icon
التغطية الحية

سيرة "مختلفة" للآخرين يكتبها الشاعر السوري بشير البكر

2022.12.17 | 22:39 دمشق

بشير البكر
سيرة الآخرين
أحمد طلب الناصر - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

 قبل نزعي الجِلاد الشفاف الرقيق عن الكتاب، كان أقصى ما تبادر إلى ذهني قراءة باقة مختارة من مقالات وزوايا الشاعر والصحافي السوري بشير البكر، التي تخصص لها بعض الدوريات العربية واسعة الانتشار حيزاً مهماً ضمن قسمها الثقافي، وخاصة صحيفة "المدن".

فعنوان الكتاب "سيرة الآخرين" سرعان ما يحيل القارئ إلى تلك المقالات التي دأب البكر على تزويدها بكل ما يطرأ على الساحة الثقافية وروادها من مستجدات، مستنداً إلى عراقة العلاقة التي تربطه بتلك الساحة وبأولئك الرواد على حدّ سواء.

ولكن، لم يخطر في بالي مطلقاً بأني أمام حالة ليست مختلفة عمّا كنت أتصوره فحسب، بل ومختلفة عمّا كان يقع بين يدي من كتب سِيَر وتراجم.. لم يخطر في بالي وأنا أقلّب أول وريقات الكتاب، أن أُكبّ خلال أربعة أيام لاحقة على قراءة جميع صفحاته الـ384، رغم أنها آخر أيام إجازاتي السنوية في العمل. فمتعة التنقّل بين تفاصيل سِيَر الشخصيات، والأماكن التي زرتُها والتقيتُ فيها –إلى جانب الكاتب- بأولئك "الآخرين"؛ في دمشق، وحلب، وبيروت، وباريس، ولندن، والخليج العربي، وعدن... سحرتني ومثّلت لي أجمل الإجازات التي قضيتها في حياتي!

بمجرد الانتهاء من تصفّح تفاصيل تلك الرحلة ستبدأ رحلة ثانية لا تقل روعة وإمتاعاً عن الأولى؛ رحلة عنوانها الرغبة في العودة مجدداً لقراءة خماسية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، ولسماع أغاني "يا سالمة" و"يا بنات المكلّا" و"جسّ الطبيب" وجميع أغنيات فهد بلان، المطرب السوري الراحل الذي اعترف الكاتب بأنه تأخّر كثيراً في توجيه "الشكر" له. والرغبة أيضاً في البحث عن قصيدة علي الجندي "البحر الأسود المتوسط" التي أخطأ محرر مجلة "فلسطين الثورة" حين "دَهَن" عنوانها بالأبيض كي تصبح "البحر الأبيض المتوسط".

عشراتٌ من الأسماء المهمة والاستثنائية عرج البكر على تسطير سيرتها، مبتدئاً بالمفكّر العربي عزمي بشارة، والأدباء زكريا تامر وعبد الرحمن منيف وحامد أراغون وبول شاوول وجميل حتمل، مارّاً بأمين معلوف وعارف حجاوي وفرج بيرقدار وصادق جلال العظم

بعد قراءتك "سيرتهم"، ستنتابك –رغماً عنك- رغبة جامحة في رؤية لوحات "جياد" و"أسماك" يوسف عبدلكي الضخمة، المرسومة بأقلام الرصاص والفحم، ومشاهدة جدارية مصطفى الحلاج "ارتجالات الحياة" التي احترقت ورحلت معه.

ستلهث كطفل صغير وأنت تبحث متلهفاً عن قصص سعيد حورانية قبل أن تنهي مجموعات زكريا تامر صاحب "صهيل الجواد الأبيض" و"النمور في اليوم العاشر"، وقصص "الحكواتي" عبد السلام العجيلي. بعد ذلك، ستبعث برسائلك إلى أصدقاء تطلب منهم تزويدك بكتب ديمة الشكر، وبجميع روايات فواز حداد الحذِرة والمقلقة، وروايات سمر يزبك منذ "تقاطع نيران" وصولاً إلى "المشّاءة".

ستكمل رحلتك لتعيد قراءة محمد الماغوط الذي "لا يرتجف من البرد أو الجوع، وإنما يرتجف من الخوف فقط"، الماغوط الذي "رفض أن يصبح أباً لشعراء بالتبنّي، لأنه يرفض المدرسية والتصنيم والتنميط".

ستتمنى لو تستطيع تكرار مشاهدة جميع حلقات "الزير سالم" في ساعة واحدة بعد أن تمرّ على كاتب المسلسل ممدوح عدوان وردوده الموسّعة على الانتقادات العديدة التي تعرّض لها، ثم تجلس بهدوء لقراءة كتابه "حيونة الإنسان" لتتلمّس حضور عدوان في الثورة السورية التي اندلعت بعد رحيله بسنوات.

ولأنك لم تلتقِ بهم، ستتحسّر على رحيل رياض الصالح الحسين وإبراهيم الجرادي وعناية جابر، ودعد حداد التي "ماتت من شدة الشعر"، وجارها "الجزراوي" بندر عبد الحميد صاحب الشقّة/ المضافة، الوادعة في شارع العابد، الصغيرة بحجمها والكبيرة باتساع مثقفي دمشق، والتي لم يغادرها سوى إلى مقبرة نجها... ستتحسر على رحيلهم ورحيل غيرهم ممّن ضمّ الكتاب سيرتهم. ولكي تتجاوز تلك الحسرة، ستنبشّ ما تيسّر لك من وقت كي تقرأهم وتستعيد حضورهم.

عشراتٌ من الأسماء المهمة والاستثنائية عرج البكر على تسطير سيرتها، مبتدئاً بالمفكّر العربي عزمي بشارة، والأدباء زكريا تامر وعبد الرحمن منيف وحامد أراغون وبول شاوول وجميل حتمل، مارّاً بأمين معلوف وعارف حجاوي وفرج بيرقدار وصادق جلال العظم وعبد العزيز المقالح ومحمد عمران ونجوى بركات وسلوى وخليل النعيمي وإلياس مرقص، منتهياً بالراحلَين أمجد ناصر وعبد القادر عبد اللي وغيرهما.

ستحاول قدر المستطاع أن تعيد حساباتك في تقييم 69 مبدعاً من الحاضرين والراحلين الذين سرد بشير البكر سِيَرهم المعجونة في سيرته لتشكّل تلك "السيرة مع الآخرين" المشهد الثقافي والسياسي العربي عبر أربعة عقود من الزمن، مثيرةً كل ما له علاقة بالذاكرة؛ بحلوها ومرّها، وباختلافنا حول شخوصها وقضاياها أو باتفاقنا عليها.. تلك الذاكرة الجميلة التي فقدنا جزءاً عظيماً منها، أو كدنا، ولتحرّضنا على الاقتراب أكثر من الذين ما زالوا حاضرين بيننا، قبل أن نفقدهم ونفقد سيرتهم.


الكتاب: "سيرة الآخرين"- 384 صفحة من القطع الوسط.
الكاتب: بشير البكر.
إصدار: دار جسور للترجمة والنشر- الطبعة الأولى 2022.