يسير تصعيد النظام السوري الذي ترعاه إيران في شمال غربي سوريا بنسق تصاعدي منذ مطلع العام الحالي، إذ يتركز القصف على المناطق المؤهلة سكانياً، الذي وصل ذروته في 7 كانون الثاني الجاري باستهداف مناطق من إدلب بقنابل الفوسفور المحرمة دولياً.
تبادل أدوار
القصف المدفعي الذي يطول مناطق المعارضة في إدلب، والتي تنتشر فيها القوات التركية المعنية بمراقبة وقف إطلاق النار، مصدره الأساسي شرقي إدلب الخاضع لهيمنة الميليشيات المدعومة إيرانياً، ويبدو أنه في سياق محاولة استغلال انشغال القوى الإقليمية والمجتمع الدولي بالمواجهات في غزة، والسعي لتحقيق مكاسب ميدانية، حيث انطلق الفصل الأول من التصعيد في شهر تشرين الأول العام الماضي.
وعلى غرار اليمن ولبنان، تهتم إيران بتعزيز مكاسب وكلائها المحليين على وقع ما يجري في غزة، فقد تمكنت ميليشيا الحوثيين من فرض نفسها فاعلاً مؤثراً في البحر الأحمر، كما خاطبت كثيرا من الأطراف الدولية والإقليمية حزب الله اللبناني في إطار مساعي منع توسيع الحرب متجاوزين مؤسسات الدولية اللبنانية مما يعني اعترافاً واقعياً بسطوة الحزب على الدولة، والدور الباقي على النظام السوري ليحصد ثمار التزامه بالهدوء وعدم دعمه لحركة حماس في المواجهة مع إسرائيل، وبالتالي تحقيق منجز ميداني في إدلب بتوقيت قد يجنبه الاعتراضات الدولية وخاصة الغربية، ثمناً لمواقفه من حرب غزة.
الجانب الروسي من طرفه يبدو أنه يقوم بعملية تبادل أدوار مع إيران، فيتغاضى عن تصعيدها شمال غربي سوريا، مقابل تركيز اهتمامه مجدداً على منطقة الجنوب السوري، حيث نشر نقطتي مراقبة جديدة في 5 كانون الثاني الجاري في محافظة القنيطرة، من أجل ضمان عدم التصعيد باتجاه الجولان المحتل، بعد أيام فقط من تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، التي اعتبر فيها هجمات حماس ضد إسرائيل عملاً إرهابياً، ووصف الحركة ذاتها بالإرهابية، مما يعكس رغبة روسية بالعودة إلى دور الوساطة لصالح ضمان أمن إسرائيل في جنوبي سوريا، مقابل مكتسبات بالملف الأوكراني من قبيل وقف الدعم الإسرائيلي الاستخباري لأوكرانيا مثلاً.
ماذا وراء قصف إدلب؟
وتسعى روسيا للحفاظ على توازنات دقيقة بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف السوري، فمقابل غضها الطرف عن التصعيد الإيراني في إدلب، لم تبد اعتراضاً تجاه رد تركيا على التصعيد، الذي تجسد بتوجيه المدفعية التركية ضربات ضد مواقع للميليشيات الإيرانية في منطقة سراقب، بالإضافة إلى تحليق الطائرات الحربية التركية في أجواء محافظة إدلب في 7 كانون الثاني كرسالة ردع صريحة.
وبشكل عام، يدرك النظام السوري ومن خلفه إيران، وصول مساعيهما لإقناع أنقرة بسحب قواتها من شمال غربي سوريا إلى طريق مسدود، حيث أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر مراراً في آواخر عام 2023 أن بقاء الجيش التركي في شمال غربي سوريا مرتبط بإنهاء التهديدات، وحصول اتفاق على دستور جديد وانتخابات بين النظام والمعارضة السورية، ولذا تعمل دمشق وطهران على استخدام الضغط العسكري أملاً بإعادة إحياء المباحثات حول مستقبل انتشار القوات التركية بالمنطقة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في تركيا وما يرافقها عادة من حساسية بالغة تجاه التطورات على الحدود بما في ذلك موجات النزوح باتجاه الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا من جراء القصف.
وعلى أية حال، لا يبدو أن أنقرة التي تطرح نفسها وسيطاً بين النظام السوري والمعارضة مستعدة لفتح الباب أمام التنازلات أمام الضغط العسكري، وبدا هذا واضحاً من سرعة ردعها على التصعيد والدفع بسلاح الجو للتلويح بتغيير قواعد الاشتباك، مما يعني أن التسخين الحالي في إدلب سيستمر لكن دون تغيير في خريطة السيطرة.