حظي خبر الغارة التي شنتها قوات العمليات الخاصة الأميركية للقضاء على زعيم تنظيم الدولة بمتابعة كبيرة لأسباب عديدة، ولكن لا شيء أهم من السؤال: لماذا مايزال المكتب التنفيذي يحتفظ للمرة الثانية بتلك القوى التي تتصرف كما الملوك؟ وثمة سؤال آخر حول التوقيت واقتراب مريب لنشوب أزمة في أوكرانيا، وكأن تنفيذ عملية عسكرية خارج منطقة الحرب المعلنة في الشرق الأوسط، وذلك عبر الاستعانة بتفويض استخدام القوة الصادر في عام 2001، يفيد كعامل ردع للعمليات الروسية في أي مكان آخر.
وهنا يجب ألا نخطئ، وذلك لتداخل الحالتين المتمايزتين، فقد تم كف يد الولايات المتحدة فأصبحت عاجزة عن نزع فتيل الوضع في أوكرانيا فتعرضت لأزمة مصداقية بعد مضي سنوات طويلة على محاربتها للإرهاب في تلك الحرب لم تحد من التطرف العنيف إلا بنسبة قليلة على المستوى الدولي. إذ لسوء الحظ، أصبح الجيش الأميركي أسيراً لعدم قدرة الإدارات الأميركية المتعاقبة على اتخاذ سياسات بناءة تقوم بتوجيه مشاريع الدفاع والاستخبارات نحو تهديدات جديدة وخطيرة تحيط بالنظام الدولي". وفي ذلك سبب آخر للقيام بغارة على مجمع سكني تم اختياره في منطقة قصية من العالم، وذلك لإظهار قدرة وصول الجيش الأميركي إلى أي مكان في العالم ضمن استعراض للقوة.
إلا أن قابلية نجاح هذه المهمة على الساحة الدولية لاستراتيجية الأمن القومي ليست أكثر من لفتة جوفاء في حال تم القيام بها برعاية سلطة قانونية غامضة قائمة على التجاوز.
فالنشاطات العسكرية الأميركية في سوريا والتي يعود تاريخها لتفويض الاستخدام الحصري لسلاح الجو في عام 2014 عقب ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة التي تضم سوريا والعراق، قامت على أساس وثيقة تأسيسية للحرب الدولية على الإرهاب، ألا وهي وثيقة استخدام القوة الموقعة في عام 2001. إذ على مدار السنوات الاثنتين والعشرين الماضية، كانت التغييرات الوحيدة التي أجرتها العديد من الإدارات الأميركية تتمثل بتوسيع الشروط والبنود وزيادة أسماء لقوائم الجهات المستهدفة. أما النص المحدد الذي يتصل بتوسيع تلك السلطات فيما يتعلق بسوريا وتنظيم الدولة الإسلامية فقد ورد فيه الآتي: "الاستعانة بالغارات الجوية وغيرها من الإجراءات اللازم القيام بها ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة" مما يجعل قائمة الخيارات واسعة أمام أي مسؤول ليقوم بإطالة أمد استراتيجية النزاع المعطوبة مع تمتعه بسلطات واسعة نادراً ما تعبر عن قدرة على الردع مع أكثر الأزمات الأمنية إلحاحاً مثل تلك التي تحدث في أوروبا الشرقية.
عقب اغتيال زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي في عام 2019 وذلك في غارة مماثلة شنتها قوات العمليات الخاصة الأميركية، أفادت قيادة قوة المهام المشتركة وعملية العزم الصلب بأن: "مقتل البغدادي لم ينتج عنه أي تدهور في إمكانيات تنظيم الدولة في سوريا". وبعيد ساعات فقط من مقتل البغدادي قبل عامين، تولى الشخص الذي تم استهدافه بالغارة خلال الأسبوع الماضي قيادة تنظيم الدولة. وكما تعلمت القوات الغربية على مدار عقدين من الزمان عملت فيها على تفكيك شبكات المتمردين في أفغانستان والعراق، فإن التخلص من "زعيم مهم" لا يؤدي إلى تفكيك التنظيم أو حله، بل إن جهازاً أمنياً قوياً بالإضافة إلى وجود مؤسسات شرعية في الدولة المتضررة وحدها من يستطيع منع ظهور تطرف عنيف، كما أن مواصلة عمليات التدخل دون إعلان الحرب بشكل قانوني لن يخدم أي هدف من أهداف الشرعية الأمنية الأميركية خارج حدود الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن ردع روسيا لن يتم إلا عندما تكتشف الولايات المتحدة كيف بوسعها أن تتدخل لمواجهة موسكو في مجال مختلط. وهنا تبقى القوة الخشنة مهمة في هذا السياق، إلا أن مواصلة التدخل بصورة مشتتة وانفعالية لاستهداف شخصيات تتمتع بأهمية كبيرة في حروب غير معلنة يعني عدم الاستعانة بالقوة الخشنة كما يجب.
وللتأكيد على هذه النقطة لا بد أن نقول: كم عدد المواطنين الأميركيين الذين سمعوا باسم أبي إبراهيم الهاشمي القريشي قبل أن يصدر البيت الأبيض بياناً رسمياً ورد فيه اسم زعيم تنظيم الدولة هذا؟ إذ عندما قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بانتهاك سلطات الحرب لديه للتخلص من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، كانت الشخصية المستهدفة معروفة بين صفوف الأميركيين، ولذلك لم ينتقد أي من الحزبين ما قام به ترامب، تماماً كما حدث مع بايدن عندما مارس للمرة الأولى سلطات تفويض استخدام القوة خلال الأسابيع الأولى من توليه للحكم وذلك عبر تفويضه لشن غارات جوية على مقاتلين مدعومين إيرانياً في شمال شرقي سوريا. بل حتى إخراج المسرحية التي مثلها كبار المسؤولين الأميركيين وهم يراقبون الغارة التي وقعت خلال الأسبوع الماضي، وهو إخراج يشوبه قدر كبير من الدراما المتمثلة بتعطل المروحية، يشبه إلى حد كبير المشهد الدرامي الذي يصور الغارة التي قتل فيها أسامة بن لادن في عام 2011 بتوجيه من الرئيس أوباما، تلك الغارة التي عارضها بايدن، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس وقتئذ، وذلك خوفاً من وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين.
أي إن المشكلة ماتزال قائمة، إذ بالرغم من تصريح الرئيس بشكل رسمي بأنه يؤيد فكرة إلغاء تفويض استخدام القوة، مايزال هذا التفويض يمثل أحد أكبر عيوب الشرعية الأميركية، بما أنه أداة ليست لدى الإدارة الحالية أية تحفظات تجاه استخدامها. وكان آخر استخدام لتلك السلطة القائمة على التجاوز يتمثل في محاولة استعراض حالة الضرب بيد من حديد أمام روسيا والصين، إلا أن الواقع يظهر الولايات المتحدة وكأنها عاجزة عن الخروج من النمط الذي بقيت فيه طوال عشرين عاماً، في حين أن تعقيدات الوضع الديناميكي الأمني على المستوى العالمي تزداد وتتطور كل يوم.
ولذلك يجب على الكونغرس أن يستأثر بتفويض سلطات الحرب، لأن هذه المؤسسة تمثل بناءً أقيم على أسس متينة، ولهذا عليه أن يميز بين رئيس الولايات المتحدة والقادة المستبدين الذين لا يمنعهم أي شيء عن إصدار أوامر لشن عمليات عسكرية من تحت عباءة الملك التي يرتدونها.
المصدر: ذا هيل