رئة دمشق أو سلة دمشق الغذائية هو الاسم الذي يطلق على غوطة دمشق بشقيها الغربي والشرقي، وتعود تلك التسمية نظراً للمساحة الزراعية التي كانت تزرع فيما سبق والتي تقدر بخمسة آلاف هكتار حسب وزارة الزراعة قبل أن تبدأ الحرب في سوريا، حيث تحول جُلّ ما ينتج من هذه المساحات الزراعية الى سّمٌ زعاف بفعل الرّي بمياه الصرف الصحي حتى باتت خصوبة أراضيها مهددة كنتيجة طبيعة لاستخدام هذه المياه الملوثة.
تأكيد رسمي يوثق الحادثة
"عرفان زيادة" مدير إدارة الزراعة في ريف دمشق كان قد أكد هذه الواقعة في وقت سابق، وليس ذلك فحسب بل أكّد عِلمه بها من خلال حديث أجراه عبر أثير إذاعة المدينة وتذرع "زيادة" بأنَّ السبب الرئيسي لقيام الفلاحين بذلك هو تضرّر الآبار التي كان يستخدمها الفلاحون لسقاية المزروعات بالمياه النظيفة.
وكانت مهندسة زراعية “رفضت الكشف عن اسمها” قد قالت لإذاعة “شام إف إم” إن مزارعي الغوطة الشرقية لجؤوا إلى سقاية مزروعاتهم من مياه الصرف الصحي نظرا لعدم توفر المياه النظيفة، مؤكدة أنّ “وزارة الزراعة ترفض الاعتراف بذلك.
مكافحة وهمية ورشوة مقابل عدم التخريب
قالت مديرية الزراعة عبر موقعها على الإنترنت إنّ الفريق الفني قد نظم حتى هذا التاريخ (112) ضبطاً للري بمياه الصرف الصحي في حين بلغت المساحة الزراعية في المحافظة 586دونماً، وتنوّعت المحاصيل الزراعيّة ما بين (الخس والباذنجان والملوخية والذرة).
مصادر خاصة من المديرية الفرعية في منطقة الكسوة بريف دمشق أكدت لموقع تلفزيون سوريا: المكافحة وهمية، والمساحات المروية بمياه الصرف الصحي تبلغ أضعاف ما تحدثت به المديرية العامة على مستوى ريف دمشق، حيث تبلغ المساحات المروية بمياه الصرف الصحي في منطقة الكسوة وحدها نحو 500 دونم كرقم تقديري، وفي كل مرة بعد إثارة هذا الموضوع إعلامياً يُطلب منّا الخروج بلجنة والقدوم بضبوط حتى لو كانت وهمية وصور لعملية التخريب التي تكون جزءا بسيطا من المساحة الحقيقية.
يضيف المصدر: تردنا يومياً بلاغات عن مساحات مزروعة بمياه الصرف الصحي ومعظم تلك المساحات هي من الخضار المتنوعة، ونقوم بالاتصال بالمديرية العامة التي تقول بمعظم الأحيان تريثوا وانتظروا التعليمات وأحياناً أخرى يكون الجواب نحن على علم بذلك ولا يوجد حلول بديلة للمزارع، وتُضيف إنّ معظم اللجان التي إن خرجت من مديريتنا أو من مديريات أخرى تتلقى الرشاوي مقابل عدم تخريب المساحة المروية بمياه ملوثة وفي كثير من الأحيان تقوم تلك اللجان بغض البصر عن تلك المزروعات وتعمل على تنفيذ ضبوط وهمية إذا تكررت الشكوى أو إن وصلت تلك الشكوى عن نفس المساحة المقصودة إلى وزارة الزراعة.
ثروة كبيرة يحققها حيتان الزراعة وشراكة مع تجار سوق الهال والفرقة الرابعة
"أبو عمر" فلاح في بلدة أبو قاووق بريف دمشق قال لموقع تلفزيون سوريا: "نعم أقوم بري المزروعات بمياه الصرف الصحي ومصدرها نهر الأعوج الذي يتحول في فصل الصيف إلى مياه ملوثة خالصة، المياه النظيفة متوفرة هنا ولكن سهولة الري بالمياه الملوثة وتكلفتها البسيطة هي السبب وراء استخدامنا لها لكن الآن لم نعد نستطيع زرع مساحات كبيرة كما في السابق لقد أصبحت محط أنظار حيتان الزراعة وخاصة "آل عثمان" وآل المهايني" الذين أنشؤوا شراكة مع شخص يُقال له الدكتور وهو ضابط متنفّذ في الفرقة الرابعة وعلى شراكة أيضًا بالعميد طلال رئيس فرع سعسع.
مساحات شاسعة من داريا وجديدة وعرطوز وسعسع والكسوة تتم زراعتها بواسطتهم تحت أنظار الزراعة دون حسيب أو رقيب، وتلك المديريّة لا تجرؤ على النظر على مزروعاتهم وهذا السبب وراء هذه الشراكة لتقديم الحماية، وتحويل القِسم الأكبر من مياه الأنهار في فصل الشتاء نحو مزروعاتهم، ويكون ضحيّة لجان مديرية الزراعة هو ذاك الفلاح البسيط الذي لا يملك ثمن مادة المازوت لتشغيل محركات الآبار، وفي كثير من الأحيان يقومون بالتشبيح وقطع مياه نهر الأعوج الملوثة عن أراضينا فنضطر إلى شراء المازوت وتشغيل المحرّكات، ويضيف: "أنا وعدد كبير من الفلاحين على شراكة مع تجّار في سوق الهال، وهم من يقومون بتوجيهنا بنوعية المحصول الواجب زراعته، حيث يقدّمون لنا البِذار والأسمدة مقابل الحصول على نسبة من مربح المحصول وبيعه في سوق الهال، حيث إنهم يعلمون بنوعية المياه المستخدمة في الرّي ويشجعوننا على ذلك الأمر المهم بالنسبة لهم هو تحصيل مزيد من الأرباح حيث تكون أرباحهم أضعاف مضاعفة عنّا والسبب وراء ذلك بسبب انخفاض تكلفة الإنتاج من جهة والمربح من بيعه وتحزينه من جهة أخرى باتوا يبحثون عن شراكة مع فلاحين يملكون مساحات جيدة لزراعتها بمياه الصرف الصحي، وبحكم قربنا من مناطق المياه العذبة في الغوطة الغربية فتجار سوق الهال (شركائنا) يروجون بضاعتنا في السوق على أنها مروية بمياه عذبة ونقية والواقع مغاير تماماً".
ينتقل" ناصر" من منطقة الكسوة نحو الغوطة الشرقية مدفوعاً من أحد كبار تجار سوق الهال والمدعو (أبو ياسر. ط) باحثاً عن مساحة زراعية "محترمة" وقريبة من مياه الصرف الصحي حسب قوله من أجل زراعتها بمحصول الثوم البلدي والذي تشتهر به منطقة الكسوة، وترويجها على أنها مروية بمياه عذبة، وبحكم معرفة معظم التجار الصغار "الشقعيه" كما هو متعارف عليهم لناصر والمنطقة التي ينحدرون منها سيتهافتون على محصوله، ويضيف ناصر لموقع تلفزيون سوريا: "صفقة رابحة وتمويل كبير سأحصل عليه منه، والتكلفة الكبرى باستخراج المياه والأمر بسيط مياه صرف صحي متوفرة بكثرة، وهذا ما يريده التاجر الثروة واستغلال الموقف".
نتائج صحية كارثية
التهاب الأمعاء والإسهال أبرز الأعراض التي رصدها الطبيب المقيم في مستشفى المجتهد "عمران" الناتجة عن استهلاك الخضار والفواكه الملوثة بمياه الصرف الصحي، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا يقول: "هذه الأعراض وغيرها أصبحت حالة اعتيادية وحالات إسعافيّة يومية تأتي إلى المشفى وأطلقنا عدة نداءات استغاثة لوزارة الزراعة عن خطورة الوضع الحالي إذا استمر على هذا النحو ويتم إعطاء الوعود ولكن الوضع ما زال على حاله، في حين يصعب على الطفل والمستهلك بشكل عام التمييز بين الخضار الملوثة والنظيفة ويكمل حديثه بالقول: "نخشى ما نخشاه أن تزداد حالات حمى التيفوئيد بفعل التلوث الحاصل ويمكن أن يزداد الوضع سوءًا في حال استمرّت حالات الري بهذه المياه الملوثة لظهور حالات الليشمانيا التي من غير المستبعد ظهورها في المستقبل القريب".
أين محطات معالجة مياه الصرف الصحي؟
تملك سوريا في الغوطتين الشرقية والغربية أربع محطات تحلية، اثنتان منها هي محطة عدرا وداريا والهجانة وحران العواميد، وجميعها خارج الخدمة حالياً ولا تقوم بأي دور يذكر في عملية تكرير مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في عملية الزراعة وهو الهدف القريب من إنشائها، عدا محطة عدرا التي عادت في وقت سابق من شهر آذار للعام الحالي للعمل الجزئي حسب ما أعلن مدير الموارد المائية لريف دمشق في حكومة النظام السوري "محمود العكر" ق من الأراضي الزراعية، بينما أشار "بسام عسيكرية" مدير عام الشركة العام للصرف الصحي إلى أن محطة عدرا تعمل بعد التأهيل بربع طاقتها فقط وأن هنالك خططا لإعادة تأهيلها بشكل كامل دون إعطاء موعد محدد لعملية التأهيل.
الجدير بالذكر: أن سوريا تملك 26 محطة لتحلية مياه الصرف الصحي في عموم سوريا معظمها تم تمويلها من منظمة الأغذية والزراعة المعروفة اختصاراً “فاو"، ولا يوجد سوى أربع فقط منها رئيسية أو مركزية في دمشق وحماة وحمص وحلب تعمل بشكل جزئي، وال22 المتبقية محطات لا مركزية معظمها خارج الخدمة .