دفع فن الدوبلاج إلى جانب الدراما التلفزيونية، اللهجة السورية إلى الانتشار في الوطن العربي، خلال السنوات الماضية، خاصة بعد اعتمادها في دبلجة المسلسلات التركية، لكنها بدأت بالتراجع كغيرها من الفنون في سوريا بفعل "الشللية والمحسوبيات".
واليوم يصدم الشباب السوري، ممن يحاولون إيجاد فرصة عمل في مجال الدوبلاج، بعوائق عديدة، منها مفتعل ومنها يعود لطبيعة المهنة. فما آليات عمل شركات الدوبلاج في سوريا وكيف تحقق أرباحها؟
تأخر في دفع المستحقات
يعاني الممثلون العاملون في شركات الدوبلاج من عدم الانتظام في استلام مستحقاتهم، فالأعمال التي يقومون بدبلجتها يستلمون أجرها بعد أشهر من الانتهاء منها، بسبب تأخر الشركات الأم بإرسال الأجور، بحسب تصريحات أصحاب شركات لموقع تلفزيون سوريا.
يتلافى الممثلون هذا الانقطاع المالي بالعمل في أكثر من شركة معاً إن استطاعوا، والاعتماد على سياسة الادخار بانتظار استلام الدفعات، وفي الوقت الذي حددت فيه نقابة الفنانين أجر المشهد الواحد بـ 18 ألف ليرة سورية، إلا أن هناك مشكلة مستمرة بين أصحاب الشركات والممثلين فقليلة هي الشركات التي تلتزم بتسعيرة النقابة وتعتمد في ذلك على اعتبارات كثيرة منها خبرة الممثل وقدمه في المهنة، ومنها ما يتبع لعلاقات شخصية وعلاقة الممثل نفسه بالنقابة والخوف من العقوبات المترتبة على كسرهم للأجر، ويعاني الممثلون الخريجون حديثاً حتى لو كانوا نقابيين من الأجور المتدنية التي يتقاضونها، وهم مجبرون على القول أمام النقابة إنهم يتقاضون أجورهم بشكل نظامي في حين تستغل الشركات حاجتهم للعمل وتكسر الأجر إلى النصف أو أقل من النصف وذلك يتبع سياسة كل شركة وأسلوبها بالربح.
الدوبلاج في سوريا.. أجور زهيدة وأرباح كبيرة
تتقاضى شركات الدوبلاج أجور الأعمال بالدولار وأرباحها أعلى بكثير مما هو متوقع ويمكنها دفع الأجور للعاملين بشكل نظامي مع بقاء معدل الربح عالياً لديها، حيث تأخذ مقابل الدقيقة الواحدة للأعمال العالية الجودة مثل الأعمال التركية 23 دولاراً، وبحسب تقسيمات النقابة فكل مشهد هو ثلاث دقائق، أي 75 دولاراً أي ما يعادل مليون ليرة سورية، يحصل الممثل على 18 ألف ليرة على المشهد، ومهندس الصوت على 5 آلاف ليرة وعامل المكساج أيضاً على 5 آلاف ليرة، والمترجم بين 2500 إلى 3 آلاف ليرة سورية والمعد يحصل على ألفي ليرة، أي أن المشهد الواحد لا يكلف الشركة مئة ألف ليرة سورية، وهناك بعض الشركات التي تتلاعب في حساب المشاهد فمن الممكن أن تحسب خمس دقائق كاملة من المشهد، وعن معاناة الشباب الجدد في المهنة تحدث أحدهم لموقع تلفزيون سوريا، والذي فضل عدم ذكر اسمه، قائلا: "بداية عملي في مهنة الدوبلاج اعترضت طريقي الكثير من المشكلات أهمها أن المشرفين لا يفضلون العمل مع الشباب فهم يتقاضون أجورهم على الساعة التلفزيونية أي كل ما زاد إنجازهم زادت أجورهم، ولذلك لا يرغبون العمل مع مبتدئين ويعتبرون ذلك مضيعة لوقتهم".
هذه إحدى المشكلات التي يعاني منها الشباب يضاف إليها صعوبة شق الطريق في المهنة وإثبات الذات والاحتراف وعن ذلك يقول الممثل: " بدأت العمل بالمتفرقات أو بشكل أدق لغَط مع المجموعة ومن الصعب في هذه الحالة أن تظهر قدراتك الصوتية أو اللغوية وأداؤك، إلا إذا حالفك الحظ وانتبه لك مشرف ما أو كنت تمتلك مميزات أو ابتكرت أساليب لتظهر قدراتك".
وبالنسبة للأجور وطريقة استلامها يتابع: "الشركات تتأخر بدفع المستحقات منتظرة ارتفاع سعر الصرف، ولا يمكنك معرفة ما تقبضه فبعضهم لا يعطون إيصالات بعدد المشاهد أو يقتطعون منها، وإن طالبتهم بإيصال يفعلون ذلك ويكون هذا آخر وصل لك ويستغنون عن خدماتك بعدها".
وبالرغم من أن النقابة فرضت عقوبة إيقاف العمل على الشركات التي لا تلتزم بالأجر الذي فرضته، إلا أن معظم الشركات تفعل ذلك ومن الصعب أن تضمن لك النقابة حقك، فبمجرد شكواك أنت تغامر بنفسك ولا يمكنك ضمان العمل مرة أخرى، خاصة أن هناك ممثلين كباراً في المهنة يقبلون بكسر السعر.
أزمة مترجمين ومعدين
تبدأ عملية الدوبلاج من الترجمة عن اللغة الأصلية ومن ثم يتم إعداد النصوص لتتوافق الكلمات المكتوبة مع حركة الشفاه وطول الجملة التي ينطقها الممثل، وتعتبر عملية إعداد النصوص من أكثر المشكلات التقنية التي يواجهها الممثلون السوريون في عملهم مع الشركات، إذ يضطرون في كثير من الأحيان أن يعيدوا إعداد النص أثناء تسجيلهم بسبب عدم التوافق في الكلام وحركة شفاه الممثل أو ضعف صياغة الجمل، بسبب عدم وجود معدين متمرسين بالدرجة الأولى، وضعف هذه المهنة وأجورها أيضاً، فيقوم المعدون بتمرير النصوص بشكل سريع ودون مهنية وتدقيق، هذا بالإضافة لانعدام الخبرة وانشغال المعدين بالعمل على توفيق الكلام مع صوت الممثل على حساب الصياغة للنص، وهذا يؤدي إلى مرور الكثير من الكلمات المكررة والجمل التي لا معنى لها، تتراوح أجور المعدين بين ألف وخمسمئة إلى ألفي ليرة سورية ويختلف السعر بحسب لغة العمل، فالتركي تتفوق أجور إعداده على الهندي والبرتغالي أو الإسباني، وتبقى هذه الأجور متدنية وتنعكس آثار تدني الأجور على العمل وحرفيته حيث يعمل المعدون على النصوص دون اهتمام بالمحتوى والصياغة وتفاصيل الحكاية.
الإشراف وصعوباته
المشرفون بدورهم يعانون من عدة مشكلات، والمشرف هو الذي يعمل على تسجيل الصوت للممثل ويشرف على لغته وأدائه، هناك مشرفون متمرسون في المهنة لكنهم قلائل، وهناك شباب تعلموا المهنة ويحاولون دخول الشركات ويتم استغلال حاجتهم للعمل أيضاً، فهم يعانون من تدني أجورهم وطول ساعات العمل فقد يبدأ عملهم في العاشرة صباحاً وحتى ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل، وهم يعملون جنباً إلى جنب مع الممثلين على تعديل النصوص وإعادة صياغتها لتلافي أخطاء الإعداد، وبحسب الشابة رؤى سلمان" اسم مستعار" والتي عملت مشرفة في إحدى الشركات تقول: "العمل بالإشراف له صعوباته فأنت تتعامل مع طباع مختلفة من الممثلين منهم المبتدئ ومنهم ذوو الخبرة والذين لا يمكنك التعليق على عملهم، هناك ساعات عمل طويلة والأجور لا تقابل الجهد المبذول".
ويعتبر الإشراف من المهن الصعبة فليس هناك ساعات عمل محددة بل يعتمد ذلك على إنجاز المشرف مع وجود وقت محدد لتسليم الأعمال بالإضافة إلى المشكلات التي تحدث أثناء التسجيل تتابع رؤى: "هناك الكثير من الأخطاء التي قد تحدث ونضطر للعودة وتسجيلها مرة أخرى في الوقت الذي تطلبه الشركة، قد يُطلب منك أن تنجز عملاً من خمس حلقات في يومين، وهذا صعب عدا مشكلات الإعداد والترجمة والمشكلات التقنية".
تاريخ فن الدوبلاج في سوريا
بدأ فن الدوبلاج في سوريا عام 1985 وكان في البداية فقط للرسوم المتحركة، ثم تطور مع الوقت وبدأت الشركات بدبلجة الأعمال الدرامية للكبار، في عام 2004 بدأت دبلجة المسلسلات التركية بالانتشار وكانت مجموعة mbc تقوم بعرضها حتى عام 2018 حيث قررت مجموعة قنوات mbc إيقاف عرض المسلسلات التركية، حينها بدأت الشركات تتجه لترجمة المسلسلات الهندية والفنزويلية والمكسيكية والبرتغالية، يبلغ عدد شركات الدوبلاج في سوريا اثنين وعشرين شركة، وجميعها تعمل بشكل متواصل، ولها شهرة واسعة وقد أسهمت هذه الشركات في نشر اللهجة العامية السورية في الوطن العربي، وقد أعلنت منصة الأفلام الشهيرة نتفليكس في تشرين الأول من العام 2021 اعتماد اللهجة السورية في مسلسلاتها كلهجة أساسية للدبلجة العربية، لتتبعها بعد ذلك منصة ديزني والتي أضافت اللهجة السورية ضمن خيارات العرض المخصصة في الشهر السادس من هذا العام، مع العلم أن هذه المنصات لا تتوفر في سوريا، إلا أن شركات الدوبلاج تتعامل مع كلتا المنصتين وتقوم بدبلجة أفلام ومسلسلات لهما.
من الجدير بالذكر أن مشكلات الممثلين تدور في حلقة مفرغة ضمن هذه الشركات فهم مضطرون للقبول بأجر أقل من الأجر المستحق من أجل معيشتهم، ولايمكنهم المطالبة بحقوقهم أو إخبار النقابة بالمبالغ التي يخسرونها لأنهم بذلك يخسرون عملهم وتكف الشركات عن التعامل معهم، وبهذه الحالة يبقى العمل في شركات الدوبلاج بتواطؤ ضمني من الجميع، على مبدأ قدم لي خدمة بصمتك أقدم لك عملاً.