يعيش مخيم الركبان الذي يقع في المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، وهي منطقة نائية قاحلة تماماً في البادية السورية، مآسي حقيقة على كافة الأصعدة؛ وقلّما يُذكر أو تزوره جهة محلية أو دولية لمساعدته، بل ويُشاع أنّ سكانه من بقايا داعش، علماً أن هذا محض افتراء؛ فالمخيم يحوي ممن حارب تنظيم داعش وتعرض المخيم لهجومين من قبل التنظيم.
يقطن حالياً أكثر من سبعة آلاف إنسان مخيم الركبان رفضوا الذهاب إلى النظام السوري، وأطبقت قوات النظام الحصار عليهم في 2018م بدعم روسي، حيث لم يتمكنوا من الوصول إلى المناطق (المحررة) الخارجة عن سيطرة النظام، ويعيشون لليوم بلا تعليم ولا رعاية صحية ويفتقرون لمقومات الحياة الأساسية.
لجأ الكثير من قاطني المخيم للزواج المبكر حتى أصبحت ظاهرة عامة علّها تكون نجاة لبعض النساء
ومع بداية فصل الصيف وازدياد الطلب على المياه، تم تخفيض نسبة المياه المخصصة إلى النصف والتي تنقل عبر صهاريج من الأردن بإشراف اليونيسيف.
لجأ الكثير من قاطني المخيم للزواج المبكر حتى أصبحت ظاهرة عامة علّها تكون نجاة لبعض النساء، وأيضا من صور المعاناة أنه إذا احتاج أحد لعمل جراحي فهناك قصة طويلة ومعقدة ليتم الإجراء عبر الهلال الأحمر السوري ليؤمن لهم علاج بأقرب منطقة، بينما الولادات تتم عبر قابلات يقمن بالعمل حسب خبرة متواضعة اكتسبوها، وقد كانت احتاجت مُعلمة مدرسة إلى عملية قيصرية فقامت القابلات بتلك العملية عبر الاتصال بأطباء عبر الزووم ليشرحوا لهن ما يقمن به ونجحت العملية بمعجزة!!.
ورغم وجود المخيم قرب التحالف الدولي، إلا أنّ مخيم الركبان يعيش الإهمال بكل أشكاله، ولا ينصت لهم أحد!.
وعندما أجرى بعض قاطني المخيم تواصلاً مع بعض الجهات مثل الهلال الأحمر للذهاب للشمال وضع النظام شروط قاسية؛ فهو يريد معاقبة هؤلاء الناس الذين لم يرضخوا له، وفي شهر مايو/ أيار أصبح النظام يمنع حتى المهربين من إدخال الدواء وغيره للمخيم!.
يعيش المخيم حالة حياة ما قبل العصور الوسطى في العصر الحديث، بل وأسوء حيث تتكون خيمه من الشوادر والقش والطين، وبعض المزروعات القليلة وبعض المواشي، وعدد المرضى كبير مع فقدان الدواء لاسيما الأدوية لبعض الأمراض التي تؤخذ بانتظام، والبعض يحتاجون لعلاج عاجل لإصابتهم بأمراض خطيرة ومعدية قد تودي بحياة البعض للموت فضلاً عن الجهل والفقر وسوء التغذية وشح المياه.
المخيم يحتاج للفتة إنسانية لأكثر من سبعة آلاف إنسان، ويحتاج تأمين سبل الحياة الأساسية، سواء حفر الآبار لتأمين المياه الكافية، وتمديد صرف صحي وأنظمة فلترة للمياه، ولا بد من وجود مدرسة، ومركز تعليم مهني، للقضاء على الفراغ وعلى الجهل وهذه بمجموعها قنبلة موقوتة للمستقبل إن بقي هذا الإهمال.
فالفقر والجهل والإهمال نتيجتهما كارثية على الإنسان والمجتمع، حيث إنّ مخيم الركبان مُحاصر منذ سنوات من قبل قوات النظام السوري الذي يمنع خروج ودخول أبناء المخيم، وبالتالي يُعتبر قاطنوه بمثابة محتجزين فيه، وذلك بهدف دفعهم للفرار إلى مناطق النظام السوري أو مناطق أخرى.
هؤلاء الباقون رفضوا الخضوع للأسد وتحملوا كل فقدان سبل الحياة لعلهم يرجعون يوماً إلى ديارهم وأراضيهم ويعبرون من هذا المخيم في الصحراء إلى الحرية
وأسوأ أسلوب وضيع هو استخدام الحالة الإنسانية ورقة ضغط في الحسابات السياسية، فهؤلاء المحتجزون في سجن كبير بائس اسمه مخيم الركبان، يحتاج منّا كل الجهود للوقوف معهم وإيصال صوتهم، فهؤلاء الباقون رفضوا الخضوع للأسد وتحملوا كل فقدان سبل الحياة لعلهم يرجعون يوماً إلى ديارهم وأراضيهم ويعبرون من هذا المخيم في الصحراء إلى الحرية بعد كل هذا العناء وهم المحتجزون في البادية السورية منذ سنين وإلى اليوم، ولا تلقى أصواتهم متابعة واهتماماً، بل أصواتهم سارت بها الركبان دون صدى، وهم أصحاب تلك الصرخة ويأملون أن تصل للمسامع، فالإهمال والفقر والجهل يصنع قنابل موقوتة بشرية تظهر بأشكال شتى مستقبلاً.
والوقوف مع المآسي الإنسانية هو دعم وإثبات لإنسانيتنا.