البث المباشر
في عام 2013، كانت مي حبيب تتصفح موقع شركة GitHub عندما عثرت بالصدفة على وسيم الشيخ وهو إداري متنفذ لدى شركة تقنية بدبي كان قد انخرط في تقنيات التعليم الآلي التي كانت حينها جديدة والتي تعمل على تلخيص كم كبير من المعلومات.
وعلى الفور لفت نظر مي حبيب التي ترعرعت في قرية صغيرة بلبنان قبل أن تهاجر إلى كندا في تسعينيات القرن الماضي هرباً من الحرب الأهلية، مدى التشابه بينها وبين وسيم الشيخ، الذي اضطر لمغادرة بلده سوريا هو أيضاً، ولكن لسبب مختلف، وذلك لأنه قام في أيام مراهقته بقرصنة موقع وزارة الداخلية السورية.
وبعد مرور عشر سنوات، وافتتاح شركتين ناشئتين، تصدر الثنائي أحدث موجة من الشركات التي تعمل على إنتاج الذكاء الصناعي والتي تحولت إلى التيار السائد، في الوقت الذي اكتسحت فيه التطورات في مجال أدوات التحويل والنماذج التعليمية التقنيات البدائية التي كان الشيخ يجربها قبل عقد من الزمان، ولذلك تستعين شركتهما الناشئة Writer التي تعمل على توليد الذكاء الصناعي بنماذجها اللغوية الواسعة التي تعرف باسم Palmyra وذلك لتسمح للمشاريع التجارية والموظفين بكتابة المحتوى وتحريره، ويشمل ذلك الرسائل الإلكترونية والوثائق والإعلانات والملخصات، وكلها لابد وأن تلتزم بالمعايير التحريرية للشركة المعنية.
وبخلاف الأغلبية الساحقة من النماذج التي تعمل على إنتاج الذكاء الصناعي الموجودة حالياً، والتي تخرف أو تقدم معلومة غير صحيحة، وفي ذلك مشكلة حقيقية بالنسبة للشركات التجارية التي تقوم بدمج التقانة في عملها، تخبرنا مي التي تشغل منصب المدير التنفيذي لشركة Writer بأن أحدث نسخة من نموذج الشركة للذكاء الصناعي اللغوي لن تقدم أي شيء غير صحيح من ناحية الحقائق، ويعود الفضل في ذلك إلى بنية النموذج الذي صمم ليولي الدقة أولوية على الإبداع.
وهذا منطقي من الناحية التقنية بدرجة معينة، إذ يرى براناف ريدي، وهو أحد المستثمرين من شركة Conviction سبق له أن عمل لدى شركة Neeva الناشئة التي أطلقت محرك بحث يولد ذكاء صناعياً، بأن: "بنية النموذج تؤثر قطعاً على نسبة التخاريف، ولكن لا توجد بنية لنموذج تضمن عدم إصداره لتخاريف"، ولكن في تلك الحالة النادرة التي تقوم فيها تقنية الشركة بالتخريف فعلاً، تخبرنا مي حبيب بأن Writer تسلط الضوء على جزء من النص الذي يكون بلا مصدر.
ومن بين عملاء الشركة ممن اشتروا هذا المنتج شركات عملاقة مثل شركة أوبر وديلويت وسبوتفاي وآكسينتشر، إذ لدى تطبيق Writer نماذج خاصة برفع الشكاوي فيما يتصل بقانون إمكانية نقل التأمين الصحي والمساءلة عليه في أميركا، حيث تعمل تلك النماذج على فحص أدق التفاصيل في خطط التأمين الصحي، وبعدها يقوم بكتابة سجلات أو رسائل إلكترونية تشرح تلك الخطط لمقدمي الرعاية الصحية والمرضى. فلقد نشرت شركة إنتويت الأميركية المتخصصة بالبرمجيات سجلها الذي كتبه لها تطبيق Writer بناء على بيانات مالية، كما استعانت شركة لوريال به لكتابة وصف منتجاتها ولنشر إشعاراتها. كما يمكن لعملاء تطبيق Writer أن يدخلوا إليه تدوينة صوتية أو مقطع فيديو فيحوله إلى مادة مكتوبة، ولهذا كانت شركة تويتر من أوائل عملاء تطبيق Writer، إلا أنها لم تدفع ما ترتب عليها من فواتير كما ذكرت حبيب التي رفعت دعوى ضد الشركة التي يملكها إيلون ماسك في أواخر شهر شباط الماضي لتخلف الأخيرة عن السداد.
تم تدريب نماذج تطبيق Writer على المعلومات العامة وكذلك على البيانات الخاصة التي تمتلكها الشركات مثل ملفات بي دي إف الخاصة بها، وخطها التحريري، والكلمات الخاصة بعلاماتها التجارية، فكونت بذلك 30 ملياراً من المعايير، حيث تحصل كل شركة على نسخة مخصصة لها من النموذج، وتحفظ البيانات ضمن نظام التخزين السحابي لدى الشركة، وعن ذلك تقول حبيب: "تستخدم البيانات كفهرس ونتبع هذا المسار في الشرح الذي يظهر المصدر الذي أتينا من خلاله بحقائق معينة".
دخلت هذه الشركة التي صنفت من بين أهم 50 شركة للذكاء الصناعي في عام 2023، في منافسة مباشرة مع شركات ناشئة أخرى تقوم بإنتاج الذكاء الصناعي ورد اسمها ضمن القائمة نفسها، وذلك لكونها تستهدف قطاع المشاريع التجارية والأعمال، بيد أن الشركة ما تزال تحاول اللحاق بركب منافسيها فيما يتعلق بالتمويل، وبما أن قيمتها قد بلغت 155 مليون دولار، لذا فقد حصلت شركة Writer على 26 مليون دولار كتمويل استثماري من قبل شركة Insight Partners و Upfront Ventures وغيرها. في حين تتمتع الشركة التي تقدم أداة جاسبر لحقوق ملكية الذكاء الصناعي بتمويل خرافي إذ تصل قيمة مواردها المالية إلى 125 مليون دولار كرأسمال استثماري، إلا أن الميزة الأساسية لـ Writer بحسب ما ذكره الشاب والشابة اللذان أسساه أنها تستعين بعدد هائل من النماذج اللغوية الخاصة لها (بخلاف جاسبر التي تعتمد على تطبيق جي بي تي 3.5 الذي أصدرته شركة OpenAI)، كما تعمل شركة Writer على تدريب تلك النماذج على البيانات الخاصة بكل شركة بهدف الحصول على نتائج أدق.
وحول ذلك يخبرنا المدير التقني للشركة، وسيم الشيخ، فيقول: "معظم الشركات في هذا السوق تعمل على مستوى التطبيق فحسب، كما أنها لا تقوم بذلك على أكمل وجه، بل إنها تستخدم عملياً تقانة أنتجتها شركة أخرى وكل ما تفعله هو إضافة عناصر المستخدم بحسب كل شركة، وخير مثال على ذلك شركة جاسبر، التي تعتبر مجرد شركة تقوم بإعادة بيع المنتج. ولكن كيف لشركة الذكاء الصناعي عندما لا تتحكم بالذكاء الصناعي الذي تنتجه أن تتحكم بجودة المخرجات؟"
تقوم استراتيجية هذه الشركة الناشئة التي أقيمت في سان فرانسيسكو الأميركية على معالجة عملية توجه الذكاء الصناعي لتوليد حقائق تتصل بطريقة إنشائه، إذ في الكواليس تستعين شركة Writer بالتعليم الآلي، ومعالجة اللغات الطبيعية وأدوات التحويل من أجل فهم النص وتوليد غيره. كما تجمع بين عناصر التشفير التي تعتبر جزءاً من أداة التحويل والتي تعمل على فهم النص، وعناصر فك التشفير، أي العناصر التي تتوقع النص وتقوم بتوليده.
وبخلاف غيرها من النماذج، تقوم نماذج Writer بإنتاج حوار بين عناصر التشفير وفك التشفير، وبمجرد أن يستوعب عنصر التشفير السؤال، يأتي بالمعلومة من قاعدة البيانات التي تم رفعها من قبل الشركة العميلة، ثم يبلغ عنصر فك التشفير بطريقة توليد رد بناء على ذلك، وتعلق حبيب على ذلك بقولها: "من خلال هذه الطريقة نستطيع أن نتوخى الدقة ونحن نكتب بلغة شاملة".
ويشاطرها في ذلك ريدي المستثمر من شركة Conviction والذي يرى بأن نماذج التشفير وفك التشفير ليست مثالية وكاملة، لكنها أفضل من ChatGPT من حيث الدقة، وهذا ما دفعه للقول: "تقل نسبة التخاريف مع النماذج القائمة على التشفير وفك التشفير مقارنة بما لدى النماذج التي لا يوجد فيها سوى أداة للتشفير، إلا أن النتيجة التي تحصل عليها مقابل ذلك هي أن تلك النماذج (أي القائمة على التشفير وفك التشفير) أقل إبداعاً وابتكاراً".
تخبرنا حبيب بأن زبائن شركتها يهتمون باستخدام الصياغة وعلامات الترقيم الصحيحة بشكل أكبر في المحتوى الخاص بعلاماتهم التجارية، ويفضلون ذلك على إمكانية كتابة القصص والقصائد والأشعار، كما تخبرنا بأن أي قصة تظهر في المحتوى الذي كتب بوساطة تطبيق Writer هي قصة حقيقية وليست خيالية.
وبما أن شركة Writer يهمها اسمها، لذا فإن أدواتها تنتج فقط نصوصاً دون أي محتوى بصري كالصور والفيديوهات، حيث تقدم شركات ناشئة أخرى تعمل على توليد الذكاء الصناعي في مجال الأعمال هذه الخدمة، مثل شركة Typeface، كما يمكن ربط هذا التطبيق بأدوات كثيرة للكتابة وإنتاج المحتوى مثل Google Docs و Microsoft Word وFigma. وتتراوح قيمة تطبيق Writer في مختلف بقاع العالم ما بين 30 ألف دولار حتى المليون دولار، ويحدد السعر بناء على عدد الكلمات التي يولدها، ومن خلال هذا النمط التجاري، من المتوقع لشركة Writer أن تحصل عائدات تصل إلى 20 مليون دولار خلال عام 2023.
هذا وتقدم شركة Nvidia التجهيزات المادية (أي وحدة معالجة الرسومات ووحدة التحكم الرئيسية) لشركة Writer بسعر رخيص نسبياً، وذلك لأغراض الحوسبة والبيانات التدريبية، وعن ذلك يحدثنا الشيخ فيقول: "هدفنا اليوم هو تدريب نماذج أصغر قدر الإمكان حتى تبقى التكاليف زهيدة علينا وعلى عملائنا".
ويخبرنا الرائدان المهاجران في مجال الأعمال بأن تطبيق Writer يمثل حالة دمج لخبراتهما الشخصية مع اللغة الإنكليزية والأسس التجارية التي كوناها في مجال التعليم الآلي، إذ كانت حبيب التي تخرجت من جامعة هارفارد أول امرأة في أسرتها تدرس في الجامعة، وقد ساعدت أسرتها على تعلم اللغة الإنكليزية، أما الشيخ فقد علم نفسه بنفسه كيف يتحدث بالإنكليزية عندما كان في العشرين من عمره، وذلك حتى يدرس علوم الحاسوب، وهذا ما دفعمها لإطلاق أول مشروع لهما في عام 2015 وهو عبارة عن برناج للترجمة قائم على التعليم الآلي يحمل اسم Qordoba وقد ساعد شركات من أمثال Sephora وVisa على ترجمة محتواها الرقمي إلى لغات ولهجات أخرى، قبل أن يتطور البرنامج ويتحول إلى Writer في عام 2020.
تختتم حبيب الحديث بالقول: "إن وسيلة اللغة التي تستخدم لتحقيق تقدم في العالم كانت هاجساً لنا على الدوام، وهذا ما دفعنا للتفكير بالأمر ملياً".
المصدر: Forbes
