ليس مفاجِئاً ولا غريباً حجم الحزن الذي طغى على منشورات ومقالات الأدباء والمفكرين والإعلاميين، ومختلف الكتاب والمؤلفين، وهم ينعون رياض الريّس مساء السبت الفائت.
فرياض الذي جعل من صنعة طباعة ونشر الكتب فنّاً وإبداعاً جديداً يُضاف إلى باقي الفنون، ولعله كَوَّن أول ثورة ثقافية- أدبية- اجتماعية، من بياض الورق، في العالم العربي بصورة عامة، وفي الأوساط السورية بشكل خاص.
التغيير الذي صنعه الريّس على الساحة الثقافية، سواء من خلال مضامين الكتب التي طبعها في "دار رياض الريس للكتب والنشر" أو من خلال مجلة "الناقد" التي أصدرتها الدار وتحوّلت لاحقاً إلى "النُقّاد"، نلمسه حين نعلم أن ثمّة أشخاصاً يصنّفون الكُتّاب والمؤلّفين بحسب إن كانوا نشروا كتبهم أو مقالاتهم عند رياض الريس أم لم ينشروا.
فواز حدّاد وشهادته بصديق "الحرية" في زمن الممنوع السوري
الكاتب والأديب الروائي السوري، فواز حداد، كان قد تعرّف القرّاء إلى رواياته جميعها من خلال نشْرِها في دار الريّس، وجمعته بالراحل رياض الريس علاقة صداقة متينة وأخوّة رسمتها مسيرة حداد الروائية المتميزة، وينفرد اليوم بنشر تفاصيلها موقع تلفزيون سوريا عبر حواره مع الأديب.
يُرجع حداد بدايات تعارّفه و"التعاون" الذي جمع بينه وبين الريّس إلى مرحلة كانت تشهد انتشار جيش نظام الأسد الأب داخل لبنان، والذي كان آنذاك بمنزلة احتلال لها.
في ذلك الوقت، يقول حداد: "تعرضت روايتي (صورة الروائي) إلى المنع في سوريا، ما اضطرني إلى النشر في لبنان، وكانت هناك محاذير حتى في لبنان، تعرضت لها رواياتي بعدها، كان النشر في بيروت لا يخلو من التحايل، بغية عدم تعريض الكتاب لرقابة اتحاد الكتاب".
ويصف حداد تلك الرقابة بصورة تقارب، نسبياً، ما كان يحصل في سوريا تحت ظلّ النظام "فالرقباء هناك يتشاطرون في استعمال سلطتهم ويتبارون في التنقيب ما وراء السطور، ويطلبون حذف مقاطع أو صفحات في حال الموافقة، بينما كانت رقابة وزارة الإعلام أخف وطأة".
ويتابع "عندما كتبت رواية (مرسال الغرام) كنت على يقين من أنه إذا كانت سترى النور في بيروت فليس إلا في دار الريس، فقد كانت دور النشر البيروتية تعمل حساباً للرقابة السورية، والوجود العسكري السوري في لبنان".
يعلّل حدّاد تحديد خياره بأن الريّس كانت "الدار الوحيدة التي لا تحفل بالمنع" مشيراً إلى أن صديقه الراحل رياض "لم يكن يهتم إلا بجودة الكتاب". ولم يوافق على نشر الرواية فحسب بل تجاوز أيضاً عن حجمها مشيراً إلى أن الناشرين لا يرغبون عموماً في نشر الروايات الضخمة لصعوبة تسويقها وعدم إقبال القراء عليها.
منذ ذلك الحين بدأ التعاون بين الصديقين، ويضيف حداد "رغم أن المنع طال رواياتي كلها، مع أن سوق الرواية الأول في ذلك الوقت، بالنسبة لنا نحن السوريين كان بلدنا سوريا، رغم هذه العقبة لم يتردد عن نشر كل رواية أكتبها. من دون أن يطلب مني حذف أي كلمة منها".
قدّمت لي الحرية
طباعة أعماله في دار الريّس كانت إنجازاً استثنائياً ومختلفاً في حياة حداد، لا سيما في ظلّ المنع الأسدي داخل سوريا "بالنسبة لي، كان أفضل ما حققته أن جميع رواياتي أصبحت منشورة في الدار التي لا يمكن لأي دار أخرى تقديمه لي من الحرية، وعن طريقها وجدت رواياتي طريقها رغم المنع إلى داخل سوريا".
تلك الدار التي أسسها رياض في لندن وانتقلت فيما بعد إلى بيروت، "لم يتخلّ رياض فيها عن شعار حرية الكاتب، وكانت تنشر ما لا يتجرأ غيره من دور النشر على الإقدام عليه" يقول حداد.
عن رياض الإعلامي والأديب
يربط حدّاد دار النشر بسمعة رياض الريّس، كصحافي ميداني وصاحب رأي متميز "في جرائد عدة منها الحياة و النهار".
أما مجلة "الناقد" فيربطها بسمعة رياض كأديب: "بالنسبة للأدباء، اكتسب سمعته من خلال مجلة الناقد التي أحدثت عدة انقلابات في الصحافة الثقافية، في ذلك الوقت تحت شعار (حرية الكاتب) لم تكن قولاً بل فعلاً، فحصدت المجلة سلسلة من المنع" حتى بعد أن تحوّل اسمها إلى "النُقاد".
عن رياض الإنسان والصديق والمعلم
في هذا الجزء، يطلق حدّاد العنان للجانب الوجداني فيقول في رياض إنه منحني "نعمة عظيمة، تعادل الحياة، جعلني أكتب واتنفس، بلا قيود، بلا رقيب ولا رقابة، لم أراع دولة ولا نظاماً ولا جهة، أنا مدين له، لم أضطر في زمن الربيع العربي إلى عمل أي حساب إلا للحقيقة والحرية والعدالة، وإذا كنت قد اتهمت ممن يدعون بالمثقفين بالطائفية، فلأنني متحرر منها، بينما هم الطائفيون، لا ينظرون إلى الانتفاضة السورية إلا من منظار طائفي".
ويستدرك "رحيل رياض، بالنسبة للسوريين، رحيل مظفر، لقد زرع قبل ذهابه شتلة الحق في حرية الكاتب، وهو أمر ليس بالقليل أبداً، وسوف تثمر في زمن مهما قيل فيه فهو (يقظة سورية)، أسهم فيها رياض بإتاحة الفرص في الناقد والنُقّاد ودار النشر، أمام الثقافة السورية واللبنانية للخروج من دائرة الطغيان والممنوعات.. شكراً رياض الريس، أستاذي وأخي وصديقي".