تأتي إسطنبول في مقدمة الولايات التركية التي يعيش فيها اللاجئون السوريون، منذ نزوحهم إليها مع بداية الثورة السورية عام 2011، إذ بلغ عددهم 532 ألفاً بحسب آخر إحصائية لرئاسة الهجرة لعام 2023.
وبحسب رئاسة الهجرة فإن هؤلاء اللاجئين حصلوا على بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن المدينة، والتي أوقفت الحكومة التركية منحها للاجئين الجدد مع بداية عام 2019، إلا لحالات استثنائية.
المراقب لأعداد السوريين وانتشارهم في المدينة يرى أن أعدادهم كبيرة، وهذا ما تكشفه الحملات التي تنظمها السلطات التركية ضد الأجانب المخالفين في المدينة بشكل عام، والسوريين منهم بشكل خاص، إذ تعني السلطات بالمخالفين الذين يحملون بطاقة حماية صادرة عن ولاية أخرى، أو الذين لا يحملون بطاقة حماية أصلاً.
وكان وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، أكد في تموز من العام الماضي أن أجهزة الشرطة زادت عمليات التفتيش بشأن المهاجرين غير الشرعيين الأسبوع الماضي في ولاية إسطنبول بشكل خاص وباقي الولايات التركية بشكل عام، متعهدا بإنهاء وجود المهاجرين غير الشرعيين في المدن التركية خلال 4 أو 5 أشهر.
وعلى الرغم من أن وجودهم فيها بشكل غير قانوني قد يعرضهم للترحيل إلى الشمال السوري، نتساءل في هذه المادة عن الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين "المخالفين" للبقاء في إسطنبول؟
أسباب اقتصادية
تحتل إسطنبول مكانة أساسية في الاقتصاد التركي، إذ أنها تشكل مركزاً مالياً وتجارياً يحظى بحصة كبيرة في الاقتصاد التركي والاقتصاد العالمي بفضل مساهمتها التي تبلغ نسبتها 31.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي والتي تبلغ قيمتها تريليوناً و155 مليار ليرة تركية في الداخل التركي.
هذه المكانة الاقتصادية وما توفره من فرص عمل في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والتكنولوجية، كانت من أهم الأسباب التي دفعت السوريين للاستقرار فيها، وممارسة نشاطهم الصناعي والتجاري.
فالأسباب الاقتصادية تأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين عموماً، و"المخالفين" خصوصاً لتفضيل إسطنبول كخيار للإقامة باعتبار أنها مدينة كبيرة جداً وتتيح فرصا للعمل والأنشطة الاقتصادية أكثر بأضعاف عن المدن الأخرى، وذلك بحسب المحامي والناشط الحقوقي "غزوان قرنفل".
وأشار قرنفل في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إلى أن اللاجئ السوري لا يتلق دعماً مالياً من أي جهة حكومية أو أممية، باستثناء أقل من مليون شخص يحصلون على معونة متواضعة جداً من كرت الهلال الأحمر الممول من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا بد للسوري أن يعتمد على نفسه ليتمكن من العيش.
وأمام هذا الواقع يضيف "قرنفل" كانت إسطنبول الملاذ لتأمين لقمة العيش بالنسبة لعشرات الآلاف من العمال والطلاب الذين دفعتهم قسوة الحياة للبحث عن عمل خارج الولايات التي سجلت قيودهم فيها، والتي لا تتوفر فيها فرص العمل كما في إسطنبول.
وكانت غرفة تجارة إسطنبول أصدرت منتصف العام الفائت دراسة أكدت فيها أن أكثر من 70% من اللاجئين السوريين في الولاية هم فوق سن العمل، وأن عدد الشركات المملوكة لسوريين بلغ 6175 شركة في عام 2021، وأضافت الدراسة أن رأس مال هذه الشركات بلغ 2 مليار ليرة تركية.
أسباب اجتماعية
مع بداية قدومهم إلى تركيا، شكّل السوريون تجمعات في المدن التي استقروا فيها ومن أبرزها إسطنبول، حتى خرجت الكثير من الدراسات ومنها تركية سمتها هذه التجمعات بالـ"غيتو" أي المجمعات المغلقة السورية، وذلك بحسب الباحث بمركز عمران للدراسات نادر الخليل.
ويوضح الباحث بالشأن التركي في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن هذه التجمعات شكلت عامل جذب للسوريين، بما توفره من بيئة اجتماعية تحوي الكثير من العادات والتقاليد الخاصة بهم كسوريين، كحي الفاتح الشهير بإسطنبول، وحي أسنيورت. إذ كانت هذه البيئة الاجتماعية وما تحويه من فرص عمل يدوية سبباً رئيسياً لتعلق السوريين بمدينة إسطنبول.
ويشير "الخليل" إلى أنه سابقاً كان يتم تشغيل بعض المخالفين في هذه الأحياء بما تحويه من مهن كالمحلات التجارية والمطاعم، لكن بعد عمليات التدقيق الأمني، وترحيل بعض المخالفين إلى الشمال السوري، انخفضت نسبة المخالفين بشكل كبير.
من ناحيته لا يرى الناشط الحقوقي "قرنفل" أن نقل السوريين مدنهم وأحياءهم وعاداتهم وسوريتهم إلى تركيا ليس شيئا محموداً وهو واحد من أسباب التجافي بينهم وبين محيطهم الذي ينظر لهم على أنهم رافضون للتكيف والاندماج واحترام خصوصية المجتمع المضيف.
حلول ممكنة
يشكل ما يعرف بـ "إذن العمل" حلاً قانونياً لآلاف السوريين الراغبين بالإقامة والعمل في إسطنبول، إلا أن قيودهم تكون في ولايات أخرى.
عمر لاجئ سوري يقول في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن بطاقة حمايته المؤقتة صادرة ن ولاية "سكاريا"، لكن قلة فرص العمل فيها دفعه للقدوم إلى إسطنبول.
ويضيف عمر أنه كان يعمل متخفياً في العديد من الورش والمعامل خوفاً من الحملات الأمنية المتلاحقة التي تستهدف اللاجئين "المخالفين" في إسطنبول، لذا اضطر عمر بالاتفاق مع صاحب العمل لاستصدار بطاقة "إذن عمل" مما يخوله للعمل بشكل قانوني في المدينة، إلا أنه ـيستدرك عمرـ يجد صعوبة في تجديدها لهذا العام، مما قد يضطره للعودة إلى مدينته.
ويضيف المحامي "قرنفل": من المفترض أن يتم حل قضية الوجود السوري في إسطنبول وأولئك الذين يستمرون في التردد إليها من أجل العمل، هذه المهمة يجب أن تقوم بها الحكومة من خلال شرعنة إذن العمل فيها، وعليه يقوم الشخص بنقل قيوده إلى ولاية إسطنبول.
وكانت إدارة الهجرة التركية حددت عدة شروط لنقل بطاقة الحماية من مدينة إلى أخرى منها أن يكون لدى اللاجئ بطاقة "إذن عمل" سارية المفعول وصادرة عن الولاية المراد نقل القيود إليها.
وفي بداية عام 2016، أصدرت الحكومة التركية اللائحة التنفيذية الجديدة لتنفيذ إجراءات إذن العمل المتعلقة بنظام الحماية المؤقتة، والتي تسمح للسوريين تحت نظام الحماية المؤقتة بالعمل في تركيا.
ما علاقة الانتخابات البلدية؟
تشهد تركيا في نهاية شهر مارس/ آذار المقبل انتخابات بلدية، تتنافس فيها المعارضة بقيادة الحزب "الجمهوري" والائتلاف الحاكم بقيادة حزب "العدالة والتنمية" على الفوز بالبلديات الكبرى وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول، حيث شكلت خسارتهما في الانتخابات البلدية السابقة 2019 ضربة قوية للحزب الحاكم.
وعن علاقة هذه الانتخابات بالحملات الأمنية ينوه الباحث بالشأن التركي، أن خسارة الحزب الحاكم لبلديتي إسطنبول وأنقرة كانت من أهم أسباب الحملات التي يواجهها الأجانب المخالفون بشكل عام والسوريون منهم بشكل خاص، إذ يرى "الخليل" أن أهم أسباب هذه الخسارة كانت استغلال المعارضة لورقة اللاجئين وتحميلهم تبعات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، إضافة لترويج أخبار أن السوريين يحصلون على مساعدات من الحكومة والبلديات.
إلا أن اللعب بورقة اللاجئين سيكون محدوداً بالانتخابات البلدية القادمة، بعد أن أدركت كافة الأطراف في تركيا أن هذه الورقة لم تعد منتجة في البازارات الانتخابية، وذلك بحسب الناشط الحقوقي غزوان قرنفل.
وكان الرئيس التركي أردوغان أكد في اجتماع لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن الهدف الرئيسي للحزب، هو استعادة بلديتي إسطنبول، وأنقرة.
والأحد الماضي أعلن حزب "العدالة والتنمية" ترشيح الوزير السابق والبرلماني الحالي مراد كوروم لرئاسة بلدية إسطنبول عن "تحالف الجمهور" في الانتخابات المحلية المقررة 31 مارس/آذار 2024.