icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: ضحايا الزلزال في سوريا محاصرون من قبل الأسد

2023.02.08 | 15:41 دمشق

العاملون في مجال الإنقاذ يحاولون انتشال ضحايا الزلزال المدمر في مدينة جبلة السورية - التاريخ: 7 شباط 2023
العاملون في مجال الإنقاذ يحاولون انتشال ضحايا الزلزال المدمر في مدينة جبلة السورية - التاريخ: 7 شباط 2023
فورين بوليسي \تشارلز ليستر - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما أوى المدنيون إلى فراشهم في الشمال السوري ليلة 5 شباط، كان النزاع العسكري هناك في حالة هدوء نسبي، لذا لم يكن لديهم أدنى فكرة بأن أعنف زلزال ضرب المنطقة منذ قرابة مئة عام سينال منهم وهم نيام، وهكذا وبعد مرور 12 عاماً من النزاع العنيف استخدم فيه النظام تقريباً كل الأسلحة المتوفرة بين يديه ضد المدنيين، لم يعد بالإمكان مقارنة كل ذلك بدرجة الدمار التي خلفها الزلزال في شمال غربي سوريا. إذ بعد انقضاء يوم على ذلك، ما تزال حصيلة القتلى من السوريين التي تجاوزت الألفي شخص في ارتفاع، كما بقي المئات، إن لم نقل الآلاف منهم، عالقين تحت الأنقاض.

عندما يتصل الأمر بالمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا على وجه التحديد، فإن كارثة طبيعية كهذه لم يعد بمقدروها أن تضعف السكان الأشد ضعفاً وتضرراً بالأصل هناك، إذ قبل الزلزال، كانت تلك المنطقة تعبر عن واحدة من أشد الأزمات الإنسانية وأكثرها حدة على مستوى العالم، حيث يعيش أكثر من 4.5 ملايين نسمة، ضمن جيب لا تتجاوز مساحته 4% من مساحة سوريا، بينهم ثلاثة ملايين من النازحين، كما أن ما لا يقل عن 65% من البنى التحتية الأساسية تعرضت للتعطل أو الدمار الشديد بسبب الحرب، وصار 90% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تصل إليهم عبر معبر حدودي وحيد من خلال تركيا، ألا وهو معبر باب الهوى.

ثم إن الجهود التي تبذل لتمرير المساعدات عبر الحدود تمثل عملية جسيمة وضخمة، تعمل الأمم المتحدة على تنسيقها، إذ كان هنالك في السابق ثلاثة معابر تستخدم لتمرير المساعدات عبر الحدود إلى الشمال السوري، إلا أن روسيا أغلقت اثنين منهما عبر حق النقض في مجلس الأمن الدولي. وخلال السنوات القليلة الماضية، هددت روسيا بإغلاق معبر باب الهوى كلياً، الأمر الذي دفع هيئات الإغاثة الأممية والمنظمات غير الحكومية إلى إطلاق تحذيرات من تلك الخطوة التي تنذر بوقوع كارثة إنسانية. إلا أنه منذ وقوع الزلزال والمعبر مغلق، كما أن الطريق الرئيسي الوحيد الذي يربط تلك المنطقة بالداخل التركي قد تدمر هو أيضاً بشكل أعاق البنية التحتية للمساعدات الأممية، فصار العاملون في مجال الإغاثة يعانون من المصير ذاته الذي يعاني منه الملايين غيرهم ممن يعيشون في تلك المنطقة المنكوبة.

بيد أن هذا السيناريو كان الأسوأ بحق، أعني أن تضرب كارثة طبيعية مدمرة شعباً من أضعف شعوب خلق الله، فتسوي آلاف الأبنية بالأرض وتخلف الآلاف من الإصابات في ظل أشد ظروف الطقس سوءاً، مع عدم فتح أي طريق أمام المساعدات.

الخيار الوحيد: استجابة من طرف واحد

الوقت حاسم هنا، لأن السوريين في شمال غربي سوريا يفارقون الحياة مع كل دقيقة تمضي، وهم عالقون تحت الركام. كما أصبح الآلاف منهم مشردين أيضاً اليوم، من دون أن يتوفر لديهم أي مكان أو مأوى بوسعهم اللجوء إليه.

تعهد المجتمع الدولي بتقديم مساعدات كبيرة لتركيا، وله الحق في ذلك، ولكن كما درجت عليه العادة، يبدو بأن السوريين هم آخر من يفكر بهم العالم، فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المنظمات غير الحكومية السورية المدعومة أميركياً ستعمل على تقديم الاستجابة على الأرض، بيد أن ذلك وحده لا يكفي، لأن المنظمة غير الحكومية الرئيسية التي تعمل الآن، ألا وهي منظمة الخوذ البيضاء صاحبة الأيادي البيضاء البطولية، لديها ثلاثة آلاف متطوع يعملون وسط بحر من السكان يصل تعداده إلى 4.5 ملايين نسمة، وقد تأسست تلك المنظمة وتم تقديم التمويل لها حتى تقوم بتقديم الاستجابة عند وقوع غارات جوية بين الفينة والأخرى، لا لتقدم استجابة عند وقوع زلزال كزلزال يوم القيامة.

هنالك معبران حدوديان بديلان وهما معبر باب السلامة ومعبر اليعربية يمكن من خلالهما تقديم المساعدات، ولقد التزمت قسد، التي تشارك الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة، بتسهيل أمور استجابة الإغاثة الإنسانية من مناطق شمال شرقي سوريا، حيث نشرت الولايات المتحدة 900 جندي أميركي على الأرض. ما يعني أنه بوسع الولايات المتحدة أن تفعل الكثير لمساعدة المحتاجين، لكن ذلك لن يتم إن لم تكن الولايات المتحدة ترغب بذلك حقاً، لأن انتظار إعادة تفعيل الآلية الأممية لتمرير المساعدات عبر الحدود بهدف تنفيذ استجابة هناك لن يضمن سوى خسارة مزيد من الأرواح. ثم إن تلك العملية تتطلب ترتيبات معقدة وتمر عبر آلية بيروقراطية صعبة، كما أنها تكره المجازفة وتتعرض لضغوط من قبل النظام. وفي النهاية يمكن القول إن المشكلات اللوجستية التي عانت منها تلك الآلية عقب وقوع الزلزال هي التي جعلتها غير صالحة لتصدر عملية الاستجابة السريعة للكارثة. لذا فإن الخيار الوحيد المتاح هو تقديم مزيد من الجهود التي تقدمها جهة واحدة، تتصدرها الولايات المتحدة ومن يفكر مثلها من الدول الحليفة، إلى جانب قيام تركيا بتسهيل تلك العملية، هذا إن ذهبت الولايات المتحدة باتجاه هذا الخيار.

مناطق منكوبة ونظام متعنت

بعيداً عن مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا، بات احتياج المناطق التي يسيطر عليها النظام في حلب وحماة والساحل السوري لاستجابة عاجلة في مجال المساعدات من نافلة القول، وبما أن الولايات المتحدة وأوروبا تعتبران من أهم الدول المانحة فيما يتصل بالاستجابة الإنسانية في سوريا، لذا لا بد لهاتين الجهتين أن تلعبا دوراً محورياً في قدرة الأمم المتحدة على تقديم العون من خلال دمشق. ثم إن حكومات دول العراق والجزائر وروسيا والإمارات كلها قدمت مساعدات عاجلة إضافية، في حين تم رفض عرض لتقديم المساعدات من إسرائيل في السادس من الشهر الجاري.

قبل وقوع الزلزال، كانت المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام تعاني من تبعات الانهيار الاقتصادي الذي أوهن البلد، تلك التبعات التي ظهرت من جراء سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام في سعيه للبقاء في السلطة، وتسارعت بفعل الآثار غير المباشرة لأزمة السيولة النقدية في لبنان والتي ظهرت في عام 2019، ثم أتت بعدها جائحة كوفيد-19، وتبعتهما حرب روسيا على أوكرانيا، ثم التدهور الاقتصادي في إيران. إذ بعد التعرض لضغوط داخلية وتزايد النقمة الشعبية في سوريا، أصبح النظام بعد هذا الزلزال محشوراً في الزاوية، ولذلك سارع إلى إطلاق نداء للمساعدة وجهه إلى العالم بأسره، إلا أن مندوب النظام لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، أعلن في مؤتمر صحفي عقد يوم 6 شباط بأن سوريا ترحب بكل المساعدات التي عرضت عليها، إلا أن جميع تلك المساعدات يجب أن تمر عبر دمشق، بما يشير إلى منع مرور أي إغاثة إلى مناطق المعارضة بحكم الأمر الواقع.

نصف دولار من كل دولار 

لا بد للمجتمع الدولي أن يبقى على التزامه بسياسته القديمة التي تتصل بتقديم المساعدات عبر الحدود والجبهات حتى تصل لكل من يحتاجون إليها. كما تجب دراسة فكرة توسيع قنوات تمرير المساعدات لتمر عبر دمشق بصورة مؤقتة، إلا أن ذلك يجب ألا يتم إلا في حال السماح بتمرير المساعدات إلى شمال غربي سوريا، فالنظام لديه تاريخ طويل استمر على مدى عقد كامل من الزمان من التلاعب بالمساعدات الإنسانية وسرقتها وتجييرها لمصلحته واستغلالها. كما استطاع النظام كسب مبالغ طائلة عبر تلاعبه بأسعار الصرف فيما يتصل بالمساعدات الأممية، وبذلك ضمن لنفسه الحصول على نصف دولار من كل دولار يتم إرساله كمساعدات إلى سوريا. ولهذا علينا ألا نزيد من حدة تلك المشكلات، حتى في ظل هذه الظروف الطارئة.

تمهيد غير مقصود للتطبيع مع النظام

وبما أن الولايات المتحدة تمثل جهة فاعلة مسؤولة، لذا عليها أن تقدم المساعدات بما يتماشى مع الواجب الإنساني، أي أن أي تصرف يجب أن يتخذ لمنع ظهور أي معاناة إنسانية أو للتخفيف منها بعد ظهورها من جراء أي كارثة أو نزاع، لذا لا يجوز لأي شيء أن يتجاوز هذا المبدأ. وفي حال فشل الغرب في التمسك بشروط صارمة تم وضعها بالأساس من أجل تقديم المساعدات من خلال دمشق، عندئذ سيكون الغرب قد وصل إلى المخاطرة بشكل غير مقصود بتمهيد الطريق أمام عملية التطبيع مع النظام. ومن نافلة القول إن الثقة بتقديم استثناءات إنسانية للنظام ضعيفة جداً، وذلك لأن المجتمع الدولي في السنوات الأولى للأزمة وافق على تزويد روسيا حليفة النظام بإحداثيات كل المشافي الموجودة في شمال غربي سوريا، بهدف حمايتها من أي عمل عسكري، إلا أن تلك المعلومات سرعان ما تحولت إلى معلومات استخبارية خدمت عمليات الاستهداف، خاصة بعد تدمير كل مشفى تقريباً ورد في تلك القائمة عبر غارات دقيقة استهدفتها هي تحديداً.

النظام وأعوانه: شر لا بد منه

بالعموم، من المرجح أن يخرب النظام الأمور عبر التصرف بحماقة ورفضه لعروض المساعدة من الغرب، إلا أن الولايات المتحدة ومن يفكر مثلها من الحلفاء يجب ألا يضيعوا البوصلة في خضم الظروف الأوسع التي وقعت تلك المأساة فيها. إذ في حال قبول المساعدات التكميلية، ينبغي تحديد إجراءات صارمة تشترط وصول المساعدات للمجتمعات المستفيدة المتفق عليها سلفاً عبر جهات تنفيذية تخضع لفحص ومراقبة من قبل الأمم المتحدة. ولكن حتى تلك الإجراءات تبقى ناقصة ويعوزها الكثير، بما أن ربع الأموال المخصصة للمشتريات التي تقوم بها الأمم المتحدة تمر عبر كيانات وجهات فرضت عليها عقوبات، ولكن الأمم المتحدة على ما يبدو قد وافقت على هذا الشر الذي لا بد منه.

أنصاف الحلول تزيد الوضع سوءاً

وفي الختام، في حال قرر النظام السوري أن يدير ظهره للعروض الأجنبية لتقديم المساعدة أو في حال فرضه لشروط مستحيلة على تلك العروض، عندئذ يجب علينا أن نفكر ملياً بالعواقب الشديدة التي يمكن أن تترتب على هذه الأزمة. إذ قبل وقوع الزلزال، كانت سوريا تخاف من أن يظهر لها عفريت الانهيار الاقتصادي، والمعاناة الإنسانية، وانعدام الاستقرار على المستوى السياسي والعرقي والطائفي بشكل يعصى على أي حل. بيد أن أصل كل تلك الشرور، وهو النظام، لم يبد أي بادرة للانفتاح على أي تسوية أو تقديم أي تنازل، ولذلك وصلت نسبة الهجرة غير الشرعية في عام 2022 من سوريا إلى أوروبا إلى 100%. ومع ظهور آثار هذا الزلزال الكارثية إلى أبعد الحدود، لا بد أن ترتفع هذه النسبة إلى حد كبير بحلول الربيع. بيد أن المجتمع الدولي اختار لنفسه على مدار سنوات طويلة الركون إلى أنصاف الإجراءات والتدابير عندما يتصل الأمر بالملف السوري، وذلك حتى يتجاهل الأسباب الجذرية للمشكلة، أو حتى يتجاهل الأزمة برمتها، إلا أن الوقت قد حان اليوم لينتهي كل ذلك.

 

المصدر: Foreign Policy