icon
التغطية الحية

علماء يحذرون من العواقب الوخيمة لارتفاع درجة حرارة البحر المتوسط

2022.08.18 | 14:20 دمشق

أحد سواحل البحر المتوسط في سوريا - المصدر: الإنترنت
أحد سواحل البحر المتوسط في سوريا - المصدر: الإنترنت
نيوز 10 - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي يستمتع فيه من يقضون عطلاتهم بحرارة الصيف في البحر المتوسط، يحذر علماء المناخ من العواقب الوخيمة التي ستنعكس آثارها على الحياة البحرية التي سجلت درجات حرارة قريبة من الاحتراق بسبب موجات حرارة مرتفعة متتالية.

إذ أعلن العلماء أنهم عاينوا ارتفاعاً استثنائياً في درجات الحرارة التي تراوحت بين 3 درجات مئوية إلى خمس درجات أي بمعدل أعلى من المعتاد خلال هذا الوقت من السنة، ولهذا تجاوزت درجة حرارة الماء 30 درجة مئوية في بعض الأيام.

ولقد استرعت درجات الحرارة العالية بشكل مفرط في أوروبا ودول حوض المتوسط اهتمام الصحافة والإعلام خلال هذا الصيف، إلا أن أحداً لم ينتبه أو لم يفكر بما يمكن أن يتسبب به ارتفاع درجة حرارة البحر.

تحدث موجات الحرارة في البحر بفعل التيارات البحرية التي تشكل مناطق للمياه الحارة، كما يمكن أن يسهم نظام الطقس والحرارة في الجو بزيادة درجة حرارة الماء، ومقارنة بما يحدث عند ارتفاع حرارة اليابسة، تمتد موجات الحرارة البحرية لفترات أطول، وتأتي بوتيرة متكررة بشكل أكبر، وتكون أشد مما هي عليه بالنسبة لليابسة، وكل ذلك يحدث بفعل التغير المناخي الذي تسبب به الإنسان.

يقول خواكيم غارابو وهو باحث لدى معهد العلوم البحرية في برشلونة: "إن الوضع مقلق للغاية، فقد دفعنا ذلك النظام نحو أقصى حدوده، ولهذا يجب علينا أن نفعل شيئاً إزاء مشكلات المناخ بأقصى سرعة ممكنة".

يعمل غارابو ضمن فريق بحثي نشر مؤخراً تقريراً حول موجات الحرارة في البحر المتوسط وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين 2015-2019، وورد في ذلك التقرير بأن تلك الظاهرة تسببت بنفوق جماعي لأنواع كثيرة من الأحياء البحرية، وصل عددها إلى 50 فصيلاً منها المرجان والإسفنج وأعشاب البحر، والتي تضررت على بعد آلاف الكيلومترات من سواحل المتوسط بحسب ما ورد في تلك الدراسة التي نشرتها مجلة Global Change Biology.

الضرر على الشواطئ السورية

إلا أن الوضع في شرقي حوض المتوسط مزر للغاية، وذلك لأن المياه في شواطئ قبرص ولبنان وسوريا تعتبر "الأسخن في البحر المتوسط بكل تأكيد" حسبما ذكر جيل ريلوف وهو متخصص في علم الأحياء البحرية لدى معهد أبحاث المياه العذبة والمالحة وأحد من شاركوا بكتابة تلك الورقة البحثية، وذلك لأن متوسط حرارة البحر خلال الصيف أصبحت تتجاوز اليوم 31 درجة مئوية، وارتفاع درجة حرارة البحار يدفع بالكثير من الأحياء البحرية الأصلية نحو حتفها، وذلك لأن درجات الحرارة في كل صيف أصبحت تتجاوز أعلى درجة حرارة سجلت في الصيف الذي قبله حسبما ذكر ذلك الباحث، الذي يخبرنا بأن ما شهد على حدوثه هو وفريقه من خسارة للتنوع البيئي من المتوقع أن يحدث غربي البحر المتوسط، في كل من اليونان وإيطاليا وإسبانيا خلال السنوات القادمة.

دور السياسة في حماية البيئة

في حين يشير غارابو إلى أن البحار تحمي الكوكب بما أنها تمتص 90% من فائض حرارة اليابسة، و30% من ثنائي أوكسيد الكربون المنبعث في الأجواء بسبب إنتاج الفحم والنفط والغاز، وهذا ما يحمي الكوكب من الآثار المناخية الأشد وطأة، إلا أن ذلك يمكن أن يستمر في حال بقيت البحار والمحيطات بحالة صحية، إلا أننا اليوم بحسب رأيه ندفع بالبحار والمحيطات نحو حالة غير صحية تتسبب في تعطل دورها ومهامها.

إذ في الوقت الذي ينبغي فيه الحد من انبعاثات غاز الدفيئة إلى أقصى الحدود وذلك لتخفيض حرارة البحار، يتطلع العلماء للدول بشكل خاص لتتكفل بحماية 30% من المناطق البحرية وإبعادها عن الأنشطة البشرية التي تشمل الصيد، لأن ذلك قد يمثل فرصة بالنسبة لتلك الأنواع البحرية حتى تتعافى وتزدهر.

يذكر أن 8% من المناطق المطلة على البحر المتوسط تخضع للحماية في الوقت الراهن.

ولهذا يرى غارابو وريلوف بأن السياسيين لا يدركون حجم الضرر الذي يمكن لارتفاع درجة حرارة مياه البحر المتوسط أن يخلفه، ويعلق ريلوف على ذلك بالقول: "من واجبنا نحن العلماء أن نلفت نظرهم ليفكروا بالأمر ملياً".

كائنات بحرية في خطر

يذكر أن موجات الحرارة المرتفعة تحدث عندما ترتفع درجة حرارة الطقس لأيام متتالية دون أي هطول مطري أو هبوب أي ريح، وتسهم موجات ارتفاع الحرارة في اليابسة بموجات الحرارة المرتفعة في البحار، أي أن إحداهما تتسبب بوقوع الأخرى ضمن حلقة مفرغة.

ولقد أصبحت موجات ارتفاع الحرارة على اليابسة أمراً يحدث كثيراً في العديد من الدول ضمن حوض المتوسط، وهذا ما يتسبب بأضرار جسيمة مثل حرائق الغابات، وموجات الجفاف، وخسارة المحاصيل، وارتفاع درجات حرارة الطقس بشكل مفرط.

غير أن موجات الحرارة المرتفعة في البحار يمكن أن تخلف أضراراً أشد بالنسبة لدول حوض البحر المتوسط التي يعيش فيها أكثر من 500 مليون إنسان، وذلك إن لم تتم معالجتها بأقصى سرعة حسب رأي العلماء، وذلك لأن هذا قد يتسبب باستنزاف مخزون الأسماك كما سيضر بالسياحة إلى أبعد الحدود، ناهيك عن العواصف المدمرة التي يمكن أن يتكرر وقوعها على اليابسة.

على الرغم من أن المتوسط يمثل أقل من 1% من المياه السطحية البحرية في العالم، إلا أنه أحد أهم مستودعات التنوع الحيوي في البحار، إذ يشتمل على 4-18% من فصائل وأنواع الأحياء البحرية المعروفة، إلا أن أكثر الأنواع البحرية تضرراً هي تلك التي تلعب دوراً أساسياً في حماية تنوع البيئات البحرية واستمرار وظائفها، وذلك لأن أنواعاً مثل مروج الأعشاب البحرية من نوع بوسيدونيا أوسيانيكا التي بوسعها أن تمتص كميات هائلة من ثاني أوكسيد الكربون إلى جانب حمايتها للحياة البحرية، أو الأرصفة المرجانية التي تعتبر موطناً للكثير من الأحياء البرية، قد تصبح في خطر.

ويخبرنا غارابو بأن نفوق تلك الأنواع لوحظ ضمن مساحات تتراوح ما بين السطح و45 متراً تحت عمق البحر، حيث وصلت موجات الحرارة البحرية المسجلة إلى درجات استثنائية، كما أضرت موجات الحرارة تلك بأكثر من 90% من سطح مياه البحر المتوسط.

وبحسب ما نشر في أحدث أوراق بحثية، فإن درجة حرارة سطح الماء في البحر المتوسط ارتفعت بنسبة 0.4 درجة مئوية خلال كل عقد وذلك ضمن الفترة الواقعة ما بين 1982 و2018. أما سنوياً، فقد ارتفعت تلك الحرارة بنسبة 0.05 درجة مئوية، على مدار العقد الماضي، دون وجود ما يشير إلى توقفها عن الارتفاع، وذلك لأن ارتفاع الحرارة لأقل من درجة يمكن أن يخلف أضراراً كارثية على صحة البحار بحسب ما يقوله الخبراء.

ازدادت المناطق المتضررة وتوسعت منذ ثمانينيات القرن الماضي، فأصبحت تشمل معظم مناطق حوض المتوسط بحسب ما ورد في الدراسة، إذ يقول غارابو: "إن المسألة لا تتصل باستمرار الطبيعة فحسب، لأن التنوع الحيوي لابد وأن يجد طريقة ليعيش من خلالها على سطح هذا الكوكب، إنما المسألة تتصل باستمرارنا بهذا الاتجاه، والذي قد يحرم مجتمعنا والبشر جميعاً من العثور على مكان صالح للعيش".

المصدر: نيوز 10