بعد هولندا وألمانيا يسعى لاجئون سوريون إلى ملاحقة "مجرمي الحرب" لا سيما جلادي الأسد في بلجيكا بهدف تقديمهم للعدالة رغم كل الصعوبات والعقبات التي تواجههم.
وسلطت وسائل إعلام بلجيكية أضواءها على الصعوبات التي تواجه ملاحقة "الشبيحة" في بلجيكا، مشيرة إلى وجود فريق متخصص بالتحقيق لملاحقتهم في حين يوجد نقص كبير في القدرات في بلجيكا.
ومن أبرز اللاجئين السوريين الذين يعملون على ملاحقة مجرمي الحرب الناشط إياس قعدوني (40 عاماً) والذي يقيم في مدينة غينت ويقضي وقت فراغه في تعقب جلادي الأسد في بلجيكا بالتنسيق مع العديد من السوريين المنتشرين في مدن بلجيكية أخرى.
وبحسب تقارير إعلامية فإن العديد من الرجال التابعين للمخابرات السورية في أوروبا بمن فيهم السجانون المعروفون بإجرامهم.
ويشرح إياس في مقابلة مع موقع تلفزيون سوريا آلية عملهم في ملاحقة مجرمي الحرب في بلجيكا ويقول: "بداية نحن لسنا جمعية أو منظمة ولا يوجد لنا هيكل قانوني يجمع الأشخاص الذين يعملون على ملاحقة ومتابعة مجرمي الحرب في بلجيكا ولكن نحن كمجموعة ننسق بشكل دائم فيما بيننا ونحن موجودون في أكثر من مدينة بلجيكية".
ويضيف الناشط السوري "كل واحد منا لديه تنسيق مع أشخاص آخرين في مدينته بحيث نتلقى المعلومات ونتناقش فيما بيننا ثم تبدأ الخطوات العملية في البحث المفصل حول أي ملف أو أي شخص متورط بحيث نتوصل إلى شيء ملموس يكون كافياً لكي نستطيع تقديم ملف بشكل قانوني والوصول إلى مرحلة يُستدعى فيها للاستجواب والتحقيق والتقاضي"، مشيراً إلى أن "البحث عن المعلومات يكون على الأرض في سوريا أو على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأشار إلى أن "عدد الأشخاص الذي يعملون على ملاحقة مجرمي الحرب نحو عشرين شخصاً".
صعوبات: التفرغ وطرق البحث
وعن العوائق والصعوبات التي تواجههم قال إياس إن "المجموعة غير كافية وطريقة البحث بحاجة إلى تطوير لكن العائق الأهم هو عدم قدرتنا على التفرغ الكامل لهذا الموضوع كون الحياة في أوروبا مرهقة خصوصاً للأشخاص الذين يعملون حيث يفرغون أنفسهم لهذا الأمر في عطلة نهاية الأسبوع أو في المساء بعد عملهم".
وفي بلجيكا بحسب اللاجئ السوري الكثير من الشبيحة وقبل عامين استدعت دائرة الهجرة أحد الأشخاص الذين تقدموا بطلب لجوء وتبين أنه كان شبيحاً في إحدى المدن السورية وتم التحقيق معه"، مضيفاً بأن "هناك شبيحاً آخر من المنطقة ذاتها وانتشرت صور ومقالات ومعلومات كثيرة عنه بأنه كان يقاتل إلى جانب ميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني كما أنه مرتبط بالأمن العسكري وتم استدعاء الاثنين إلى التحقيق ولكن لكوننا كياناً غير قانوني وليس مرخصاً في بلجيكا لا نستطيع البقاء على تواصل في مجال المعلومات وبحسب معلوماتي فإن المحامي أنور البني يتابع القضية".
الشبيحة منتشرون كالفطر في أوروبا
وأشار إلى أن "عدد الشبيحة الموجودين في أوروبا كبير جداً (..) منتشرون كالفطر في الدول الأوروبية وبالتالي الأمر بحاجة إلى مجهود كبير"، لافتاً إلى أن "من العوائق أيضاً أن الناس تخاف كون بعضهم يزور سوريا وآخرون لا يتحملون مسؤولية بحيث يقدمون لنا المعلومات ويتركون لنا القيام بالمجهود الأكبر في ملاحقتهم".
وعن تعاونهم مع المنظمات أو جهات حكومية لملاحقة مجرمي الحرب قال "لدي شبكة علاقة جيدة مع الإعلام البلجيكي وهناك منظمات بلجيكية كثيرة نعمل تحت غطائها وأخرى مستعدة للتعاون وبالإضافة إلى ذلك لدينا قنوات تواصل مع الحكومة البلجيكية".
وأشار إلى أن "النقطة الأصعب في عملنا هو أننا في كثير من الأحيان تصلنا معلومات عن شبيح ما لكنا لا نستطيع الوصول إلى أدلة موثقة كالشهود أو الصور أو الفيديوهات"، مضيفاً في إحدى القضايا كان هناك شهود ضد شبيح في بلجيكا لكننا عندما تواصلنا معهم رفضوا تقديم شهادتهم أمام المحكمة بذريعة الخوف رغم أنه كان غير منطقي كون العمل سيكون بسرية تامة".
ولفت إلى أن عدد الشبيحة سواء أكانوا عسكراً أم شرطة أم أمناً في بلجيكا بتفاوت درجات إجرامهم نحو 150 شخصاً ومعظمهم يقيمون في القسم الناطق باللغة الفرنسية من بلجيكا".
ويوضح الناشط السوري بأن مجرمي الحرب ينقسمون إلى ثلاثة أنواع أو درجات، فالدرجة الأولى هم الذين قاموا بأعمال إيذاء بشكل مباشر كالاعتقال أو القتل أو التسبب باعتقال أو قتل بشكل مباشر".
وأضاف بأن "الدرجة الثانية هم من الذين تورطوا بالوشاية وإخبار مؤسسات الأمن والمخابرات، أما الدرجة الثالثة هم من يعمل لصالح سفارات النظام وهؤلاء يصعب الحصول على معلومات عنهم بسبب صعوبة الوصول إليهم كون المنطقة التي ينشطون فيها هي الجانب الفرنسي من بلجيكا وهي كبيرة عدا تعاطف عدد من اللبنانيين والفلسطينيين معهم".
ويضيف "بالإضافة إلى الشبيحة هناك مجرمو حرب من فصائل مسلحة كـ"داعش" قاموا بانتهاكات جسيمة بحق المدنيين وارتكبوا جرائم كثيرة في سوريا وهي مجرمة بالقانون البلجيكي"، مشيراً إلى أنه يجب العمل على ملاحقتهم أيضاً لأنّ حقّ الإنسان هو حق واحد في كل زمان ومكان".
لا تعاون حقيقي.. وأمل بالوصول إلى شبكة معلومات واحدة
وانتقد الناشط السوري عدم تعاون منظمات ومؤسسات حقوقية تعنى بملاحقة مجرمي الحرب فيما بينها في أوروبا وقال إن "الصراع وتضخم الأنا يؤدي إلى نتيجة عكسية لصالح النظام.. لا يوجد تعاون بشكل حقيقي بين هذه المؤسسات".
ويأمل الناشط السوري بأن "نصل يوماً ما إلى شبكة معلومات واحدة تحقق العدالة للناس التي ظُلمت والتي ما زالت تأمل بوجود عدالة في العالم".
ويشير إلى "ضرورة تشكيل شبكة معلومات تمتد من سوريا إلى تركيا إلى أوروبا وبهذه الطريقة نستطيع الوصول إلى معلومات صحيحة بحيث لا نظلم أحداً وفي الوقت ذاته لا نترك قاتلاً سفاحاً يتنعم بحياته في أوروبا بعد أن دمر ونكل بحياة السوريين".
وأشار إلى أن هناك العديد من الناشطين البلجيكيين والأوروبيين الذين يتعاونون لملاحقة الشبيحة.
قدرة بلجيكا "غير كافية"
بدوره عبر قاضي التحقيق في مكتب المدعي الفيدرالي البلجيكي عن استيائه من عدم إحراز تقدم في ملاحقة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فظائع في سوريا وقال في تصريحات له: "إنني حقاً يائس قليلاً"، "هناك عدد غير قليل من التحقيقات الأولية في بلجيكا، لكن ليس لدينا القدرة الكافية لحلها".
وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام بلجيكية وهولندية فإنه حتى إذا تمكنت من إثبات أن شخصاً ما قد ارتكب مثل هذه الجرائم في سوريا، فإنه من الصعب مقاضاته في بلجيكا.
وتقول بريجيت هيرمانز الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط: "يجب أن تكون هناك صلة مباشرة ببلجيكا"، مضيفاً "ليس الأمر واضحاً دائماً".
وتضيف هيرمانز بأنه يمكن لضحية نظام الأسد رؤية حارس سجنه يسير في بلجيكا، لكن ليس من الممكن دائماً مقاضاته بموجب القانون البلجيكي.
وفي القانون البلجيكي لا يستطيع الضحايا تقديم شكوى مجرمي الحرب في سوريا كون القضاء البلجيكي لا يمتلك "اختصاصاً عالمياً".
ولتجاوز تلك العقبة يقول إياس قعدوني إنهم يسعون إلى مقاضاة مجرمي الحرب المتوجودين في بلجيكا في دول أوروبية أخرى.
وكان القانون البلجيكي السابق يسمح بمحاكمة أجانب أمام محاكم بلجيكية بصرف النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، ولكن في عام 2003 عدلت الحكومة البلجيكية القانون بعد انتقادات عنيفة من واشنطن للقانون الذي أُتيح بفضله رفع عدة قضايا ضد رؤساء متهمين بارتكاب جرائم حرب أبرزهم رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون لدوره في مذابح صبرا وشاتيلا والرئيس الأميركي جورج بوش الابن والبريطاني توني بلير لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب في العراق.
ويشار إلى أنه حُكم على عقيد في المخابرات السورية بالسجن مدى الحياة العام الماضي في ألمانيا، في حين تشهد محاكم هولندا أيضاً قضايا أخرى لمجرمي حرب سوريين.