يعرض موقع تلفزيون سوريا شهادة ناشطة حقوقية مقيمة في الغوطة الشرقية رفضت ذكر اسمها لأسباب أمنية، حضرت مجزرة القصف بالكيماوي على بلدات الغوطة الشرقية قبل ثماني سنوات، وتعرض الشهادة حالة الذعر التي لحقت بها وبالأهالي حينذاك.
تقول الشاهدة: "في الواحد والعشرين من شهر آب 2013، وقبل يوم من هذا التاريخ كنت في مديرية التربية بالغوطة الشرقية مجتمعة مع زميلاتي المدرسات نتناقش بامتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية التي نقيمها للمرة الأولى في الغوطة بعد انقطاع التعليم عن المنطقة لسنوات.. المدرسات والمدرسون من كل مناطق الغوطة.. تناقشنا بالنماذج الامتحانية وانصرفنا.. في الغد سيكون امتحان مادة الجغرافيا للثالث الثانوي".
الرابعة فجراً
"كنت نائمة مع عائلتي في الطابق الأرضي من البناء الذي نسكن فيه هرباً من القذائف الليلية القادمة من الجبل المطل على مدينة دوما والتي كانت شبه روتينا يوميا للنظام، فجأة استيقظنا على صوت مؤذن الجامع المجاور لنا يطلب منا الصعود إلى الطوابق العلوية ويقول إن الغوطة تعرضت لهجوم بالأسلحة الكيماوية".
"ركضنا مفزوعين لسطح البناء متناسين الخطر المتوقع وشاهدت بعض العائلات في الشارع تحمل أطفالها وتهرب مسرعة متجهة إلى طريق حاجز مخيم الوافدين التابع للنظام".
"بدأت بالبحث عبر جهاز الموبايل وكانت الصاعقة.. النظام قصفنا بالأسلحة الكيماوية.. بدأت الصور تتوارد لصفحة تنسيقية مدينة دوما ونداءات الاستغاثة لمساعدة طواقم الإسعاف.. المؤذن ينادي أي أحد لديه وسيلة نقل فليذهب للنقطة واحد ليساهم بإسعاف ضحايا الهجوم كنا محاصرين والوقود شبه مفقود بالكامل".
"نزلت مسرعة وودعت عائلتي وتوجهت مسرعة لجامع البغدادي حيث تم وضع الناس الأخف إصابة وعندما وصلت شاهدت مشهداً من مشاهد يوم القيامة، الجميع يصرخ ويبكي نساء وأطفال، تلك السيدة تنوح على عائلتها التي ماتت بالكامل وتلك تبحث عن ابنها وتلك ما زالت مصدومة من هول ما حدث".
أطفال بلا أمهات
"الطفلة أماني ذات السبعة أعوام كانت تبكي وتقول بدي ماما ووين ماما فاحتضنتها وحملتها لنبحث عن أمها بين النساء ولم نجدها ذهبت للسيدة التي تنسق العمل في المسجد وقلت لها لم أجد أم هذه الطفلة فقالت لي (خليها معك لسا الإسعاف ما وقف.. في كتير ناس ماتوا وفي ولاد بلا أهاليهم..) لم تكمل حديثها لأن ألف صوت يناديها هناك".
"أمسكت بالطفلة أماني وذهبت بها إلى جانب الحائط وحاولت أن أجعلها تهدأ تلاشت كل الأصوات من حولي وبقي فقط صوت أماني ما يشغلني.. ما لبثت أن نامت بين ذراعي".
جمع المعلومات عن المصابين
بدأت مرحلة جمع المعلومات عن المصابين الموجودين في المجلس وتوثيق الأسماء، الجميع يصرخ.. جمع المعلومات من أصعب ما يكون.. نادت المشرفات في المسجد يا أخوات كل من لديها طعام فلتأتي به للناس الدنيا حصار ولازم نوقف مع بعض ... من لديها ملابس لا تريدها فلتأتي بها ساعدوا المصابين على تبديل ملابسهم".
"استيقظت أماني حاولت أن أحصل منها على معلومات فلم تعرف إلا اسمها وأنها ساكنة بجوار بيت جدها.. من عربين هي سجلت معلوماتها وأخذتها لمنزلي لتعتني بها أمي وكان أهالي مدينة دوما حيث تم إسعاف قسم كبير من المصابين استقبلوا الناجين في بيوتهم لأن المسجد لم يعد يتسع".
"عدت إلى نقطة الإسعاف لأساعد فمنعني حارس النقطة.. وقال لي لا يوجد مكان وأغلب الذين تم إسعافهم استشهدوا.. التفت فوجدت سيارة جيب توقفت ونزل منها عبد الرحمن المدور الملقب أبو دوما والذي كان قائد لأحد كتائب الجيش الحر حينئذ حاملا بين ذراعيه طفلا مصابا فهرع به إلى داخل النقطة واتجه إلى زملكا حيث عدد الشهداء الأكبر".
تضيف الشاهدة في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا أنها تنتظر العدالة الدولية لمحاسبة النظام على كل مجازره بحق السوريين، خاصة مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية وخان شيخون والوقوف مع الضحايا وذويهم عبر محاسبة عادلة للفاعل.
مسؤولية النظام عن المجزرة
ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً في الذكرى السنوية الثامنة لأضخم هجوم للنظام بالأسلحة الكيماوية على المواطنين السوريين في غوطتي دمشق، وعرضت تفاصيل الهجوم، وإحصائية الضحايا المدنيين الذين بلغ عددهم 1119 شخصاً بينهم 99 طفلاً.
الشبكة السورية وصفت الهجوم الكيماوي ضدَّ أهالي غوطتي دمشق الشرقية والغربية بأنه أضخم هجوم عرفه العالم بالأسلحة الكيماوية بعد اعتماد اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وتشكل حصيلته قرابة 76 بالمئة من إجمالي الضحايا الذين قتلوا بسبب تلك الهجمات التي شنَّها نظام الأسد منذ كانون الأول 2012 حتى آخر هجوم موثَّق في الكبينة بريف اللاذقية في أيار 2019، حيث وثقت الشبكة في تقاريرها مقتل 1510 أشخاص وإصابة 11080 آخرين، في 217 هجوماً كيميائياً شنه نظام الأسد على المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته.
وطبقاً لتقرير الشبكة السورية فإن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قد أثبتت مسؤولية النظام عن استخدام السلاح الكيميائي في أربع هجمات، كما أثبتت آلية التحقيق المشتركة التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم 2235 مسؤوليته عن خمس هجمات أخرى.
ومنذ ثمانية أعوام حتى الآن ما زالت أسر الضحايا التي فقدت أبناءها وأحبَّتها تنتظر أن يفيَ المجتمع الدولي بوعوده وخطه الأحمر القاضي بمعاقبة نظام الأسد، وتعرب عن خيبتها لعدم تحقق أيِّ شكل فعّال من أشكال المحاسبة حتى الآن للنظام ورموزه.