ملخص:
- اغتيال حسن نصرالله يضع حزب الله أمام خيارين: الرد على إسرائيل بشكل غير مسبوق أو الظهور بمظهر العاجز عن حماية نفسه وشعبه.
- منذ توليه قيادة حزب الله عام 1992، اكتسب نصرالله مكانة بوصفه قائدا خاض معارك عديدة مع إسرائيل وخرج منها بمظهر المنتصر.
- حزب الله يحتفظ بترسانة أسلحة ضخمة مقارنة بالجيش اللبناني، وتزايدت الغارات الإسرائيلية التي تسببت بمقتل المئات وتشريد آلاف الأشخاص.
- الغارات الإسرائيلية على قادة حزب الله البارزين أثارت تساؤلات حول قدرات الحزب العسكرية وإمكانية المبالغة في تقديرها أو تدميرها بالكامل.
- يرى المحللون أن حزب الله بحاجة إلى رد استراتيجي يعزز معنويات أنصاره ويؤكد قدرته على حماية شعبه، وسط تحديات تعويض القيادة والتواصل مع القاعدة الشعبية.
بعد اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، يبدو حزب الله أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها وحماية نفسه وقاعدته الشعبية، وفق ما يقول محللون.
ولطالما شكل نصرالله، الذي يعدّ حزبه القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، العدو اللدود لإسرائيل. ومنذ توليه منصبه عام 1992، اكتسب هالة بوصفه قاد حزبا خاض منازلات عديدة مع إسرائيل وخرج منها بمظهر المنتصر.
بعد قرابة عام من فتح حزبه جبهة "إسناد" لحركة حماس من جنوبي لبنان ضد إسرائيل، جاء مقتل نصرالله بغارة إسرائيلية في معقله في ضاحية بيروت الجنوبية الجمعة بعد خسائر غير مسبوقة تلقاها تباعا في الأسبوعين الأخيرين.
حزب الله أمام مفترق طرق
يقول مدير ملف سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن لوكالة فرانس برس "إذا لم يرد حزب الله في هذه المرحلة بضربة استراتيجية مستخدما ترسانته من الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك".
ويضيف "إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من حزب الله.. أو ستكون الهزيمة الكاملة".
وحزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة "مقاومة إسرائيل" التي احتلت مناطق واسعة في جنوبي البلاد بين العامين 1978 وأيار/مايو 2000. وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.
لكن بعد نحو عام من بدء تبادله القصف مع إسرائيل، بوتيرة ارتفعت حينا وتراجعت حينا آخر، حوّلت إسرائيل تباعا ثقل عمليتها العسكرية من غزة الى لبنان، إذ أسفرت غارات كثيفة تشنها منذ الإثنين عن مقتل المئات وتشريد نحو 120 ألف شخص من منازلهم.
"معادلة الردع"
أعقبت الغارات الكثيفة التي استهدفت بشكل رئيسي مناطق في جنوبي لبنان وشرقه، تفجير الآلاف من أجهزة اتصال "البيجر" التي يستخدمها حزب الله الذي اتهم اسرائيل بالوقوف خلفها، ما أسفر عن مقتل 39 شخصا وإصابة قرابة نحو 3000 آخرين بجروح.
وفي الأسبوع الأخير، أسفرت الضربات الإسرائيلية على بيروت عن مقتل عدد من قادة حزب الله البارزين، واحدا تلو الآخر.
ويقول الباحث في مؤسسة "سنتشري" سام هيلر لوكالة فرانس برس إن امتناع حزب الله عن ردع إسرائيل بعد اغتيالها زعيمه قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده.
وخلال نحو عام من التصعيد عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يرى هيلر أن حزب الله لم يستنفد بعد القدرات العسكرية التي لطالما لوّح بامتلاكها "وافترض معظمنا أنه يحتفظ بها"، حتى عندما كثّف خصمه الغارات ضده ونفذ عمليات متقدّمة.
ولا يستبعد أن تكون قدرات حزب الله "مبالغ فيها" أو أنه جرى تدميرها بالكامل من قبل إسرائيل.
منذ حرب صيف 2006 التي خاضها حزب الله وإسرائيل، و"هزم فيها الإسرائيليون"، كرّس حزب الله وفق هيلر "معادلة الردع الطويلة الأمد" مع إسرائيل، لكن "يبدو واضحا اليوم أنه لا يستطيع حماية.. نفسه".
"رفع معنويات"
مع خسارة قائدهم والرجل الأكثر نفوذا في لبنان، فإن أنصار حزب الله الذين شرّدتهم الغارات الإسرائيلية وحرمت أفرادا من عائلاتهم، سيتوقعون أكثر من رد رمزي، وفق محللين.
وترى الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون حزب الله أمل سعد أن الحزب الذي بات بلا قائد بعد الضربة الهائلة، سيحتاج إلى تحقيق توازن دقيق في اختيار رده.
وتتوقع أن يسعى الحزب من جهة إلى تفادي دفع إسرائيل لشنّ "حملة قصف شامل ضد بيروت أو أنحاء لبنان"، في حين يتعيّن عليه في الوقت ذاته "رفع معنويات" أنصاره ومقاتليه.
وسيتعيّن على حزب الله أيضا أن يُظهر أنه قادر على حماية شعبه، والانتقام من إسرائيل، مع الحفاظ على السلام بين مختلف المكونات الطائفية في لبنان، المنقسمة حول قضايا رئيسة بينها تحكّم حزب الله بقرار السلم والحرب.
وتدفّق عشرات الآلاف من مناصري الحزب المدعوم من طهران، من جنوبي لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية إلى مناطق أخرى ذات مكونات طائفية مختلفة، بحثا عن مأوى من الغارات الإسرائيلية.
ويرى الباحث في معهد كارنيغي للشرق الأوسط مهند حاج علي أن خسائر حزب الله الأخيرة أصابته بـ"شلل" محذرا في الوقت نفسه من استبعاد الحزب عن المشهد تماما.
ويقول "يتطلب الأمر قيادة جديدة، ونظام اتصالات، واستعادة سرديته والتواصل مع قاعدته الشعبية" لكنه سيكون من "الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة".
ولطالما كرّر كبار قادة حزب الله الإشارة الى أن القضاء على قياديين من صفوفهم لا يؤثر على بنية الحزب العسكرية وقدراته الميدانية.
وتشرح سعد في هذا السياق أن بنية حزب الله كمجموعة مسلحة "مصمّمة لاستيعاب صدمات مماثلة"، مشيرة على سبيل المثال إلى مقتل القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية بتفجير سيارته في دمشق عام 2008، والذي تم نسبه إلى إسرائيل.
وتضيف "عندما ينقشع الغبار، فإن أداء حزب الله لا يعتمد على شخص واحد"، مضيفة أن نصرالله في نهاية المطاف "ليس شخصية أسطورية، بل إنسان" عادي.