تحول جذري في العلاقات داخل عائلة الأسد، كانت السفارة السورية في باريس مسرحا له، والمناسبة هي الانتخابات الرئاسية، رفعت الأسد الذي تم نفيه خارج البلاد عام 1985 بعد محاولته الاستيلاء على الحكم، يعود اليوم لينتخب ابن أخيه في محاولة لخطب ودّه.
في ثمانينيات القرن المنصرم، قَبَضَ رفعت ثمن التخلي عن طموحه بالرئاسة من شقيقه رئيس البلاد وقتذاك، حافظ الأسد، إثر مرض ألمّ بالأخير، حيث أعلن رفعت رغبته بتولي الحكم وأحضر عدداً من مسؤولي النظام لـ"مبايعته" بينما يرقد شقيقه الرئيس بين الحياة والموت، ليتم بعدها إدراج اسمه على قائمة الممنوعين من دخول البلاد.
ومع اندلاع الثورة السورية تنبأ رفعت بعدم تمكّن بشار الأسد من امتلاك زمام الأمور من جديد، وأن الثورة ستطيح به، واليوم هو مطلوب بعدة قضايا في المحاكم الفرنسية بسبب إدانته باختلاس وغسيل أموال، لكنه يقيم في قصره الباريسي طليقاً، بل وينتخب على أراضيها في مقر السفارة السورية وبرفقة ابنه سومر.
حالة الغزل والتزلّف بين رفعت وابن أخيه تستدعي الوقوف لمعرفة ما تخطط له العائلة من مصائب جديدة بعد أن تم منح رفعت جلّ القطع الأجنبي المتوفر في المصرف المركزي قبل مغادرته البلاد، كما هو مؤكد، بدليل امتلاكه قصورا وعقارات في عواصم أوروبية، ليأتي دور ابن أخيه ويرهن مقدرات البلاد بين إيران وروسيا ثمنا لبقائه في الحكم.
يرى المحامي والناشط في حقوق الإنسان أنور البني، أن خطوة رفعت غالبا تهدف لفتح طريق عودة والهروب إلى سوريا خاصة بعد صدور قرار حكم بسجنه أربع سنوات في فرنسا، وكذلك مصادرة أمواله في إسبانيا، وتوقع فتح محاكمة ضده في محاكم إسبانية وطبعا مع احتمالية توقيفه، حيث طالب الادعاء العام في إسبانيا بعقوبات يصل مجموعها إلى السجن 56 عاماً لرفعت وزوجته وأولاده.
وأضاف البني لموقع تلفزيون سوريا: "تم تضييق الخناق بشدة على رفعت الأسد في سويسرا بخصوص الملف المتعلق بمجازر حماة شباط 1982، حيث شهد شهر نيسان 2021 سماع أقوال شهود أمام المدعي العام السويسري، وبحضور محامي رفعت وأكد الشهود وجود رفعت الأسد شخصيا بمدينة حماة في أثناء المجزرة بما يخالف ادعاءاته أنه لا يعرف حماة ولم يزرها، وهذه الشهادة ربما تكون السبب بإصدار مذكرة توقيف أيضا".
وأكد البني أن محاولات جادّة من الجهات الحقوقية تعمل على تحريك الدعاوى ضد رفعت لمحاولة منعه من السفر خارج أوروبا، ومحاكمته على أراضي الاتحاد الأوروبي.
لكن الصحفي محمد الشيخ علي يرى أن تنشيط العلاقات بين النظام ورفعت وتصديرها للإعلام تهدف لإعادة تسليط الضوء على أحد أبرز رموز البطش والإجرام في عهد حافظ الأسد إلى واجهة النظام، وهي رسالة يوجهها النظام إلى بعض الأقطاب والرموز والتيارات داخل النظام نفسه، وربما هي أيضا محاولة لتشكيل حلف مدعوم من عائلة الأسد ضد الحلف الذي يحاول تشكيله رامي مخلوف، والجميع يعلم بأن عائلة مخلوف تفوق عائلة الأسد بالنفوذ في الساحل السوري.
وأضاف الشيخ علي لموقع تلفزيون سوريا "من الخطأ بمكان أن نعتقد أن النظام ورفعت كانا على اختلاف في فترة من الفترات، وإنما محاولة من حافظ الأسد إبعاد أخيه عن المشهد بعد أن تم منحه ما يقارب 214 مليون دولار في ذاك الوقت -وهو مبلغ ضخم جدا- برفقة 200 من أعوانه المتورطين بجرائم داخل البلاد، لينتقل ويعيش في قصور فرنسا، وهذا بالتأكيد لا يتم دون تسهيلات من النظام".
وختم الشيخ علي بأن نظام الأسد تمكن بأدواته الإجرامية من الوصول إلى السيدة بنان الطنطاوي واغتيالها في مدينة آخن الألمانية عام 1981 رغم أنها تحت الحماية الألمانية، ولو أرادوا الوصول إلى رفعت لوصلوا إليه وهذا دليل آخر على أن النظام يتواطأ بل على علاقة مع رفعت حتى اليوم، وسوف يستمر بشار بتقديم الدعم في السر والعلن لعمه حتى النهاية لأنه ببساطة أحد أهم أركان ورموز نظام طائفي بغيض".