بمجرد أن أعلن قادة ألبانيا وإيطاليا عن إبرام الطرفين لصفقة مريبة في مطلع هذا الأسبوع، تقضي بأن يقوم الطرفان معا بمعالجة طلبات اللجوء التي يتقدم بها المهاجرون القادمون بحراً، رأى بعض النقاد في تلك الدولة الواقعة غربي البلقان تلك الصفقة بمثابة حالة معاملة بالمثل.
فقد استقبلت إيطاليا آلاف الألبان الهاربين من جحيم الفقر عقب سقوط الشيوعية في ذلك البلد قبل أكثر من ثلاثة عقود، وتريد الحكومة الألبانية اليوم أن ترد هذا الجميل لإيطاليا وأن تكافئها على حسن استقبالها لرعاياها.
ولذلك، أعلنت ألبانيا يوم الاثنين الماضي عن اتفاقها مع إيطاليا على إيواء الآلاف من المهاجرين، في الوقت الذي ستسرع فيه روما معالجة طلبات لجوئهم في إيطاليا، بحيث يصل المعدل السنوي للمقبولين إلى نحو 36 ألفاً. وفي المذكرة الموقعة بين البلدين ورد بأن إيطاليا ستوافق على ترحيل المهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم، في حين طالبت المفوضية الأوروبية بمزيد من التفاصيل.
الأرملة الغربية
وجهت منظمات حقوقية وغيرها انتقادات كبيرة لهذه الصفقة التي ينبغي على البرلمان الألباني الموافقة عليها، وذلك لأنها يمكن أن تعود بالضرر على ألبانيا في الوقت الذي تسعى فيه تلك الدولة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما خرجت أحزاب إيطالية يسارية معارضة في تظاهرات مناهضة لتلك الاتفاقية، في الوقت الذي انقسم فيه الشعب الألباني حيالها، إذ يخبرنا بيب لازري، 66 عاماً، وهو مواطن يعيش في قرية جادور شمالي ألبانيا، حيث من المقرر إقامة مركزين لاستقبال المهاجرين، بأنه يرحب بتلك الخطوة نظراً للصلات التاريخية التي تربط بين البلدين، ويقول: "جميع أولادي يقيمون خارج البلد، فلقد رحب بنا الطليان قبل 30 عاماً، والأمر هنا يعود لنا إن كنا نريد أن نسمعهم (أي المهاجرين) كلاماً طيباً، وأن نبقيهم لدينا، ونفتح لهم قلوبنا".
في عام 1991، قدم نحو 20 ألف ألباني على متن سفينة مكتظة بشكل يهدد بغرقها إلى منطقة بوليا الواقعة جنوب شرقي إيطاليا، كان ذلك قبل مرور عام كامل على إعلان التعددية السياسية في ألبانيا التي بقيت الشيوعية تحكمها لعقود فمنعتها من الانفتاح على العالم، كما أتت تلك الحادثة بعد مرور أشهر على إقامة أول انتخابات ديمقراطية في ألبانيا.
انتشر وقتئذ الفقر وأصبحت السلع الأساسية مفقودة وعلى رأسها الخبز، فوجد الألبانيون في إيطاليا أمهم الغربية التي ترملت على حد وصفهم، وهكذا استقر كثير من الألبان في إيطاليا وحصلوا على وظائف فيها وأسسوا أسراً هناك.
أعلن رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، يوم الاثنين الماضي عن عقد اتفاقية مدتها خمس سنوات مع إيطاليا وذلك في أثناء وجوده في روما بجانب نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني، وأعرب راما عن امتنانه باسمه وباسم الشعب الألباني الذي وجد ملاذاً آمناً له في إيطاليا بعد أن فر من الجحيم وهو يحلم بحياة أفضل على حد وصفه.
ولكن بالنسبة لغالبية الشعب الألباني، خيمت حالة من التشوش والارتباك حتى من الغضب على مشاعر الناس بعد الإعلان المفاجئ عن هذه الصفقة، إذ ستقدم ألبانيا مقرين للمهاجرين، أحدهما في ميناء شنجين وهو أهم مركز سياحي يبعد مسافة 75 كيلومتراً عن جنوبي العاصمة الألبانية تيرانا، ولقد استقطبت هذه المدينة الساحلية رفقة المنطقة المحيطة بها نحو مليون سائح خلال هذا العام.
لا سبر لرأي العامة في ألبانيا
إلا أن كثيرين يخشون من أن يؤثر مركز استقبال المهاجرين سلباً على البلد، بعدما تحولت ألبانيا إلى وجهة سياحية مهمة خلال هذا العام، إذ زار أكثر من تسعة ملايين سائح ساحلها البكر حتى تاريخ اليوم من هذه السنة.
وعن ذلك تقول أريلدا ليشي، 27 عاماً، وهي ناشطة حقوقية حدثتنا من تيرانا: "لن تتوافق فكرة إقامة مخيم للاجئين في تلك المدينة الساحلية مع فكرة الحكومة التي تسعى لتحويل البلد إلى مركز سياحي يستقطب النخب الأوروبية".
أزعج هذا المخطط كثيراً من الناس وذلك لأن هذه الاتفاقية التي أخبرتنا ليشي بأنها: "تؤثر بشكل كبير على الناحية الاجتماعية قد أبرمت من دون التشاور مع الطبقات الاجتماعية على وسعها، ويبدو أن رئيس وزرائنا تسلم مهامه ليحل مشكلات العالم وذلك حتى يحقق حظوة على الصعيد الدولي، قبل التشاور مع شعبه".
أما من سيجري ترحيلهم فسينقلون إلى جادور التي تبعد عشرين كيلومتراً عن شمالي ميناء شنجين، وقد كانت مدينة جادور تشتمل في السابق على مطار عسكري.
هذا ولقد تعهدت إيطاليا بدفع تكاليف بناء مركزي الاستقبال بحيث يتسع كلاهما لنحو ثلاثة آلاف مهاجر في وقت واحد، كما ستوفر ألبانيا حماية للمركزين من الخارج، وسيخضعان للسلطة القضائية في إيطاليا. ولكن في الوقت الذي تقدم فيه المذكرة لألبانيا تطمينات أمنية ومالية كبيرة، لم تصف شكل إجراءات الهجرة التي ستطبق داخل المركزين بحسب رأي الخبراء، إذ يقول هان بيرينز من المعهد الأوروبي لسياسات الهجرة: "لم ينظم أي خبير بمسألة الهجرة هذه الاتفاقية، ولذلك لدينا تساؤلات كثيرة حول طريقة عملها".
سيجري نقل المهاجرين إلى ألبانيا على متن سفن إيطالية، إذ وافقت إيطاليا على ترحيل كل من رُفض طلبه للحصول على حماية دولية وذلك بموجب هذه المذكرة، بيد أنها لم تحدد طريقة ترحيلهم، والتي ستكون عبارة عن عملية شاقة وطويلة الأمد في أغلب الأحيان، كما لم تتطرق للحديث عن المكان الذي سيخضع فيه المهاجرون للتفتيش قبل أن يجري نقلهم إلى ألبانيا، وهل ذلك سيتم في البحر أم على الأراضي الإيطالية.
تاريخ ألباني طويل مع استقبال المهاجرين
أيد ساندر ماراشي المسؤول عن الميناء والمركز المخصص لمعالجة طلبات المهاجرين الاتفاقية التي أبرمتها الحكومة، وقال بأن المنشأة الجديدة لن تكون مشكلة بالنسبة لعمليات الميناء المعتادة، وأضاف: "تظهر تلك الاتفاقية مدى حسن استقبال الشعب الألباني وبأن ذلك بالفعل وليس بالقول فحسب".
غير أن بعض أبناء الشعب الألباني فوجئوا بتلك الاتفاقية التي لم يفهموا ما تعنيه تماماً.
لدولة ألبانيا تاريخ قريب مع استقبال اللاجئين الهاربين من النزاعات والفقر، فقد آوت لفترة مؤقتة نحو أربعة آلاف أفغاني في عام 2020، ومايزال عدد ضئيل من الأفغان يعيشون في ألبانيا بانتظار السفر إلى الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية.
تحدث رئيس الوزراء راما أيضاً عن كيفية استقبال الشعب الألباني للألبان الهاربين من كوسوفو إثر المجازر التي ارتكبها الرئيس الصربي سلوبودان ميلوزوفيتش في عام 1999، وقد آوت ألبانيا أيضاً يهوداً لجؤوا إليها هرباً من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
اتفاقية "سخيفة ومخادعة"
بيد أن مسؤولين في الحكومة الألبانية رفضوا إجراء أي مقابلة عندما طلبت منهم أسوشيتد برس الحديث عن الصفقة الجديدة التي أبرمتها حكومة بلادهم مع إيطاليا، إذ لا بد من موافقة البرلمان الألباني على الاتفاقية قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ولهذا طالبت المعارضة السياسية في ألبانيا رئيس الوزراء بإبلاغ البرلمان بفحواها قبل أن يصوت عليها، لكن لم يحدد موعد التصويت حتى الآن.
يشغل الاشتراكيون الذين ينتمي راما لحزبهم 74 مقعداً في البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 140، أي نظرياً لن تواجه الحكومة أي مشكلة في إقرار هذه الاتفاقية، بيد أنها خلقت حالة بلبلة بين صفوف الشعب الألباني بقطاعاته المختلفة لدرجة جعلت من احتمال إقرارها مشكلة حقيقية.
يصف آلبرت راكيبي من المعهد الألباني للدراسات الدولية هذه الاتفاقية بالسخيفة والمخادعة ولهذا لا يمكن أن تدوم لأنها غير منطقية، ويضيف: "لم يخاطر الآلاف من الناس بأرواحهم حتى يصلوا إلى أوروبا الحلم ليكون أمامهم مستقبل ينتقلون فيه للعيش في مخيمات أقيمت في بلد صغير وفقير خارج حدود الاتحاد الأوروبي".
المصدر: Associated Press