icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: هل ما يزال هناك لاجئون سوريون؟

2025.01.09 | 17:01 دمشق

في دمشق
‏ناشطون وصحفيون يشاركون في وقفة تضامنية في دمشق بعد الإطاحة ببشار الأسد ـ رويترز
The Foreign Policy - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، علقت دول أوروبية طلبات لجوء السوريين، مما أثر على أكثر من 100 ألف سوري، والاتحاد الأوروبي يدرس رفع العقوبات عن سوريا.
- الوضع الأمني في سوريا لا يزال غير مستقر، مما يثير قلق السوريين في أوروبا الذين استثمروا في بناء حياتهم هناك، حيث يعمل العديد منهم ويدفعون للضمان الاجتماعي.
- ترحيل السوريين يواجه تحديات قانونية، والدول الأوروبية مدعوة لتسهيل عودتهم لتفقد الأوضاع في بلدهم دون تهديدهم بفقدان صفة اللجوء.

علقت أكثر من اثنتي عشرة دولة أوروبية طلبات لجوء السوريين منذ أن أسقطت إدارة العمليات العسكرية نظام بشار الأسد، كما ألمح الاتحاد الأوروبي إلى احتمالية رفعه للعقوبات المفروضة على سوريا، لكنه ما يزال ينتظر ليرى كيف سيحكم القادة الجدد سوريا.

وأعلن ويليام سبيندلر، وهو الناطق باسم وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR) أن عملية إيقاف معالجة طلبات اللجوء فور سقوط النظام ألحقت الضرر بأكثر من 100 ألف سوري يعيشون في أوروبا، وغيرهم ممن يعيشون في سوريا ويسعون لطلب الحماية، غير أن الجدل حول هذه القضية في أوروبا انتقل إلى مناقشة ما إذا كان هنالك حاجة لتشجيع معظم السوريين، وبينهم من يحملون صفة لاجئ، أو حتى إجبارهم على الرحيل عن أوروبا بشكل جماعي.

ربط المساعدات بالعودة الطوعية

ثمة شعور دفين ينتاب المحللين والناشطين بشأن مصير السوريين الذين ينتظرون معالجة طلبات لجوئهم وأكثر من مليون ومئتي ألف سوري يعيشون في أوروبا بما أن وضع هؤلاء كلهم بات على المحك اليوم، فقبل كل ذلك طلب وزير الداخلية النمساوي، غيرهارد كارنر، من وزارته إعداد برنامج لإعادة السوريين وترحيلهم بطريقة منظمة، لكن الجدل بلغ أوج شدته في ألمانيا التي تؤوي قرابة مليون سوري مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية التي ستجري في 23 من شباط المقبل.

وبعيد زيارة وزيرة خارجية ألمانيا لدمشق ولقائها بالقائد السوري أحمد الشرع، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فريزر، عن احتمال إلغاء وضع الحماية الذي منح لبعض السوريين مع إمكانية ترحيلهم، إذ قالت عبر محطة إعلامية ألمانية: "بحسب ما ينص عليه قانون بلدنا، فإن المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين سيراجع ويلغي فكرة منح الحماية في حال عدم حاجة الأشخاص لهذه الحماية في ألمانيا نظراً لاستقرار الأوضاع في سوريا، وسيجري تطبيق ذلك فيما بعد على من لم يحصلوا على حق الإقامة لأسباب أخرى مثل العمل أو التدريب وعلى الذين لم يرجعوا إلى سوريا بصورة طوعية".

كما اقترح ينس شبان وهو سياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن تدفع الدولة مبلغ ألف يورو (أي ما يعادل قرابة 1031 دولاراً) لكل مهاجر سوري يتطوع بالعودة إلى سوريا. أما السياسي أليكساندر دوبرينت من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، فقد ذكر أنه "من الضروري ربط قضية الهجرة والعودة إلى الوطن بأي مساعدات تنموية يمكن تقديمها" ملمحاً إلى المساعدات المالية المخصصة لإعادة بناء سوريا ووجوب تقديمها مقابل ضمانات تكفل عودة السوريين إلى بلدهم.

"ما يزال الوضع غير آمن" في سوريا

هزت هذه التصريحات الجالية السورية التي يعتقد كثيرون بأنها اندمجت بشكل كبير مع المجتمع بفضل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الألماني، إذ إن نحو 226600 سوري لديهم أعمال ووظائف يزاولونها ويدفعون من رواتبهم للضمان الاجتماعي، في حين أن هنالك قرابة 279600 سوري مسجلين ضمن فئة الباحثين عن عمل، ومعظم السوريين يتمتعون بكفاءات جيدة نسبياً مقارنة بغيرهم من مجموعات اللاجئين.

في 25 كانون الأول الماضي، كان يوسف ومحمد وعيسى يحتسون الشاي في مطعم (حياتي) بمدينة فايمر الألمانية، بانتظار وجبة الشاورما التي طلبوها، وجميع هؤلاء يرغب في العودة إلى سوريا، ولكن بغرض الزيارة فحسب لا للاستقرار فيها من جديد.

يخبرنا عيسى، وهو طالب من مدينة دير الزور التي تخضع لسيطرة "قسد" والمدعومة أميركياً، بأن ما يقلقه هو التوتر بين "قسد" والجيش الوطني السوري المدعومين تركياً، ولهذا يقول: "قد يحدث أي شيء، أي أن الوضع ما يزال غير آمن" أما محمد الذي يعمل حلاقاً في صالون بولاية مكلنبورغ، فيخبرنا بأنه يرغب في مواصلة عمله وحياته في ألمانيا، لكنه يرغب في العودة إلى سوريا بهدف زيارة أسرته فحسب.

أعلن ناشطون أن السوريين في ألمانيا قد استثمروا كثيراً في بناء حياتهم من جديد في هذا البلد، وهذا ما لا يسمح لهم بترك كل ما بنوه فجأة. صحيح أن معظم السوريين قد يرغبون في الرحيل عن ألمانيا، إلا أن هنالك كثيرين ممن يفضلون البقاء فيها وإعادة بناء سوريا من خلال الأموال التي يكسبونها داخل أوروبا بحسب رأي هؤلاء الناشطين.

تعليقاً على ذلك يقول كارل كوب وهو متخصص بالعلوم الاجتماعية ومناصر لحقوق اللاجئين والمهاجرين لدى منظمة برو أسيل إن معظم السوريين في أوروبا سيبقون فيها، وخاصة من لديهم أعمال ووظائف ودخل أو أولاد في المدارس، وأضاف: "قد يرغب الكبار في السن بالعودة إلى سوريا ليمضوا سنواتهم الأخيرة في بلدهم الأم"، ويرى بأنه من السخف استبعاد السوريين والبلد بأمس الحاجة إليهم لملء الفراغ الحاصل في سوق العمل ضمن هذه القارة، إذ هنالك قرابة 200 ألف وظيفة بحاجة لمن يعمل بها في مجال التمريض وحده في ألمانيا.

حقل ألغام قانوني

كما ذكر عدد من الناشطين أن ترحيل أشخاص يحملون وضع الحماية سيتحول إلى حقل ألغام في المجال القانوني نظراً لأن عدداً من القوانين الوطنية والإقليمية والدولية توفر أشكالاً من الحماية التي تتداخل مع بعضها، ثم إن أي عملية ترحيل قسرية ما هي إلا خرق لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية جنيف لعام 1951، في حين يحمي الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان الحق بالحصول على الحماية الفرعية، وهي مرتبة أدنى من الحماية تقدم لمن هم عرضة لضرر جسيم في بلدهم الأصلي ولكنهم غير مؤهلين للحصول على صفة لاجئ.

يعلق كوب على ذلك بقوله: "يتمتع معظم السوريين في ألمانيا بصفة الحماية، ولكن دعوني أتحدث عن الشكل الذي يرغب فيه المتشددون، إذ سيخبرونك أنهم سيبقون على السوريين المندمجين بشكل جيد مع المجتمع، لكنهم يعتبرون البقية مجرمين، أو يعيشون على المساعدات الاجتماعية، ولهذا لا مناص من إعادة هذه الفئة".

وتتفق معظم الأحزاب السياسية في ألمانيا على وجوب ترحيل المهاجرين الذين لديهم سجل إجرامي، في حين اقترح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلغاء صفة الحماية الفرعية بشكل كامل، ومن المتوقع لهذا الحزب أن يتصدر الانتخابات التي ستقام في شهر شباط المقبل وأن يشكل الحكومة الألمانية الجديدة.

وهنالك اعتقاد سائد بأنه طالما رحل الأسد هو ونظامه فلم يعد هنالك أي مبرر لطلب الحماية أو تقديمها، وذلك لأن الحكومة التي كان الأسد يديرها اتهمت بانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل ممارسة التعذيب في السجون فضلاً عن الإعدامات الميدانية، وهذا السبب سبب شائع لطلب اللجوء في ألمانيا، ولكن: "عندما ينتفي سبب الرحيل عن البلد، يجب أن تصبح مسألة العودة إليه أمراً ممكناً" برأي السياسي دوبرينت، فضلاً عن أن القانون الألماني والقانون الدولي يبيحان إلغاء وضع الحماية.

أعلن المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين في ألمانيا أن إلغاء الاعتراف باللجوء يصبح واجباً من الناحية القانونية "في حال تغير وضع الاضطهاد بشكل دائم، أو في حال أصبح غير قابل للتطبيق، وفي حال عدم تعرض المعنيين بذلك للخطر حال عودتهم" إلى جانب شروط أخرى مثل: "في حال أصبح الأجنبي مجرماً جنائياً".

كما ينتهي العمل باتفاقية جنيف لعام 1951 في حال "عودة الشخص للاستفادة من حماية البلد التي يحمل جنسيتها"، أو الحاصل على جنسيتها، أو "في حال استقراره من جديد وبشكل طوعي في البلد التي رحل عنها أو بقي خارجها بسبب خوفه من التعرض للاضطهاد"، كما تنص تلك الاتفاقية على انتفاء العمل بها في حال "انتهاء الظروف التي تتصل بالاعتراف بلجوء الشخص" ومن هذه الظروف التهديد الذي كان الأسد يمثله هو ونظامه.

يرى بعض الناشطين أن السوريين الذين حصلوا على حق اللجوء هرباً من اضطهاد الأسد ونظامه قد يتعرضون لمعركة قانونية أشد ضراوة في حال قررت الأحزاب السياسية إعادتهم إلى بلدهم، في حين يرى آخرون أنه يجوز إلغاء هذا البند عند حدوث تغير طويل الأمد في الوضع الأمني، وليس فقط عندما يتراجع الاضطهاد الذي تسبب به الأسد وأجهزته الأمنية المشينة، ولكن مع ضمان عدم وجود ما يستدعي التخوف من حدوث انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.

وهذا ما دفع ويبكي جوديث وهي الناطقة الرسمية القانونية باسم منظمة برو أسيل إلى القول إنه حتى في حال إلغاء أي وضع، سيترتب على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أو على القضاة في المحاكم مراعاة مسألة احتمال تطبيق صفة حماية أخرى على الشخص نفسه، وتضيف: "وكمثال على ذلك أذكر المنع الوطني المفروض على عمليات الترحيل والذي تعبر عنه المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لأن هذه المادة تحظر أي عملية ترحيل في حال ظهور خطر التعرض للتعذيب أو لأي معاملة لا إنسانية أو مهينة، وينطبق ذلك على احتمال التعرض للفقر المدقع، الذي يمكن أن يتحول إلى خطر بالنظر إلى الوضع الإنساني المزري في سوريا"، كما يوفر القانون الألماني للمهاجرين السبل القانونية للطعن في قرار الترحيل.

السوريون في أوروبا بحاجة إلى براغماتية أكبر

ولكن بالنظر إلى الأمر بعين أكثر براغماتية، نصحت جوديث السوريين في ألمانيا الذين لا يحملون الإذن بالإقامة الدائمة في هذا البلد بالبحث عن خيارات أخرى تتيح لهم البقاء في ألمانيا: "مثل البقاء بموجب عمل، أو بموجب البطاقة الزرقاء الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، أو بموجب إقامة غير إنسانية تتيح لهم البقاء مع حصولهم في نهاية المطاف على إقامة دائمة إن كان ذلك ما يريدونه حقاً".

ويرى الناشطون أنه بدلاً من ترحيل السوريين بموجب قرارات لا بد لها أن ترهق كاهل النظام القضائي، يتعين على الدول الأوروبية أن تعين كل من يرغب في الرحيل على العودة إلى بلده مع احتفاظها بالبقية ليصبحوا رأسمالاً بشرياً لديها.

تعقيباً على ذلك، يقول جيرار صادق رئيس منظمة La Cimade المعنية بشؤون اللجوء إنه يتعين على الدول الأوروبية بداية أن تسمح للسوريين بالعودة إلى وطنهم وتفقد أمور البلد من دون أن تهددهم برفع صفة الحماية عنهم، وهذا ما دفعه إلى القول: "تتمثل المشكلة باحتمال خسارة السوريين لصفة اللجوء التي يحملونها حتى في حال عودتهم إلى سوريا لتفقد الأوضاع فيها وهل هي مناسبة لعودتهم أم لا، ولهذا أفضل أن يسمحوا لهم بالذهاب إلى سوريا حتى يتفقدوا الأمور ويقرروا إن كان بوسعهم العودة أم لا، وحتى يتأكدوا إن كانت بيوتهم ما تزال قائمة أم لا".

 

المصدر: The Foreign Policy