تم تشكيلها في أربع مناطق هي: 1-درعا والقنيطرة 2-السويداء 3-دير الزور والرقة 4- الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس وأجزاء من ريف حماة).
وفي الشق الدستوري سيتم اعتماد الدستور الروسي لجمهورية سوريا المطروح من قبل الخارجية الروسية عام 2017 وبعد استتباب الأمر للسلطات المحلية ستجتمع كتلة أسماها الدستور "جمعية الشعب" لإقرار دستور جديد مع ضمان عدم محاسبة الأسد.
وفي نظرة بسيطة للشركاء المطروحين نجد روسيا التي تتمتع بامتيازات اتفاقياتها مع نظام الأسد، ودولا عربية عجزت عن إخراج نظام الأسد من ربقة التبعية لإيران، وإسرائيل التي تمتلك ثقلا دوليا ودعما أوروبيا في ترجيح الحل الذي يناسبها، وتركيا باعتبارها شريكا وازنا في الاضطلاع في القضية السورية وداعمة للقوى المسيطرة على جزء من أراضي الشمال المحرر، ويقطنها شطر من الشعب السوري المهجر.
تبدو العين السورية في وضع الترقب ليس أكثر وتبدو القوى التي تسيطر على الأرض بما فيها قوات الأسد مرتهنة لمرجعياتها، ويغيب عن الخطط جميعها رغبة السوريين الذي ثاروا ضد نظام الأسد
"إضافة إلى هذه الخطوط الرئيسية، تفيد المعلومات وفقا لمصدرها بوجود ملفات معلقة، أو أن الخوض فيها مرتبط بإنجاز المرحلة الحالية ونتائجها، ومنها ملف “دمشق” والتي تبقى خارج العملية حتى الوصول إلى المرحلة السيادية وبالتالي يبقى نظام الأسد مسيطراً عليها، وملف “حلب” الذي يرتبط بتفاهمات خاصة مع تركيا، وملف “شرق الفرات” ومصير قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني في الشمال السوري وملف “إدلب” في الشمال الغربي، وكلها سيجري التطرق إليها في المرحلة اللاحقة التي يفترض أن تنخرط فيها الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل قواتها المتمركزة في سوريا عقبة رئيسية أمام إتمام المخطط المطروح، كما تمثل العقوبات التي فرضتها مع الاتحاد الأوروبي عقبة قانونية واقتصادية أخرى تجعل تنفيذ المشروع غير ممكن دون موافقتها، وهو ما سيجري التفاوض من أجله لاحقا بالاستعانة بدول عربية وإقليمية".
أمام كل ذلك تبدو العين السورية في وضع الترقب ليس أكثر وتبدو القوى التي تسيطر على الأرض بما فيها قوات الأسد مرتهنة لمرجعياتها، ويغيب عن الخطط جميعها رغبة السوريين الذي ثاروا ضد نظام الأسد، وفقدوا أكثر من مليون شهيد، كما تغيب عن سائر الخطط المطروحة قضية المعتقلين والمختفين قسريا، وحزمة الحقوق العادلة واختزلت القضية بتعريفات تحت مسميات لا تتفق مع الحال الذي بدأت به ثورتنا، كما يغيب أثر الفعل المدني الثائر من مظاهرات وتنسيقيات على مستوى القواعد الشعبية لثورة التي تبدو ممزقة بين تأمين قوتها اليومي ومرهقة بالتشظي الذي لعبت دول كثيرة في تكريسه، ورغم دعوات كثيرة في الداخل للتجمع والتوحد على مبادئ أولية تشبه تلك التي انطلقت بها الثورة قبل 13 عاما؛ يظهر السوريون في تخبط بين قواعد شعبية منتهكة وأتعبها طول الطريق وبين نخب خذلت قواعدها وتشظت هي الأخرى في خضم الأيديولوجيات المتناحرة.