تعتبر البيئة التعليمية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال غربي سوريا، من البيئات غير الآمنة والتي تعج بالمنغصات والمشكلات ابتداءً من نقص الدعم الموجه إلى القطاع التعليمي مرورا بدمار البنية التحتية من مدارس معدة ومُهيئة وأزمات ومشكلات تتعلق بالمناهج والكوادر التعليمية وليس انتهاء بمشكلة الاعتراف الرسمي بالشهادات العلمية الصادرة عن المدارس والجامعات.
ومن وسط هذا الخراب الكبير يصر كثير من الطلبة على إثبات وجودهم انطلاقاً من الإمكانات المتوفرة متحدين جميع الظروف والصعوبات ومحرزين بذلك نجاحات غير مسبوقة ولا سيما في شهادتي التعليم الإعدادية والثانوية بفرعيها العلمي والأدبي ولعل قصة الطالب "ياسين الأمين" واحدة من قصص النجاح التي تروى في إطار إلهام الكثير انطلاقا من كونها مرآة تعكس القوة والإرادة والتصميم على النجاح وسط غياب جميع مقوماته.
الظروف التي مر بها ياسين لا تقل سوءاً عما يعانيه آلاف الأشخاص في المنطقة ولكن ذلك لم يقف حجر عثرة أمام تحقيق طموحه وتفوقه فالنزوح ودمار المنزل والتشرد الذي مر به خلال سنوات دراسته كانت حافزا مهما دفع ياسين ليكون إشارة فارقة في الإرادة وعدم الاستسلام لليأس محققا نجاحا باهرا في الشهادة الثانوية العامة وحاصدا بذلك العلامة الكاملة 240 من أصل 240.
إصرار وتصميم على الدراسة
وفي حديث عن تلك التجربة المتفوقة، قال ياسين لـ موقع تلفزيون سوريا: "قضيت فترة ليست قصيرة في مخيمات اللجوء بالقرب من الحدود التركية بعد أن هُجرت من قريتي كنصفرة في عام 2019. خلال هذه الفترة، واجهت تحديات كبيرة أثرت على تعليمي ومساري الدراسي. لم يكن التعليم متاحا بشكل كافٍ هناك، وهذا دفعني للبحث عن حلول بديلة، حيث بدأت بدورات تحضيرية خصوصية مع بعض المعلمين الذين كانوا حاضرين في المخيمات، وذلك لتعويض فترة الانقطاع عن التعليم خلال مرحلتي العاشر والحادي عشر. على الرغم من الصعوبات، واصلت الدراسة لتحقيق هدفي من خلال إصراري وتصميمي".
وقرر ياسين أن يكون للعام الدراسي الأخير دورٌ خاص ومختلف في حياته، ومميّز عن السنوات السابقة، فيقول: "قررت أن يكون هذا العام مخصصا بشكل أساسي للدراسة، وأن لا يكون هناك شيء آخر يأخذ من وقتي سوى التعليم. سأعمل على تجاوز التحديات التي قد تظهر في طريقي والتغلب على أي إغراءات أو مشتتات. سأضمن أن يكون التعليم هو الأولوية القصوى في حياتي خلال هذا العام، وسأسعى للاستفادة القصوى من هذه الفترة لبناء مستقبلي الأكاديمي وتحقيق النجاح في المجال الذي أسعى إليه".
الدراسة في ظل الأزمات والزلزال
لعل الأزمات كانت قدرا ملازما للمنطقة التي يعيش فيها ففي ظل تراكم الصعوبات والتحديات جاءت كارثة الزلزال لتضيف تحديا آخر وتنعكس سلبا على واقع المجتمع والطلاب بالتحديد نفسيا وتعليميا لكن ياسين كان له رأي آخر: "عندما تفاقمت الصعوبات في منطقتي وضرب زلزال مدمر، اضطررنا للتعامل مع مواقف غير متوقعة وصعبة. تأثرت حياتنا بشكل كبير، حيث اضطُرِرنا إلى مغادرة منازلنا وقضاء عدة أيام في الخيام بسبب تأثيرات الزلزال. تلك اللحظات كانت تحمل تحديات جديدة ومعنويات منخفضة، لكن رغم ذلك، لم تتوقف رغبتي في التعلم والتقدم".
ويردف: "في ذلك الوقت الصعب، كان الكتاب رفيقي المخلص. أينما ذهبت، كنتُ محاطا بصفحاته وعالمه. لا وقت لدي للتفكير في الوضع كثيرا، كنت مشغولا بالتركيز على متابعة دراستي من دون انقطاع. هذا الاندماج في عالم الدراسة ساعدني على التحفيز والتغلب على الظروف الصعبة".
وفي ظروف مثل التي مر بها ياسين كان الجهد الفردي والتمسك بالإرادة هما السبيل الوحيد للعبور إلى النجاح المحتم. يقول ياسين: "المفتاح لنجاحي في تلك المواقف كان يكمن في التحضير الجيد قبل الامتحان. عملت على فهم النماذج بشكل عميق ومحاكاة عمليات الاختبار مسبقًا للتأكد من استيعابي للمادة وتجنب الأخطاء. هذه الخطوة كانت حاسمة لضمان توجيه التركيز بشكل صحيح خلال الامتحان والحفاظ على هدوئي وثقتي".
في النهاية، يضيف ياسين: "نجاحي في حل الأسئلة دون أن أفقد تركيزي أو أقع في أخطاء كبيرة يعكس تأثير التحضير والممارسة المستمرة. الاستعداد الجيد والتفكير المنهجي ساعدا في التغلب على التوتر وحل الأسئلة بثقة ودقة. هذه التجربة تذكرني دائما بأهمية التحضير والاستعداد الجيد لمواجهة أي تحد أو امتحان في الحياة".
خلاصة التجربة التي عاشها ياسين ربما ستظل مصدر إلهام للكثير من الراغبين في تحقيق النجاح والتفوق وقد لخصها لنا كرسالة يمكن للراغبين في عيش تجربتها أن يتفكروا جيدا بها: "أنصح بشدة كل الطلاب الذين يمرون بالمرحلة نفسها بعدم الاستهانة بأي تفصيل صغير وعدم ترك أي جهد غير مبذول. تلك السنة تعد فعلاً سباقًا مع الزمن، والاستعداد الجيد والتركيز الكامل والعمل الجاد، كانت مفتاح التفوق فيها"، يقول ياسين.
يُذكر أن ياسين الأمين من بين الذين تم تكريمهم من قبل السلطات المحلية بإدلب، التي قدّمت بدورها جوائز مالية بقيمة 1000 دولار أميركي للمركز الأول و500 دولار للمراكز الثانية.