انتشرت في مناطق الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام خلال الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة على المجتمع السوري وهي رمي الأطفال حديثي الولادة أمام المساجد وفي أماكن مهجورة وقريبة من المشافي، أطفال تخلت عنهم أسرهم وتركوهم لأقدراهم لأسباب مجهولة، حيث عثر خلال الأشهر الأخيرة على العديد من هؤلاء الأطفال ضمن علب كرتونية أو ضمن حرامات شتوية أحياء يصارعون الجوع والبرد، بينما لم يحالف بعضهم الحظ وتوفي قبل أن يصل إليه أحد.
واللافت في الأمر هو زيادة هذه الحالات وتكرارها خلال الشهرين الماضيين ففي 29 كانون الثاني الفائت، عثر أهالي مدينة سلقين بريف إدلب الغربي على طفلة حديثة الولادة في مدخل أحد الأبنية، وقبلها بأيام قليلة نشر نشطاء صورة لرضيع عمره ساعات عثر عليه الأهالي أيضاُ في حالة صحية سيئة من البرد مرمي على طريق المدخل الشمالي من مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي.
20 حالة في 2018
وفي 18 من شهر شباط الفائت عثر الأهالي أيضا على طفل رضيع مرمي أمام مدخل إحدى الأبنية السكنية في شارع 8 آذار في مدينة جسر الشغور.
وفي ظل غياب جهة اجتماعية تعنى بهذه الحالات وتوثقها قام الصحفي محمود البكور المقيم في بلدة سراقب بريف إدلب بعمل تطوعي لتسجيل هذه الحالات وأرشفتها بالتاريخ والمكان وجنس المولود ومكان العثور عليه.
وأوضح بكور في سياق حديثه الخاص لموقع "تلفزيون سوريا" أنّه وثق بنفسه من خلال سجلات يحتفظ بها 21 حالة رمي لأطفال حديثي الولادة في المناطق المحررة من الشمال السوري (إدلب وريف حلب) خلال العام 2018.
وأشار بكور إلى أن "ثلاثة أطفال، من أصل 21 حالة، توفوا نتيجة الجوع والمرض، في حين تبرعت عائلات أخرى لتربية هؤلاء الأطفال في ظل نقص توفر مراكز الأيتام والرعاية".
وحول عدد الحالات المسجلة منذ بداية العام الحالي حتى آذار أشار الصحفي إلى "زيادة واضحة في هذه الظاهرة حيث وصل عدد الأطفال الذين تخلت عنهم أسرهم إلى 7 أطفال خلال شهرين فقط" ما يوضح حجم المشكلة ومخاطرها وفق تأكيده.
وتعود أسباب زيادة هذه الظاهرة وفق الناشط الصحفي إلى عوامل عديدة أبرزها "الفقر والجهل، وزيادة أعداد النازحين القادمين إلى إدلب والظروف الصعبة التي يعانونها".
الشرع يحرّم التبني:
وحول الوضع القانوني لهؤلاء الأطفال في أسرهم الجديدة قال قاضي الهيئة الشرعية السابق في محكمة معرة النعمان مصطفى رحال إنه "من الناحية الشرعية لا يجوز تبني هؤلاء الأطفال في أسرهم الجديدة، وإنما يمكن فقط تربيتهم ورعايتهم لحين بلوغهم الرشد" مضيفاُ أنّ "هؤلاء الأطفال يسجلون في النفوس في خانة مستقلة إلى حين إقرار أهلهم بنسبهم، وإحضار الثبوتيات اللازمة، أو يبقى بوضع اللقيط قانونا وشرعاُ ويأخذ اسم وكنية منفصلة".
وكان نظام الأسد طرح قانونًا جديدًا سمّاه "مجهولي النسب" عام 2017، ونُوقش في مجلس الشعب عام 2018 لوضع قانون خاص لمثل هذه الحالات لم يتم إقراره حتى الآن، حيث من المحتمل أن يتم معاملة هؤلاء الأطفال بحكم اللقيط الذي يعامل بموجبه معاملة اليتيم، فيتم تنظيم شهادة ولادة له بموجب ضبط شرطة وفق الأصول، وتُرسل نسخة عن شهادة الميلاد من دار الأيتام إلى السجل المدني، ويكتسب الجنسيَّة السوريَّة، والدين الإسلامي في حال لم يُعرف دينه، ويُسجَّل بالسجل المدني باسم ثلاثي مفترض.
ما الأسباب؟
ويعود أسباب زيادة هذه الظاهرة إلى عوامل عديدة وفق رأي الاختصاصية الاجتماعية نهى اليوسف المقيمة في مدينة كفرنبل أهمها "ظروف الحرب وما نتج عنها من الفقر والزيجات المبكرة، وبعض العلاقات غير الشرعية لا سيما في مخيمات النزوح".
وتضيف اليوسف "بعض النسوة تزوجن من رجال غاب أزواجهن عنهن بعد فترة بسيطة من زواجهن وهجروهن إلى مناطق أخرى، هذا الأمر سبب صدمة لهؤلاء الأمهات ودفعهن للتخلي عن مواليدهن على أمل إيجاد حياة أفضل لهم وفق وجهة نظرهن".
وترى الخبيرة الاجتماعية أنّ حل هذه المشكلة ومعالجتها لا يكون بالنظر إليها بشكل منفرد، وإنما يجب إعادة النظر بشكل كامل إلى الظروف الاجتماعية التي يعيشها الناس في هذه الآونة والضغوط المعيشية والاجتماعية الكبيرة التي يعايشونها.
وختاماً أكدت اليوسف على ضرورة العمل على توعية الفتيات من عمر صغير حول الزواج، وكيفية حماية أنفسهن، والابتعاد عن الارتباط برجال يحملون ثقافة التنصل من المسؤولية، والذين يعتبرون أن العار يلحق فقط بالنساء الذين ينجبون بطرق غير شرعية.
ورغم أن بعض الأمهات ترى في التخلص من أبنائهن حلاً لإيجاد حياة أكثر سعادة إلا أن الحقيقة مغايرة عن ذلك كما يؤكد المحامي السوري عروة السوسي حتى وإن حظي بعائلة ترعاه وتعتني به.
ويحذر السوسي في إطار حديثه الخاص لموقع "تلفزيون سوريا" من تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة قد تنشأ عند هؤلاء الأطفال مع تقدمهم في العمر عند معرفتهم بحقيقة وضعهم، حيث سيقضون حياتهم بحثاً عن والديهم الحقيقين.
يشار إلى أن هذه الظاهرة ليست خاصة بمناطق الشمال السوري، وإنما تمتد لمناطق سيطرة نظام الأسد حيث كشفت مواقع موالية خلال الأيام السابقة عن عشرات الحالات التي تم تسجيلها في مناطق عديدة مثل دمشق وحماه ومناطق أخرى.
وخلال أسبوع واحد فقط تكررت هذه الظاهرة ثلاث مرات وفق ما نشرته مواقع موالية، اثنتان منها في دمشق والثالثة في حماة، ما يعكس خطورة هذه الظاهرة وانتشارها بشكل أوسع.