لا سيرة تٌذكر عن "رجل الأعمال الصاعد" عامر تيسير خيتي قبل آذار 2011، إلا أنه كان كحال ملايين السوريين -غير الجامعيين وأصحاب الشهادات- الذين يجهدون بالبحث عن لقمة عيشهم، فيعملون في معظم المهن اليدوية، لكنّه زاد على معظم أقرانه بعمله في تجارة المواشي.
بعد منتصف عام 2011، كان عامر خيتي على موعد مع نقلة جذرية بحياته، راكبا موجة تجار الأزمات الذين غيروا لاحقا من تركيبة السلطات في بلدان الربيع العربي، بعد اصطفافهم مع الأنظمة القمعية الحاكمة ضد الشعوب الثائرة، إذ نشأت علاقة الانتفاع المتبادل بين الاثنين، وفي سوريا برز مئات من هؤلاء، وخيتي ابن مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، المولود في تموز عام 1980 يعد أبرزهم، فالرجل أصبح لاحقا يمتلك أذرعا طويلة اقتصادية وسياسية تُغير وتأمر وتنهى، ما شد انتباه وزارة الخزانة الأميركية التي شملته بعقوبات في 9 من تشرين الثاني 2020، فرضتها حينئذ على 11 كيانا يدعم نظام الأسد.
صعود على ظهر حصار النظام لسكان الغوطة الشرقية
في العودة إلى بدايات الثورة السورية انتهز عامر خيتي حالة الفوضى التي خلقتها تعاملات النظام القمعية مع المتظاهرين وظهور الميليشيات المتعددة، قرر حينئذ العمل في تجارة الخضار في دمشق، فازدهرت بشكل سريع، ومع سيطرة فصائل المعارضة على الغوطة الشرقية نهاية عام 2012، وخروجها عن سيطرة نظام الأسد، وجد في حاجزين عسكريين للنظام كانا يطوقان الغوطة عند "مخيم الوافدين" ومنطقة المليحة وجد طريقة للتنسيق والتشبيك مع ضباط هذين الحاجزين لزيادة أمواله، فاستغل عامر خيتي مع أقربائه أوضاع الناس وحاجاتهم الشديدة أثناء الحصار المفروض على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وعمل وسيطاً لإدخال البضائع وشراء أراضي الناس ومزارعهم بأسعار بخسة، وكانت عمليات شراء العقارات تتم عبر شقيقه عبد الرحمن تيسير خيتي الذي يُقال عنه إنه كان قياديا في فصيل معارض داخل الغوطة.
لم تستمر تجارة العقارات كما في البداية بسبب قصف نظام الأسد والحصار الخانق الذي فرض عليها من ميليشيات إيرانية و"حزب الله" و"فيلق القدس" و"الفرقة الرابعة"، لينتقل خيتي وشركاؤه في دوما نحو الحوالات المالية لتصبح مكاتب الصرافة التابعة له بمسميات مختلفة منتشرة في أرجاء الغوطة.
بين عامي 2014 و2016 انتقل عامر خيتي بعد أن جمع أموالا طائلة إلى تركيا وأنخرط في أعمال استثمارية من بيع وشراء العقارات وإنشاء المجمعات السكنية والتجارية ضمن الأماكن الحيوية في مدينة إسطنبول، بمشاركة رجال أعمال سوريين وأتراك. ثم توجه بعدها إلى مصر ومنها إلى السودان التي يقال إنه حصل على جنسيتها، ثم إلى عُمان والأردن التي حصل فيها على إقامة بعد أن أنشأ فرعا لإحدى شركاته هناك.
وفي شهر نيسان عام 2018، وبعد انتهاء عملية التهجير القسري لأهالي الغوطة الشرقية وسيطرة الروس والنظام والميليشيات الإيرانية على الغوطة الشرقية دخل عامر خيتي إلى مدينة دوما، وبدأ يلمع نجمه هناك بعد أن أصبح ثريا، وكان من أول أعماله التي عكست طبيعة علاقته الجديدة والمتجذرة مع النظام، هي إعادة بناء شعبة تجنيد دوما وقسم الشرطة، حيث رممها بزمن قياسي، كي يتيح ذلك لنظام الأسد فرض سطوته الأمنية عبر عمليات السوق الإجباري لأبناء المدينة، كما ساهم مع رجال أعمال آخرين متواطئين مع نظام الأسد في إعادة ترميم بلدية دوما و المحكمة ومؤسسات أخرى.
وكي يٌحسّن من صورته أمام سكان دوما، اعتمد خيتي على محي الدين المنفوش وهو أحد تجار الحرب في الغوطة أيضا ومقرب من ضباط ومسؤولين داخل مراكز صنع القرار في النظام، فقام بالاهتمام بالواقع الخدمي والمعيشي، وبدأ بترميم عدة مراكز يحتاجها الأهالي أهمها المدرسة الثانوية والإعدادية والمستوصف، لكنه بالمقابل استخدام الأهالي أصحاب المهن في عمليات البناء والإكساء وترحيل الأنقاض وغيرها، وبذلك بنى حاضنة له.
وهنا لا بد من ذكر بعض شركاء عامر خيتي الذين ساعدوه في توسيع نفوذه وثروته كـ خالد وغسان الرحيباني ومحمد الساعور، وشقيقه عبد الرحمن وهو المسؤول عن أعمال عامر في تركيا وشقيقه نور الدين المسؤول عن التجارة في مصر.
"برلماني" تنقل بين أحضان الروس والإيرانيين
في عام 2013 توطدت علاقة عامر خيتي مع إيران ونشطت تجارته بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية حيث غزت الحبوب المخدرة مدنا سورية بجهوده، حيث كان رئيسا لـ "غرفة التنسيق السورية الإيرانية للاستيراد والتصدير"، وهذا ما وفر له الحماية التي يحتاجها للوقوف في وجه منافسيه، لكن ومع التدخل الروسي في سوريا في أيلول 2015، نقل عامر خيتي علاقاته من الإيرانيين إلى الروس، وأصبحت صلته مع أسماء الأسد مباشرة.
وبات خيتي الذي أصبح عضوا في "برلمان الأسد" الرقم واحد في دمشق وريفها وصاحب النفوذ الأكبر والثروة الأعلى ومن أراد العمل في هاتين المنطقتين عليه أن ينسق معه و إلا سيكون مصيره كمصير كل من حاول أن يقف في وجهه حتى لو كان من أبناء الطائفة أو من المقربين، ومن الجدير ذكره أن رئيس بلدية دوما الذي تسلم منصبه بعد عودة النظام لمدينة دوما نبيل طه الذي تسرب خبر خلافه مع خيتي، قد اعتقل منذ نحو عام بسبب نفوذ هذا الأخير.
إلى جانب طه، شنت "الصحفية" لمى توفيق عباس ابنة القرداحة، حملة إعلامية ضد عامر خيتي فاضحة ملفاته بالتعامل مع فصائل المعارضة و ملفه بالمخدرات، لكن صوتها لم يكن مسموعا إلا عند أجهزة النظام التي فرضت عليها التوقف عن حملتها ضد خيتي.
يد اقتصادية طولى يمدها عامر خيتي في دمشق وريفها
يدير ويمتلك مجموعة من الشركات، فازت إحدى شركاته بعقد بقيمة 10 ملايين دولار، لتصدير الخضار والفواكه الى روسيا. وهو شريك مؤسس بنسبة 45 في المئة من "شركة خيتي القابضة" الخاصة في دمشق، التي أُسست في حزيران 2018، برأسمال مليار ليرة سورية. ويشاركه في ملكيتها أخوه عبد الرحمن بنسبة 45 في المئة، ولكل من فاطمة زياد خيتي، وروضة عدنان الصباغ 5 في المئة، وهو مدير "شركة أرض الخيرات"، ورئيس مجلس الإدارة في "شركة الليث الذهبي لخدمات النقل والشحن"، ومدير عام "شركة الصقر للحوالات المالية" حتى نهاية العام 2019.
وعامر خيتي مدير وشريك مؤسس في "شركة العامر لصناعة المجبول البيتوني والبلوك والبلاط"، ويمتلك 500 حصة في الشركة بنسبة 5 في المئة، قيمتها 2.5 مليون ليرة. ومدير وشريك مؤسس في "شركة العامر لصناعة البلاستيك"، ويمتلك 500 حصة في الشركة بنسبة 5 في المئة، قيمتها 2.5 مليون ليرة. وشريك مؤسس في "شركة العامر للتطوير والاستثمار العقاري" ويمتلك 25 ألف حصة بنسبة 50 في المئة، وتبلغ قيمتها 25 مليون ليرة. ورئيس مجلس الإدارة وشريك مؤسس في "شركة أرض الخير" ويمتلك 5 آلاف حصة بنسبة 50 في المئة، وتبلغ قيمتها 25 مليون ليرة. ورئيس ومؤسس "لجنة العمل التنموي في دوما"، ورئيس "لجنة المواد الغذائية في مجلس رجال الأعمال السوري الإيراني"، ورئيس "لجنة تجار ومصدري الخضار و الفواكه".
استكمالاً لمسيرة الاحتكار والاستغلال التي بدأ بها عامر خيتي، استطاعت "شركة خيتي" في آذار 2018، الحصول على ترخيص من وزارة "التجارة الداخلية" لتكون أول شركة لـه في تجارة الحديد والإسمنت والبحص والرمل والمقاولات، بحيث أصبحت عملية إعادة الإعمار في ريف دمشق بيده من دون منافس أو منازع.
مهندس حملة إعادة انتخاب بشار الأسد في دوما
كان أهالي دوما نهاية أيار الماضي على موعد مع حدث لم يتوقوعه كمعظم السوريين، حين وصل بشار الأسد وزوجته أسماء يرافقهما عدد من المطبلين لهما من بينهم عامر خيتي، حيث شارك بشار الأسد فيما تسمى "الانتخابات الرئاسية".
سبق هذا الحدث، إشراف عامر خيتي على إقامة مسرح في ساحة بلدية دوما التي شهدت أكبر مظاهرات المدينة ضد نظام الأسد لتقام فيها على مدار عدة أيام عدة حفلات فنية دعما لبشار الأسد.
ولعل آخر نشاطات خيتي في دوما هو إشرافه في 5 حزيران الحالي، على إطلاق نظام الأسد 22 موقوفا من سجونه معظمهم من مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، حيث كانوا موقوفين في فرع "أمن الدولة".