خيب بشار الأسد أمل داعميه فلم يكن خطاب الفوز أو النصر كما أُريد له أن يكون، إذ لم يكن الخطاب سياسياً ولا شعبياً ولا حتى شعبوياً براغماتياً، ولم يحقق ما أرادت له روسيا وإيران من خلال دعمها للنظام.
فالروس أرادوا من خلال دعم انتخابات نظام الأسد، استخدام النظام وتعويمه دولياً كورقة سياسية بيدهم في صراعهم مع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، إذ أن بقاء بشار الأسد في السلطة يعني أن الروس يتحكمون بمعظم مفاصل القرار السياسي السوري، وبالتالي يريد الروس من ضغطهم على المجتمع الدولي من أجل تعويم نظام الأسد وفرضه كأمر واقع، ضمان التمدد الروسي والبقاء طويل الأمد في سوريا.
الإيرانيون وعلى عكس الروس يستخدمون بشار الأسد كورقة مفاوضات مع الأميركان، وبالوقت ذاته يتمسكون بشخص بشار الأسد كأحد أركان استراتيجية إيران بالتوسع في المحيط الإقليمي والعربي بشكل خاص.
ومن خلال الدعم الروسي الإيراني والاعتراض الخجول من الولايات المتحدة والأوربيين وصمت المنظمات الدولية، مضى نظام الأسد بانتخاباته التي تخالف القرار 2254 الذي يعتبره المجتمع الدولي أساس الحل السياسي في سوريا، بل وحاول تصديره للعالم على أنه عملية ديموقراطية تامة الأركان من خلال عدة رسائل للخارج والداخل.
لم تكن كما يبدو للوهلة الأولى رسائل بشار الأسد موجهة للحكومات الغربية، إذ أنه ترك هذه المهمة فيما يبدو للروس والصينيين حيث تعمل الدولتان على تعويم النظام دولياً، وقد حققتا بعض النجاح من خلال قبوله في بعض مجالس الأمم المتحدة والتي كان آخرها منظمة الصحة العالمية، فيما يسعى الإيرانيون لاستخدام ورقة تعويمه كأحد شروطهم في الوصول لصيغة جديدة ومعدلة من الاتفاق النووي مع الأميركان.
خارجياً وجه بشار الأسد رسالته لمعارضيه بشكل مباشر حين هاجمهم بلغة بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية، فكانت لهجته أقرب لزعيم ميليشيا يتحدث لمقاتليه متوعداً أعداءه وموجهاً لهم سيلاً من الشتائم والكلمات النابية وهذا ما جعل خطابه مخيباً بالنسبة للروس، فلم يكن على مستوى النصر الذي كانوا يمنون النفس به.
داخلياً كان تركيز النظام واضحاً على تجاوز مرحلة الحديث عن الخسائر التي تعرض لها خلال سنوات الثورة العشر وكذلك الابتعاد عن الحديث عن إعادة الإعمار، ومحاولة إظهار الولاء الكبير لشخص بشار الأسد لذلك كان هناك مبالغة بإظهار التأييد والاحتفاء وكأنه كان يريد أن يثبت لنفسه قبل الآخرين بأنه لازال يملك تأييد حاضنته برغم طوابير الجوع المنتشرة والنقص الحاد في أبرز المتطلبات الحياتية، بالمقابل كانت صور الاحتفالات والمبالغة في إظهارها من قبل الموجودين في مناطق سيطرة النظام نوعاً من التمرد على الواقع المعاش لا الواقع المفروض، وكأن المحتفلين كانوا يقولون للسوريين الآخرين نحن أيضاَ مازلنا على قيد الحياة ونستطيع الاحتفال وإن كان احتفالاً بحياة جلادنا.
يريد بشار الأسد بصورة خاصة إظهار سطوته وبالوقت ذاته قبوله لدى السوريين، لذلك كانت رسالته التي نفذتها أجهزته الأمنية بكل دقة بقبول عدد كبير من المترشحين حتى وصل الأمر لشكل يشبه الفنتازيا، أراد النظام من خلالها القول إنه موجود وأراد بشار الأسد أن يقول إنه سينتصر مهما كان عدد منافسيه، فلا يهم النظام بالوقت الحالي تحسين صورته لدى الغرب فهو يدرك بأن ما يقوم به مكشوف للجميع وأنه لا يمر على الناس البسطاء فكيف على حكومات ودول.
يدرك بشار الأسد أنه بات معزولاً داخل محيطه وأن محاولة تعويمه ترتبط بتفاهمات دولية معقدة لذلك آثر أن يكون خطابه موجهاً للسوريين معارضين ومؤيدين، وهذا سبب استخدامه لغة بعيدة عن الدبلوماسية فلم يكن براغماتياً في التعامل ويستغل لحظة فوزه المزعوم ليتحصل على نقاط إضافية ضد معارضيه، بل استخدم الهجوم اللفظي في محاولة منه للحط من قيمتهم، وهو يذكرنا بالشخص الذي لم يستطع أن يصرع خصمه فعلا صوته بالسباب كي يظهر تفوقه.