من لا يعرف حكاية "سندريلا"؟ حكاية الفتاة التي جعلتها زوجة أبيها تعمل خادمة في منزلها بعد موت أمها، والتي تتمكن بتأثير السحر من حضور حفل ملكي لتخطف قلب الأمير وتهرب منه قبل أن يزول أثر السحر عند تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً، قبل أن تبدأ رحلة البحث عنها من خلال "الكندرة" التي أسقطتها.
هذه الحكاية التي كانت البذرة الأولى لكل الحبكات الدرامية القائمة على الرغبة بالصعود الاجتماعي، يختلف المؤرخون على مصدرها، ولم تكن على الدوام تحمل التفاصيل التي نعرفها؛ حيث ذكر المؤرخ الإغريقي سترابون قصة مماثلة تعود إلى أيام إيسوب في القرن السادس قبل الميلاد، عن خادمة مصرية من أصل يوناني تدعى "روهدوبس"، التي تخلفت عن حفل "أحمس الثاني" بسبب قيامها بأعمال الخدمة، ليأتي نسر ويسرق حذاءها ويضعه أمام الملك، فيطلب الملك من جميع نساء رعيته تجربة الحذاء، الذي لم يلائم سوى قدم "روهدوبس" ليتزوجها. كما أن هناك قصة مماثلة عن فتاة تسمى "ين تزان" ظهرت في الصين في القرن السابع الميلادي. لكن القصة التي نعرفها جيداً، تعود إلى عام 1697، حين نشرها الأخوين غريم بهذه الطريقة ضمن مجموعة من القصص الفلكلورية.
حكاية سندريلا في السينما والمسرح
حكاية سندريلا تم استهلاكها درامياً في المسرح والسينما عشرات المرات، حيث كانت من أوائل القصص الشعبية الفلكلورية التي يتم نقلها إلى السينما في عهدها الأول، في فيلم يحمل ذات الاسم للمخرج الفرنسي جورج ميلييز عام 1899، ولاتزال الحكاية حتى اليوم تستهوي مخرجي السينما والمسرح لتقديم نسخ عنها تحافظ على بنيتها الأصلية. بالإضافة إلى مئات الأفلام والمسلسلات التي اقتبست بتصرف من "سندريلا" وروح النص، لتبني عليه حكايات تختفي فيها آثار الخيال والسحر وتقترب من الواقع، مثل فيلم "Pretty Woman" عام 1990. في المقابل، فإن عددا كبيرا من صنّاع الدراما أنتجوا نسخ بارودي الساخرة، وهي تعيد استهلاك الحكاية بغرض السخرية منها، أو لاستثمارها في السخرية من ظروف اجتماعية وسياسية موازية لها. أبرز الأمثلة على ذلك، المسلسل الكرتوني الأميركي "فاميلي غاي"، الذي خصص إحدى حلقاته لإعادة إنتاج نسخة مشوهة عن حكاية سندريلا، تفضح مواطن الضعف واللا منطقية فيها، ولتسخر من الرسائل والقيم التي تمثلها، خصوصاً القيم المتعلقة بأحلام النساء وربط ارتفاع مكانتهن الاجتماعية بالعثور على رجل من طبقة الذوات.
الدراما السورية بدورها قدمت نسختين بارودي من حكاية سندريلا، كلتاهما جاءتا ضمن لوحات سلسلة "بقعة ضوء". الأولى كانت في الجزء الرابع من "بقعة ضوء" وحملت عنوان "عبد اللطيف سندريلا"
سندريلا في مسلسل بقعة ضوء
الدراما السورية بدورها قدمت نسختين بارودي من حكاية سندريلا، كلتاهما جاءتا ضمن لوحات سلسلة "بقعة ضوء". الأولى كانت في الجزء الرابع من "بقعة ضوء" وحملت عنوان "عبد اللطيف سندريلا"، التي بنت حبكتها على السخرية من التعامل مع مقاس الأحذية كبصمة تميز النساء، ووظفت ذلك للإضاءة على وحشية النظام الحاكم وغبائه؛ ففي الحلقة يشتم أحد المواطنين مسؤولا كاد أن يدوسه بسيارته، لتبدأ عناصر المخابرات بمطاردته. في أثناء المطاردة تقع منه فردة حذاء؛ فيتعامل معها المسؤول كدليل إدانة، ويطلب من أجهزة المخابرات أن تطوف على كل الناس لتعثر على من يناسبه الحذاء لتتم محاسبته؛ لتنتهي الحلقة بمشهد يصور كل الرجال في الشارع بأرجل مجبصنة، خشيةً من بطش أجهزة الدولة الأمنية.
سندريلا "الشامية"
النسخة الثانية تم تقديمها قبل أيام في الجزء الجديد من "بقعة ضوء" وحملت عنوان "سندريلا"؛ فيها يتم إعادة بناء عالم سندريلا الذي نعرفه جميعاً، لكن ضمن فضاء البيئة الشامية وفي أيام السفر برلك التي استهلكتها الدراما السورية حتى استنزفتها. يبدأ المشهد وسندريلا تخدم زوجة أبيها وبناتها حين يتم الإعلان عن حفل الغرض منه اختيار زوجة لأمير الأحلام، وهو بحسب اللوحة الابن الوحيد لأهله المُعفَى من الذهاب للعسكرية "لأخذ عسكر". تطلب سندريلا من زوجة أبيها الإذن لحضور حفل فترفض كما في كل الحكايات، وفي لحظات الحزن والوحدة التي ننتظر بها ظهور الجنية تأتي إحدى الجارات لتعرض على سندريلا الزواج من أمير أحلام من نوع آخر، هو رجل على وشك الهروب من البلاد مختفياً خلف ملاية، لتنتهي الحلقة بالزواج وبمسير الموكب مع امرأتين مخمورتين.
هذه النسخة تحاول إعادة إنتاج حكاية سندريلا للسخرية من الصورة المسخوطة لأمير الأحلام بالنسبة للنساء اللواتي يعشن في سوريا بالوقت الحالي، اللواتي انحدرت طموحاتهن من الارتقاء إلى طبقة الذوات ووصلت بهم الأمور إلى الحلم بأي رجل غير عسكري، أو رجل ينقذهن من الجحيم الذي يعشن فيه. بذلك تعزز هذه النسخة كل الأمور السلبية في الحكاية الرئيسية التي يتم انتقادها بنسخ البارودي عادةً، ففي الحكاية تبدو جميع النساء بلا طموحات باستثناء الزواج، الذي يبدو وكأنه متاجرة تهب فيها المرأة جسدها للوصول إلى مكانة أسمى.
وما يزيد الأمر سوءاً أن صنّاع المسلسل يلجؤون إلى تغطية الواقع بقشرة البيئة الشامية ليتمكنوا من طرح هذه الفكرة؛ بالغالب لأنها لا تتوافق مع الشكل الذي يجب أن يتم فيه تصوير العساكر وفقاً لأعراف وإيديولوجيا النظام. ورغم اللجوء إلى تغطية المشهد بغطاء زمني مختلف، فإن اللوحة تفتقد لأي عوامل جمالية بالمقارنة مع كل نسخ البارودي المعدة من قبل عن سندريلا، ويبدو أن السبب وراء ذلك يتعلق بالإنتاج الضعيف، فيختفي هنا كل السحر والأمور الجمالية المركبة في القصة الأصلية، بل وحتى تحذف منها مشاهد الحفلات الراقصة والقصور والبذخ، والأسوأ أن مظهر زوجة الأب وبناتها لا يبدو عليه أي مظهر من مظاهر الغنى، فلا تختلف أزياؤهن عن أزياء الخادمة سندريلا، ولولا الحوارات لا يمكن التمييز بين السيدة والخادمة.
وتختم الحلقة بالسخرية من صورة الرجال الذين خرجوا من سوريا ولم يحاربوا من أجل قائدها، فسندريلا رغم بحثها عن فرصة للهروب من الجحيم تتردد قبل الموافقة على الزواج، من الرجل المتخمر بملاية سوداء، تبدو كناية عن انعدام الرجولة.